مكاوي وجاهين.. ثنائي ''آخر حلاوة مفيش كده''
كتبت- منى الموجي:
موسيقي حالم، ذو بصيرة نافذة، عاشق للموسيقى والغناء، وذكاءه أقرب للدهاء كلها صفات اجتمعت في شيخ الملحنين الشيخ سيد مكاوي، فجعلت منه أسطورة خالدة نسترجع أعماله الغارقة في شرقيتنا، أطفالا وشبابا وكبارا.
الإخلاص فيما يؤديه والذوبان في كل عمل جديد يصنعه هي ايضا صفات تمتع بها شيخنا الكفيف، وتنطبق على شاعر كبير ربطته علاقة صداقة قوية بمكاوي، وربط بينهما القدر في يوم الرحيل لتظل ذكراهما حاضرة معا إلى الأبد، مثلما ستظل أعمالهما إلى الأبد شاهدة على عبقريتهما، وهو الشاعر صلاح جاهين.
خفة الروح
خفة الروح والموهبة الغير عادية كانتا أشبه بالمغناطيس الذي جذب الأثنان لبعضهما فأصبحا توأم فني، فهم كل منهما الأخر منذ اللقاء الأول الذي جاء بعد سماع جاهين لمطرب وملحن في الإذاعة يغني بحس فكاهي أغنية يقول فيها ''اخر حلاوة ما فيش كدا، ما تيالا يا مسعدة نروح السيدة''، فقرر أن يقابله، وبالفعل تم اللقاء في أحد مقاهي المنيرة، ولم يفرق بينهما منذ هذه اللحظة سوى الموت.
روح شعبية
مكاوي وجاهين التقيا كثيرا في العديد من الأعمال الفنية، وحملت أعمالهما سمات مختلفة، فمرة يأخذوننا لعالم مغلف بأجواء فلسفية وفي رحلة نستكشف معهما فيها الحياة والنفس البشرية كما في ''الرباعيات''، ومرة أخرى يستعيدان أجواء الطفولة فتجدهما يلهوان في ''الليلة الكبيرة'' وكأنك في أحد الموالد، ومرة ثالثة يظهر الحس الثوري الوطني ليدعوان الجمهور ليشاركهما في التعبير عن هذا الشعور فيصنعان سويا أغنية ''حنحارب'' و''ما أخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة''، أو يجعلانك تعيش دقائق من الرومانسية التي لا تخلو من خفة ظل تطل من الكلمات والألحان المنغمسة بروح شعبية، فيصنعا لصباح أغنية ''انا هنا يابن الحلال''، وجاهين ومكاوي حاضرين وبقوة في مرحلة من أجمل مراحل حياتنا عندما قدما سويا بصوت ماجدة الرومي أغنية ''باي باي''، والتي بها نودع مرحلة الدراسة الثانوية لنستقبل الدراسة الجامعية.
ماجدة الرومي ''باي باي'':
حدوتة:
ومن بين الأغاني التي حملت توقيع مكاوي وجاهين ''حدوتة''، وغناها المطرب الكبير محمد قنديل، كما كان لمرارة الاحتلال 1956 والهزيمة في 1967 أثر كبير على الاثنين، فانتجا إبداعا فنيا يعكس شعور المصريين، ويشعل فيهم الحماس ويبث فيهم الإرادة والتصميم على تحرير البلاد من الاستعمار.
ومن بين الأغاني الوطنية التي قدماها سويا ''حنحارب''، و''ما أخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة''، ''الشارع لنا''، ''إحنا العمال اللي اتقتلوا''، ورائعة جاهين ''الدرس انتهى لموا الكراريس''، والتي كتبها بعد الهجوم الغاشم للعدو الصهيوني على مدرسة بحر البقر الابتدائية وراح ضحيتها أطفال في عمر الزهور، وغنتها الفنانة شادية.
''الدرس انتهى لموا الكراريس'' غناء شادية:
فالنتينا نورتينا:
اشتركا في حفل أقيم بأسوان بداية الستينيات احتفالا بتدشين السد العالي، حضره الرئيس جمال عبدالناصر، ورئيس الاتحاد السوفيتي، وعدد كبير من الشخصيات العامة في مصر ودول العالم، ومن بينهم رائدة الفضاء فالنتينا، وقدما أغنية ترحيبا بها لم تخلو بالطبع من حسهما الفكاهي المعهود، ويقول مطلعها ''فانتينا.. فالنتينا.. أهلا بيكي نورتينا''.
الليلة الكبيرة:
جزء من أوبريت ''الليلة الكبيرة'':
''هي أصداء كل ما سمعت في الموالد, مثل مولد السيدة زينب رضي الله عنها ومولد سيدنا الحسين رضي الله عنه''، هكذا تحدث مكاوي عن ''الليلة الكبيرة''.
ولم تكن هذه الملحمة الفنية العمل الوحيد الذي صنعاه سويا للأطفال، حيث قدما عدد من مسرحيات العرائس والاوبريتات الناجحة التي أرادا بها مخاطبة الأطفال، ولكنها تخطت كل التوقعات ووصلت حتى للكبار، ومن بين هذه الأعمال ''الفيل النونو الغلباوي''، ''حمار شهاب الدين''، ''وصحصح لما ينجح''.
طار في الهوا شاشي:
الرباعيات
يوم صحيت شاعر براحة وصفا
الهم زال والحزن راح واختفى
خدني العجب وسألت روحي سؤال
أنا مت ولا وصلت للفلسفة.. عجبي
ربما كان لنكسة 67 تأثيرا كبيرا في عودة كتابة جاهين للرباعيات بغزارة، لكن لم تكن نظرته الفلسفية وليدة لحظة الانكسار هذه، فجاهين رغم أنه يبدو طوال الوقت هو الآخر ساخر، خفيف الظل، إلا أنه يتميز بعمق الفلاسفة في نظرته للحياة والحب والموت، وهي أيضا سمات يشترك معه فيها الشيخ سيد مكاوي، فجمعت الرباعيات بين جاهين كاتبا ومكاوي ملحنا ومغنيا.
ايش تطلبي يا نفسي فوق كل ده
حظك بيضحك وانتي متنكدة
ردت قالت لي النفس: قول للبشر
ميبصوليش بعيون حزينه كدا... عجبي
رباعيات جاهين بصوت سيد مكاوي..
فيديو قد يعجبك: