إيمي واينهاوس.. قتلها الإدمان مرة وقضى عليها الحب مرتين (ريفيو)
كتبت- هدى الشيمي:
في حياة المشاهير ذلك البريق الجذاب، الذي يدفع البعض للاهتمام بشئونهم الخاصة، والتفكير في طريقة تعاملهم مع الغير، كيف يرتدون ملابسهم في منازلهم، هل يتناولون نفس الطعام الذي يتناوله الغير، وهل يتحدثون بنفس الطريقة التي يتحدث بها الجميع، دائما ما يسعى المعجبون لاختراق ذلك الجدار الذي يضعه النجوم بين حياتهم الشخصية، وحقيقتهم، وبين ما يراه الجمهور ويعلمه عنهم، وفي فيلم "Amy" الحاصل على جائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقي لعام 2015، حاول المخرج البريطاني أسيف كاباديا، أن يعرض جانب إنساني بحت، لا يعلمه أحد من شخصية المغنية البريطانية الشابة الراحلة إيمي واينهاوس.
عرف العالم إيمي واينهاوس، تلك الفتاة الغارقة في بحر من الكحول، والتي تخرج منه لتستريح مؤقتا على شاطئ من المخدرات (كوكايين، وهيروين)، لا تبالي بأي شيء حولها، لا تكترث بآراء الآخرين، تفعل ما ترغب فيه، ولا تفكر في أي شيء آخر، لا انتقادات الصحفيين، ولا سخرية مقدمي البرامج، ليأتي كاباديا، ويوضح أنها ليست سوى فتاة بريئة حولتها الظروف إلى مريضة تعاني من نقص شديد، ترغب في تعويضه بأي شيء، مما دفعها للجوء إلى الإدمان.
خلال أحداث الفيلم المعروضة في حوالي ساعتين، قسم كاباديا حياة إيمي واينهاوس إلى ثلاثة مراحل، تبدأ المرحلة الأولى بذلك المشهد المصور منزليا، في عيد ميلاد لورين جيلبرت، الخامس عشر، إحدى صديقات إيمي المقربات، تبدو إيمي في هذه الفترة نضرة، مقبلة على الحياة متحمسة جدا، تغني لصديقتها "Happy Birthday to you" بطريقتها المعتادة والتي عرفها بها جمهورها، ثم ينتقل المخرج إلى مشهد آخر، يسأل فيه أحدهم إيمي هل تتوقعي أن تصبحي مشهورة يوما ما؟، فتجيبه "لا.. وإذا اصبحت مشهورة أعتقد إنني سأجن تماما"، وعلى ما يبدو أن هذا ما حدث، لم تستطع تلك الفتاة التي بدأت الغناء في عامها السادس عشر مع فرقة جاز وطنية صغيرة، السيطرة على هذا الكم من الشهرة، والثراء.
"إيمي" ليس كالأفلام الوثائقية التي يتحدث فيها مجموعة من الأشخاص المقربين عن صديقهم، أو أفراد العائلة عن شخص عزيز عليهم، ولكن إيمي كانت البطلة الحقيقية، فلا يخلو مشهد من صورتها، أو صوتها، سواء مكالمات هاتفية أجرتها مع أحدهم، أو مقاطع فيديو التقطها لها شخص ما، بالإضافة إلى صورها الشخصية في مراحل حياتها المختلفة، حيث اعتمد كاباديا خلال تنفيذه للفيلم، على مجموعة من اللقطات الأرشيفية والصور النادرة جدا لإيمي، كما تحدث مع صديقتيها المقربتين جوليت اشبي، ولورين جيلبرت، بالإضافة إلى مدير أعمالها السابق وصديقها نيك شيمانيسكي، ووالدها ميتشيل واينهاوس، ووالدتها جاينس واينهاوس.
عن طريق مجموعة من المشاهد السريعة للفتاة الشابة، يستطيع المشاهدون معرفة المراحل التي مرت بها حتى تنفيذ ألبومها "Frank" عام 2003، وكانت في ذلك الوقت فتاة صغيرة متحمسة، تستكشف كل ما يحيط بها، ولكنها لم ترى في نفسها شيء سوى عيوبها، فلا تثق بنفسها على الرغم من بموهبتها الضخمة، فتبحث عن كلمات دعم دائم، في ذلك المشهد الذي تستعد فيه لصعود على خشبة المسرح تقول لصديقها نيك "لا تقرب الكاميرا مني كثيرا، فأنت تظهر عيوبي"، ثم طلبت منه أن يعدها بأنها ستحطم المسرح، وستقدم عرضا مذهلا.
Amy Winehouse - Stronger Than Me:
لا تستطيع إيمي التعامل مع الأمور بجدية، فكل ما عرفته كانت الموسيقى، تتنفس النغمات، ولا ترغب في أن يُملي عليها أي شخص أي شيء، هناك مشهد تقول فيه أثناء استضافتها في برنامج "Friday night with Jonathan Ross" إنها لديها أسلوبها الخاص، تكتب أغنياتها بنفسها، لذلك إذا كان لأي شخص أي شيء يرغب في إضافته على ما تفعله، ستتركه يضيفه إذا اقتنعت به، وتعلق والدتها على مشهد لصغيرتها وهي في عامها الخامس تقريبا، تجري وتبكي بشدة وتختبئ خلفها قائلة "لاحظت إن إيمي عندما تقرر فعل شيء فهي تفعله، لا يستطيع أي شخص إثنائها عنه، أو الوقوف أمامها".
جمعت إيمي حولها مجموعة من الأشخاص الذين علموا أنها شخص جيد، وأنها تختلف عن ذلك الذي تتطارده "الباباراتزي"، وتظُهر الصحافة اسوأ ما فيه، فانتقلت للعيش برفقة صديقتها جوليت في شقة خاصة بهما، أقاما فيها الحفلات وكل منهما كانت تغني دائما، حتى أصبحت أكثر شهرة، والتفتت إليها الأنظار، لتصبح قادرة على شراء منزل خاص بها، فاشترت شقة في كامدن، وتقول جوليت "بعد شرائها لملكية خاصة بها، تغير كل شيء، ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية في الفيلم.
في الجزء الثاني من الفيلم، نرى إيمي الجديدة بعد تعرفها على حبيبها بليك فيلدر سيفيل، بعد غنائها في إحدى البارات، عام 2005، بشهادة المقربين منها أصبح بليك فجأة كل شيء في حياتها، اهتمت به كثيرا، وأخذ حيز كبير في حياتها، لم تذهب لأي مكان بدونه، كانا يفعلان كل شيء معا، لم يفترقا أبدا، ويقول بليك "كانت إيمي تقول دائما إننا توأم، ولكني اعتقد إننا التقينا، لأننا شخصيات مدمرة، فكل منا أكمل الآخر".
اعتاد بليك أن يسأل إيمي لماذا تبدو بهذه الرجولة، لماذا تتسم طباعها بهذه الخشونة، وكان يشعر بأنها تعرضت لظروف قاسية في طفولتها، عنف أسري، أو حالة اعتداء جنسي، فتجيبه "هجر والدي لوالدتي وأنا صغيرة، جعلني ما أنا عليه الآن"، ترك والد إيمي، ميتشيل واينهاوس أو "ميتش" كما كان يناديه الآخرون، زوجته قبل أن تكمل ابنتهما عامها الثاني، ولم يكن موجود أبدا، تقول إيمي "لم يكن هنا، لم أشعر بوجوده، أحيانا كنت أرغب أنا وأخي أن يصيح بنا والدنا ويطلب منا سماع كلام أمي، ولكنه لم يكن متواجد".
بعد أشهر ترك بليك إيمي، وعاد لحبيبته السابقة، فحاولت الانتقام منه بإقامة علاقة مع صديقه المقرب، ثم انهارت تماما، لأنها علمت أنهما لن يتحدثا ولن تعود علاقتهما كما كانت، حتى انتقلت إلى منزل أحد أصدقائها، وهناك عكفت على العمل على ألبومها الذي حقق نجاحا مذهلا "Back to Black"، وكان خلاصة لتجربتها مع بليك، وادمانها للكحول.
إلا أن الاستقرار لم يستمر، بعد ثلاثة أشهر من تسجيل أغنية "Back to Black"، كانت إيمي في استدويو "متروبوليس" تسجل مجموعة من الأغاني وبعد استراحة الغداء تغيبت 45 دقيقة، وعادت وبدا عليها الإعياء الشديد، فاكتشف مدير الاستديو إنها مصابة بمرض فقدان الشهية، وعلم في هذه اللحظة إن إيمي تواجه مشكلة حقيقية وخطيرة جدا.
Amy Winehouse - Back To Black:
يستمع المشاهدون لصوت "جانيس" تخبرهم بأن مرض فقدان الشهية، أصاب إيمي عندما كانت في الخامسة عشر من عمرها، حيث قالت لها إنها اكتشفت أفضل حمية غذائية، تأكل فيها كل شيء، ثم تضع اصبعها في فمها وتتقيأ كل ما تناولته، ولكنها لم تعرها اهتمام، واعتقدت إنها "تقليعة" ضمن التي تقوم بها الفتيات المراهقات، حتى والدها عندما علم لم يهتم أيضا.
بعد انتهاء إيمي من ألبومها الغنائي، طرحت أغنية "Rehab" وحققت الأغنية نجاحا غير مسبوق، وهي مستوحاة من تجربتها الشخصية بعد إدمانها للكحول، ومحاولة أحد أصدقائها وضعها في مصحة للعلاج، فقالت له إذا وافق والدي على دخولي للمصحة سأذهب، ولكنه رفض، وبرر ذلك بأنها تبدو بخير.
Amy Winehouse – Rehab:
وفي إبريل 2007، بدأت المرحلة الثالثة في حياة إيمي، حيث عادت علاقتها لبليك، وأعلنت خطبتها له، وفي هذه الفترة كرست حياتها له، لم تتركه أبدا، ففي ذلك المشهد تطوي له أكمام قميصه كما يحب، لا تتوقف عن تقبيله، لا تتركه أبدا، وتتأثر به بشدة، فتزوجا عام 2009، وبعد فترة قصيرة عرفّها على عالم المخدرات، كانت أول تجربة لها لإدمان المخدرات معه، فعرفت الكوكايين، والهيروين.
يقول بليك في إحدى اللقاءات التليفزيونية إنها لم تحقن نفسها أبدا بالمخدر، على عكسه هو فكان يتناوله ويحقن نفسه به، ولم تستطع إيمي التوقف بعد فترة قصيرة من تجربة الكوكايين، فتحول الأمر لعادة شبه يومية، حتى ذلك اليوم الذي اتصل فيه بصديقتها جوليت، ليخبرها إن إيمي مريضة، وفي المستشفى أخبرهما الطبيب إنه لا يعلم كيف بقيت على قيد الحياة مع وجود هذه الكمية من المخدرات والكحول في دورتها الدموية، دون أن تدخل في غيبوبة.
بصوت المستشار والمعالج شيب سومرس الذي التقى إيمي لأول مرة برفقة بليك، لتسجيلهما في مصحة لعلاجهما من الإدمان، علم إنها كانت ترغب في العلاج أكثر منه، ولكن بليك لم يكن على نفس القدر من الاستعداد، ولم يرغب في أن تتعالج هي أيضا حتى لا يخسر تلك الدجاجة التي تبيض له ذهب، ويقول "كانت ضعيفة جدا، وهشة، متأثرة بالتجربة السيئة التي مرت بها والدتها مع والدها، ولم ترغب في أن يتركها حب حياتها".
"مس شيطاني".. هكذا يصف المقربين من إيمي علاقتها ببليك، حاولت الانتحار عندما أقدم عليه، وظل يؤثر عليها سلبا حتى ألقي القبض عليه بتهمة تضليل العدالة، وحُكم عليه بعامين، وفي هذه الفترة حاولت إيمي استعادة ما تبقي منها، وبذلت مجهودا حقيقيا في إحياء الحفلات والتوقف عن الإدمان، فأصبحت أكثر ثراءً وأكثر نجاحا، وحصلت على جائزة الجرامي على أغنيتها "Rehab"، وفي هذه الليلة أخبرت صديقتها جوليت إن كل شيء يبدو مملا جدا بدون مخدرات، وهنا علمت الصديقة إن حياة إيمي انتهت، وشعرت بالحزن الحقيقي لما حدث للفتاة.
بعد فترة انتهى زواج إيمي من بليك، فأصيبت بصدمة شديدة، إلا أن تسجيلها لأغنية مع مثلها الأعلى في الغناء توني بليك أعطاها دفعة للأمام، ولكنها لم تكن دفعة قوية بما يكفي للمواصلة، بالإضافة إلى الإحباط الذي أصابها لعدم قدرتها على كتابة المزيد من الأغاني، واكتفائها بتقديم نفس الأغاني في حفلاتها وفي البرامج التي تظهر فيها، ففي تلك الحفلة التي أقيمت في بلغراد، رفضت الغناء بعد صعودها على المسرح، وفي ذلك المشهد أعطت ظهرها لجمهور، ووقعت من فوق مقعدها مرتين على المسرح، وفي هذه اللحظة تأكد الجميع إنها لم تعد تهتم بأي شيء، حياتها الفنية، واصدقائها وعائلتها.
بقيت إيمي في منزلها لفترة ليست طويلة، حتى اللحظة عُثر على جثتها في منزلها نائمة على سريرها في هدوء، وبعد تشريح جثتها تقول طبيبتها إن مستويات الكحول في دمها كان أكثر خمسة مرات من المسموح به أثناء القيادة، بالإضافة إلى اصابتها بفقدان الشهية، فتسبب ذلك في توقف قلبها وفارقت الحياة عن عمر 27 عام.
يقول المغني الكبير توني بينيت، إنه كان يرغب إذا التقى بها مرة أخرى، أن يخبرها إنها غالية جدا، ومهمة، تملك موهبة لا تقدر بثمن، ويتابع "كنت سأقول لها الحياة ستعلمك شيئا حقا، إذا عشتها بما يكفي".
بعد الانتهاء من عمل الفيلم، خرج بليك فيلدر يؤكد إنه لم يكن السبب في وفاة إيمي، بل إنها كانت محطمة قبل التقائه بها، ولكنه لا يرغب في أنه يحمله الجميع مسئولية شيء ليس له دخل فيه، وأكد أنه ما يزال يحبها، على الرغم من علاقته بحبيبته سارة، وانجابه منها طفلين، أما والد إيمي، ميتش، فرفض الفيلم تماما، وكتب بحسابه على تويتر بعد إعلان ترشيح الفيلم لجائزة أوسكار إنه يكرهه، ويراه منافي للعقل، وغير منطقي، لأنه ركز على الجوانب السيئة في إيمي، ولم يعرض الجزء المضيء في حياتها.
أما كاباديا، مخرج العمل، فيقول إنه حاول أن يعرض لمحة من حياة مطربة، حصرها الجميع في صورة معينة، ولم يمنحوها فرصة للدفاع عن نفسها، فهي فتاة دمرها من أحبتهم بصدق، في البداية والدها، الذي عشقته ووضعت اسمه على وشم رسمته على كفتها، وحبيبها، الذي يقول اصدقائها إنها كانت ترغب في العودة إليه قبل وفاتها بفترة قصيرة جدا، ويؤكد "رغبت في أن يشعر كل من شاهد الفيلم، إن إيمي أكثر من صوت يخطف الألباب، وابتسامة عريضة، ومدمنة ألقت بنفسها في التهلكة، رغبت في أن يرووها كصديقة لهم".
فيديو قد يعجبك: