فاتن حمامة.. شمس لا تعرف المغيب ''بروفايل''
كتب - أحمد الليثي:
أسطورة، ذات وجه ملائكي، تشع بهجة، متألقة، قبولها طاغي، صاحبة طلة لا تقاوم، قديرة، مبدعة، مؤثرة، رقيقة، علامة، جذابة، تلقائية، نجمة، بسيطة؛ كيان لا يحويه الكلمات، بل ربما تبدو نمطية في حضرتها، غير أن رحيلها لم يكن حقيقيا مثلما أُشيع، بل بقيت، وستبقى شمس تنير كل من أحاطها، ممثلون، وجمهور، ونقاد؛ فلا تزال تُضفي رونقا على كل من جاورها فاستمد من نبعها عبقرية لا تنفد.
تاريخ فني لا يُنسى، كللته بـ''أفضل ممثلة في القرن العشرين''، وحصيلة لا تعد ضمن كلاسيكيات السينما المصرية، تظهر ''فاتن حمامة'' على الشاشة كشمس تجلت، تهب وهجها لمن يرتضي بالمثول أمامها، فتضيف إليه ما لم يحلم به، مع ''أحمد مظهر'' في دعاء الكروان، تغضب، تخنع، تتوتر، تثور، تتمرد، ترضى، تقنع، تثأر، تتلقف الموت بدلا من غريمها، فتتلون على وجه المهندس/ مظهر أمارات الإبداع، كبنت بلد ''جدعة'' تخطف قلوب الرجال، تتألق في صراع في الوادي فتجعل من عمر الشريف بطلا يُصدق، رغم مظهره الأولي المعتمد على وسامة وجاذبية وفقط.
هي ''الأفضل'' دوما، حتى وإن لم تبلغ السادسة، حين اختيرت كأفضل طفلة في مصر، فأرسل والدها صورتها للمخرج ''محمد كريم'' فكان الظهور الأول في ''يوم سعيد''، تلاه ''رصاصة في القلب'' و''دنيا''، و''ملاك الرحمة'' مع يوسف بك وهبي، قبل أن تلتحق بالمعهد الفني للتمثيل 1946، ليصبح الفن قبل ''فاتن'' قصة، وبعدها ''روايات''، تُحول التمثيل المعتمد على المبالغة -من المسرح- إلى بساطة لا تخلو من دقة وإبداع، تتعملق مع يوسف شاهين في أولى تجاربه ''بابا أمين'' فتفتح الباب لمخرج جُن الناس في دنياه وصورته وعبقريته، ينتظرها ''عبد الحليم'' بالساعات في ''موعد غرام''، يناغشها فيظهر ''العندليب'' بخفة دم لا تقاوم، يتشاجر من أجلها الأصدقاء في ''أيامنا الحلوة'' فتنتزع من عيون المتلهفين -من متابعيها- الآهات وهي ترحل في سكينة بينما يسير الرفاق جنبا إلى جنب، تتمنى لو تلعنها في ''لا أنام''، وتُخرج من زكي رستم غضب ومشاهد ستبقى خالدة في ''نهر الحب''.
حتى في علاقتها الشخصية لم تكن كأهل الفن، فهي رصينة، تعرف كيف تختار أحبائها، من عز الدين ذو الفقار المخرج الكبير وشريكها في الإنتاج -1947، قبل أن ينفصلا -1954- في هدوء بعد أن تيقنت بأن الارتباط كان محض انبهار تلميذة في دنيا السينما بأحد أهم مخرجيها، ومنه إلى عمر الشريف ابن الذوات الذي يدير شركات والده، قبل أن يقع في طريقها بترشيح من يوسف شاهين في صراع في الوادي، إعجاب، فقبلة، فزواج -1954/1974- استمر لعشرين عاما وانفصال في هدوء دون تجريح أو فضائحية.
برعت في كافة المناحي، ترتدي فلاحة في ''الحرام'' تتسلق سيارة عمال التراحيل في خفة، وتتمثل من خلالها مرارة ''الانكسار وقلة الحيلة والعوز'' فتفوح جلية في ملامح ''عبد الله غيث''، تسير بتؤدة بالـ''جيب وبلوزة'' وتراقب الفلاحين بلسان ذاق شقى الأرض في ''أفواه وأرانب'' فيظهر معها ''محمود ياسين'' طالب في مدرسة الفن، تنهره في ''الخيط الرفيع'' فتقول معها الجماهير ''يا ابن الكلب''، ترطن بالسواحلي في ''ليلة القبض على فاطمة'' وتعلم أبنائها الارستقراطية والنظام والذوق في ''إمبراطورية ميم''، يخرج الأبناء عن طوعها، فتعيد تربيتهم في ''ضمير أبله حكمت''.
تعلم عشاقها كيف يصبح الفن راقيا، كيف يوازي ظهور ''فاتن'' صمت وذهول واستكانة وشفاه تتعجب من مشوار لم تقطعه كلمات خادشة أو مشاهد فجة، لم يشهد سقوط في فخ ''السيما التجارية''، او استسهال في انتقاء دور، لم تعرف إخفاق طبيعي في مشوار ملئ بالزخم، أو غياب يطول، حتى في رحيلها عن الوطن لمضايقات سياسية عادت ثانية بعد انتفاء السبب؛ برحيل عبد الناصر، لكنها رغم براعتها في التمثيل لا تحب الظهور كضحية، ترفض تعليق الشماعات، فقط تنتقد ولمرة وحيدة دون ثرثرة ''كان عصر ظالم يخطف الناس من بيوتها''.
في أريد حلا تحاضر المجتمع ''كيف يُقام العدل بقوانين عام 29 وقد تخطاها الزمن''، يُضحي معها ''صالح سليم'' لاعب الكرة الأشهر، ممثل بارع، حبيّب لا تقف أمامه عثرات، يحاول والدها كبتها فتطلق صيحة التمرد في ''الباب المفتوح''، تتقن لعبة الألغاز في ''المنزل رقم 13'' مع كمال الشيخ، وتتقن الرحيل في وجل دون أن تزعج محبيها، فيما تبقى بسمتها نضرة لا يعكر صفوها كدر، حتى وإن كان الخبر ''وفاة''، فأعمالها لم تمت، وذكراها باقية، وشمسها لا تغيب.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: