الثقافة والصحة النفسية
06:40 ص
الأحد 05 فبراير 2012
ثمينة شاهيم- أستاذة مساعدة في علم النفسنصائح نفسية من الدكتورة ثمينة شاهيم لقراء جوهرة. أرسلوا استفساراتكم إلى: advice@jawhara.meالثقافة هي نمط حياة يؤثر في كل جوانب أفكارنا وإدراكنا وتصرفنا. أحياناً يكون هذا التأثير ملموساً وأخرى يكون غامضاً، نادراً ما يكون مرئياً وفي أوقات أخرى يكون خفيّاً.نعلم أن الثقافة تلعب دوراً كبيراً في نواحٍ كثيرة من حياتنا مثل نظم القيم والتقاليد والطقوس والعادات والفن وغيرها. في الواقع فإن النواحي التي لا تتأثر بالثقافة قليلة جداً.ويمكن إضافة كل جوانب الصحة النفسية إلى الأوجه التي تتأئر بالثقافة من بينها التشخيص والتعبير عن العوارض والعلاج. لذلك يمكن أن تختلف الحالة جداً بين شخص يعاني من الاكتئاب في المكسيك وآخر في مانيلا مما يوحي بعلاقة قوية بين العوامل الاجتماعية/الثقافية ونتيجة المرض النفسي. وحتى أن هناك مجموعة من الاضطرابات النفسية المصنفة موجودة فقط في ثقافات محددة وتعرف بمتلازمات ذات ميول ثقافية.علاوة على ذلك فما يُعتبر صحياً وطبيعياً جداً في ثقافة ما، قد يبدو منحرفاُ أو غير طبيعيٍ في ثقافة أخرى.لنبدأ بعلم النفس مثلاً الذي ما زال بنظر العديد من الثقافات التقليدية والجماعية يثير الارتياب. فالتحدث مع شخص غريب عن مشاكلنا يأتي ضد القيم الجوهرية عن الاحتفاظ بالقضايا الشخصية ضمن الجدران الآمنة للإطار العائلي. فيتم مناقشة الأسئلة والمسائل مع كبار السن ومن هم أكثر حكمة وخبرة. هؤلاء الأشخاص لا يثقون بالمعالج النفسي الذي يرونه كدخيل بدور متطفلٍ وقويٍ.إذا ولّد القلق حيال الصحة النفسية إحباطاً أو حزناً يميل هؤلاء الأشخاص الذين ليسوا معتادين على الأطباء النفسيين إلى مراجعة طبيب عام والاشتكاء من عوارض جسدية بدلاً من المشاكل النفسية. فمثلاً إذا عانى شخص من عوارض مرتبطة باضطراب نفسي قد يتكلم عن المشاكل الجسدية مثل فقدان/زيادة الشهية والغثيات وألم المعدة والدوخة وضعف البصر بدلا من العوارض النفسية مثل فقدان الأمل والضياع والحزن واليأس.فظهور العوارض الجسدية التي لا ترتبط بمرض جسدي مشخص والتركيز عليها يعرف بـ “الجسدنة”. فبحسب مقال لليكرمان في مجلة( Psychology Today 2010) تم التوصل من خلال دراسة على 1000 مريض لمدة 3 سنوات اشتكوا 567 مرة من 14 عارضاً شائعاً (من بينها ألم في الصدر والتعب والدوخة ووجع الرأس ووجع الظهر وضيق النفس والأرق وألم في البطن والتخدر وخسارة الوزن والسعال والأمساك) إلى أن السبب كان جسدياً في 16% فقط من الحالات. لا يعني ذلك أن 16% من الحالات كانت بسبب جسدي و84% الباقية كان لها سبب نفسي بل يعني أن 84% من العوارض لم تكن جراء سبب جسدي. وبالتالي من الممكن أنّ عدداً كبيراً من هؤلاء الأشخاص كانوا يمرون بمحنة نفسية ولكن عبروا عنها بعوارض جسدية.الأكثر من ذلك أن هناك علاقة جدلية بين الثقافة واللغة. فطريقة تعبيرنا عن نفسنا والكلمات التي نستخدمها كثيراً تعكس بنية قيم ثقافية. أحد المرضى وافق على هذه النقطة وقالإن “اللغة والثقافة تلعبان دوراً مهماً في مناقشة الصحة النفسية. فمثلاً إذا ذهبت إلى طبيب لا يفهم لغتي أو ليس معتاداً على ثقافتي، أولاً لن أستطيع أن أشرح له /لها مشكلتي كما أرغب وثانياً حتى لو فهمني/فهمتني فقد لا يستطيعون تقديم علاج مناسب مع ثقافتي والذي هو أمر مهم جداً”.في مجتمع متنوع الثقافات يجب على الطبيب النفسي الذي يهتم بالصحة النفسية أن يتمتع بمستوى معين من القدرة الثقافية لدى تعامله مع أشخاص من خلفيات عديدة ومختلفة. وتتضمن هذه المهارات: الوعي للإرث الثقافي، وتقدير الاختلافات الثقافية واحترامها، معرفة الخلفية الثقافية وتاريخ الأشخاص الذين يتعاملون معهم وتقدير التأثير الذي تتركه هذه الاختلافات على الحالة النفسية.وأما فيما يخص العلاج ففي المجتمعات الفردية مثل كندا والولايات المتحدة الأميركية لا يتردد الأشخاص في الاتصال بالطبيب النفسي وأخذ موعد بينما في المجتمعات التقليدية الجماعية قد يلجأ الأشخاص إلى العلاج في كآخر فرصة مع تتطور العوارض بعد أن استعانوا أولاً بالعائلة الكبيرة أو العلاقات الأخرى أو حتر المرشدين والمعالجين الروحيين.وقد أثبتت البحوث أنه في بعض الأحيان من الضروري البحث عن نصيحة الطبيب النفسي لمعالجة مرض نفسي معين لأن التحدث مع العائلة أو اللجوء إلى علاجات بديلة وتقليدية قد لا يكون فعالاً.ولكن في الوقت نفسه من الضروري التشديد على أنه حتى ولو كان الشخص يتلقى أفضل رعاية نفسية على الإطلاق فإن وجود دعم العائلة والأصدقاء أساسي للشفاء من المرض النفسي.وبينما يوجد الكثير لنتعلمه من التفسيرات النفسية الغربية لا يجدر بنا الاستخفاف بصحة وقيمة القيم الثقافية الشرقية التي قد تساهم في شفاء فرد يعاني من قلق حيال الصحة النفسية. وتذكروا أن الاختلافات ليست نقصاً وما قد ينجح في ثقافة ما قد يفشل كلياً في ثقافة أخرى.Image: Thinkstock
فيديو قد يعجبك:
الخبر التالى:
صديقتي وحيدة.. كيف أساعدها؟