ما حكم الربط والمس
يجيب على هذه الفتوى الدكتور عبدالله سمك:
الربط أو المس يُعرف بالنُّشْرَةُ، وهي فِي اللُّغَةِ: كَالتَّعْوِيذِ وَالرُّقْيَةِ. يُعَالَجُ بِهَا الْمَجْنُونُ وَالْمَرِيضُ وَحَل السِّحْرِ عَنِ الْمَسْحُورِ، وَفِي الْحَدِيثِ فَلَعَل طِبًّا أَصَابَهُ، يَعْنِي سِحْرًا، ثُمَّ نَشَرَهُ بـ قُل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ أَيْ رَقَاهُ. وَالتَّنْشِيرُ: الرُّقْيَةُ أَوْ كِتَابَةُ النُّشْرَةُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ : هِيَ أَنْ يَكْتُبَ شَيْئًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ يُمْسَحُ بِهِ الْمَرِيضُ أَوْ يُسْقَاهُ. أَوْ يُكْتَبُ قُرْآنٌ وَذِكْرٌ بِإِنَاءٍ لِحَامِلٍ لِعُسْرِ الْوِلاَدَةِ، وَلِمَرِيضٍ يُسْقَيَانِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
يُحَل السِّحْرُ عَنِ الْمَسْحُورِ بِطَرِيقَتَيْنِ:
الأْولَى : أَنْ يُحَل بِالرُّقَى الْمُبَاحَةِ وَالتَّعَوُّذِ الْمَشْرُوعِ، كَالْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَالاِسْتِعَاذَاتِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْرِ الْمَأْثُورَةِ وَلَكِنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْمَأْثُورِ، فَهَذَا النَّوْعُ جَائِزٌ إِجْمَاعًا. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُحِرَ، اسْتَخْرَجَ الْمُشْطَ وَالْمِشَاطَةَ اللَّتَيْنِ سُحِرَ بِهِمَا، ثُمَّ كَانَ يَقْرَأُ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ، فَشَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى.
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَدَا ابْنَ عَبْدِ السَّلاَمِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْل سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَالطَّبَرِيِّ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقْرَأُ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي إِنَاءٍ، ثُمَّ تَأْمُرُ أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْمَرِيضِ .
وفى كتاب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ عليه آية الكرسى، ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به فإنه يذهب عنه كل ما به إن شاء الله تعالى، وهو جيد للرجل إذا حُبس عن أهله، هكذا جاء فى تفسير القرطبى ونقله عنه ابن حجر الهيتمى فى كتابه "الزواجر" ولم يعترض عليه .
ومهما يكن من شئ فإن أية وسيلة تنتج خيرا ولا تنتج شرا وليس هناك نص قاطع يمنعها ولا تصادم أصلا مقررا تكون مشروعة والنهى عن السحر شديد، لأنهم كانوا يعتقدون أنه مؤثر بنفسه بعيدا عنه إرادة الله تعالى، وذلك هو الكفر الذى من أجله حرمه الإسلام وجاء فيه قوله تعالى: {وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ}.. (البقرة : 102)، هذا هو حكم العمل به.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُحَل السِّحْرُ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ. وَهَذَا النَّوْعُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأْوَّل - أَنَّهُ حَرَامٌ لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّهُ سِحْرٌ وَتَنْطَبِقُ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ تَحْرِيمِ السِّحْرِ الْمُتَقَدِّمُ بَيَانُهَا. وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْقَيِّمِ. وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ.
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ: لاَ يَحُل السِّحْرَ إِلاَّ سَاحِرٌ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سُئِل عَنِ امْرَأَةٍ يُعَذِّبُهَا السَّحَرَةُ، فَقَال رَجُلٌ : أَخُطُّ خَطًّا عَلَيْهَا وَأَغْرِزُ السِّكِّينَ عِنْدَ مَجْمَعِ الْخَطِّ وَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ. فَقَال مُحَمَّدٌ: مَا أَعْلَمُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بَأْسًا، وَلاَ أَدْرِي مَا الْخَطُّ وَالسِّكِّينُ.
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: حَل السِّحْرِ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ، فَيَتَقَرَّبُ النَّاشِرُ وَالْمُنْتَشِرُ إِلَى الشَّيْطَانِ بِمَا يُحِبُّ فَيَبْطُل الْعَمَل عَنِ الْمَسْحُورِ.
الْقَوْل الثَّانِي - أَنَّ حَل السِّحْرِ بِسِحْرٍ لاَ كُفْرَ فِيهِ وَلاَ مَعْصِيَةَ جَائِزٌ، فَقَدْ نَقَل الْبُخَارِيُّ عَنْ قَتَادَةَ : قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ، أَوْ يُؤْخَذُ عَنِ امْرَأَتِهِ أَيُحَل عَنْهُ، أَوْ يُنْشَرُ ؟ قَال : لاَ بَأْسَ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الإْصْلاَحَ، فَإِنَّ مَا يَنْفَعُ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ.
وَالْقَوْلاَنِ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. قَال الرَّحِيبَانِيُّ: يَجُوزُ حَل السِّحْرِ بِسِحْرٍ لأِجْل الضَّرُورَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَال فِي الْمُغْنِي : تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْحِل، وَهُوَ إِلَى الْجَوَازِ أَمْيَل.
فيديو قد يعجبك: