لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الإمام الطبري

11:50 م الإثنين 28 أبريل 2014

Untitled-1

عملاق من الرجال أجبر ذاكرة التاريخ على المثول أمامه، لتلتقط علومه الفريدة، وأعماله الخالدة، ومصنفاته الباهرة، والتي أصبحت فيما بعد منارة للعلماء، ونبعاً ثرياً لرجال الفكر والمعرفة.

ولادتـه ونشـأتـه:

إنه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، ولد في آخر سنة 224 هـ أو في مطلع سنة 225 هـ.

وكانت ولادته ( بآمُل ) عاصمة إقليم طبرستان ـ وتقع جنوب بحر قزوين ـ وهو متسع ممتد تشغل الجبال أكثر مساحته، وتعتبر ( آمُل ) أكبر مدينة في سهله، وهي كثيرة المياه، متهدلة الأشجار متنوعة الثمار، وقد فُتح هذا الإقليم في عهد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه.

وفي هذه البيئة السهلة اللينة، المتمردة العاصية، التي تجمع بين الجبال الشاهقة والسهول المنبسطة، نشأ محمد بن جرير الطبري، وما كاد يبلغ السن التي تؤهله للتعليم، حتى قدمه والده إلى علماء آمل. وشاهدته دروب المدينة ذاهباً آيباً يتأبط دواته وقرطاسه.

وسرعان ما تفتح عقله، وبدت عليه مخايل النبوغ والاجتهاد، حتى قال عن نفسه: " حفظت القرآن ولي سبع سنين، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين، وكتبت الحديث وأنا في التاسعة ".

وقد رأى أبوه رؤيا في منامه أن ابنه واقف بين يدي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه مخلاة مملوءة بالأحجار، وهو يرمي بين يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقص الأب على مُعَبِّرٍ رؤياه فقال له: " إن ابنك إن كبر نصح في دينه وذبَّ عن شريعة ربه ".

رحلتـه في طلـب العلـم:

أول رحلة كانت إلى الرَّي فأخذ عن محمد بن حميد الرازي، ثم رحل به والده بعد سنوات قليلة من تحصيله لبعض العلوم الشرعية وكانت هذه الرحلة إلى بغداد حيث بها إمام أهل السنة والجماعة، والعالم الذي أطبقت شهرته الآفاق، أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ إلا أن الأقدار لم تحقق للولد أمنيته فقد مات العالم الجليل قبل أن يصل محمد بن جرير إلى بغداد.

فانصرف عن بغداد، واتجه إلى البصرة وهي موطن العلم ومهبط القضاء، فجلس بين يدي علمائه، وأخذ عن شيوخها كمحمد بن بشار المعروف ببندار، ومحمد بن الأعلى الصنعاني، وغيرهم حيث كتب فيها عن إسماعيل بن موسى الفزاري (توفي سنة 245هـ)، وهناد بن السري الدارمي (توفي سنة 243هـ)، وأبي كريب محمد بن العلاء الهمذاني (توفي سنة 248هـ)، ثم انتقل إلى واسط، ثم الكوفة، ثم رجع إلى بغداد مرة أخرى، وكان قد صلب عوده واستقام فكره، فأقام بها حيناً من الزمان ثم إنه فكر في الرحيل إلى مصر، فوصل إليها ستة 253 هـ.

وهناك اجتمع بمحمد بن إسحاق بن خزيمة، العالم المؤرخ، حيث قرأ عليه كتابه في السيرة، وأخذ عن شيوخه، كيونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان صاحب الشافعي ـ رحمهما الله ـ وإسماعيل بن يحيى المزني، وغيرهم.

وعاد أبو جعفر إلى بغداد بعد رحلة طويلة، وانقطع للدرس والتأليف وقد شغله كل ذلك عن أن يتزوج أو أن ينشغل بمطالب الحياة، فعاش عَزَباً ـ رحمه الله. يقول الطبري عن نفسه: " ما حللت سراويلي على حرام ولا حلال قط ".

نعم …… كان رحمه الله عفيفاً في نفسه منضبطاً في أخلاقه، وكان يرفض دائماً هدايا الوزراء والحكام مترفعاً عن قبول نفحات السلاطين. ويذكر المؤرخون أن الخاقاني لما تقلد الوزارة، أرسل إلى ابن جرير مالاً كثيراً فأبى أن يقبله، فعرض عليه القضاء فامتنع، فعاتبه أصحابه وقالوا له: لك في هذا ثواب، وتُحي سنةً قد دَرَسَت، وطمعوا أن يستجيب لهم ويقبل ولاية المظالم، فانتهرهم قائل: " لقد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه " فخجلنا منه.

ملامح شخصيته وأخلاقه:

تمتع الإمام الطبري ـ رحمه الله ـ بمواهب فطرية متميزة، جبله الله عليه، وتفضل عليه به، كما حفلت حياته بمجموعة من من الصفات الحميدة، والأخلاق الفاضلة، والسيرة المشرفة، ومن هذه الصفات:

1- نبوغ الطبري وذكاؤه:

إن كثيرا من صفات الإنسان تكون هبة من الله عز وجل وعطاء مبارك، من ةالخالق الباريء، ولا دخل للإنسان فيه، والله يختص برحمته من يشاء، ويفضل بعض الناس على بعض، ويرزق المواهب الخاصة لعباده.

وكان الطبري- رحمه الله ـ موهوب الغرائز، وقد حباه الله بذكاء خارق، وعقل متقد، وذهن حاد، وحافظة نادرة، وهذا ما لاحظه فيه والده، فحرص علي معونته على طلب العلم وهو صبي صغير، وخصص له موارد أرضه لينفقها على دراسته وسفره وتفرغه للعلم. ومما يدل على هذا الذكاء أنه ـ رحمه الله ـ حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وصلي بالناس وهو ابن ثماني سنين، وكتب الحديث وهو ابن تسع سنين.

2- حفظ الطبري:

كان الطبري رحمه الله ـ يتمتع بحافظة نادرة، ويجمع عدة علوم، ويحفظ موضوعاته، وأدلتها وشواهده، وإن كتبه التي وصلتنا لأكبر دليل على ذلك، حتي قال عنه أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن المفلس " والله إني لأظن أبا جعفر الطبري قد نسي مما حفظ إلي أن مات ما حفظه فلان طول عمره "

3- ورع الطبري وزهده:

وهاتان الصفتان من فضائل الأخلاق، ومن أشد الصفات التي يجب أن يتحلي بها العالم والداعية، والمربي والإمام، وكان الطبري ـ رحمه الله ـ على جانب كبير من من الورع والزهد والحذر من الحرام، والبعد عن مواطن الشبه، واجتناب محارم الله تعالي، والخوف منه، والاقتصار فى المعيشة على ما يرده من ريع أرضه وبستانه الذي خلفه له والده. فاعنه ابن كثير "وكان من العبادة والزهادة والورع والقيام فى الحق لا تأخذه لومة لائم، وكان من كبار الصالحين".

وكان الطبري ـ رحمه الله ـ زاهدا فى الدني،غير مكترث بمتاعها ومفاتنه، وكان يكتفي بقليل القليل أثناء طلبه للعلم، وبما يقوم به أوده، ويمتنع عن قبول عطايا الملوك والحكام والأمراء.

4ـ عفة الطبري وإباؤه:

وكان الطبري ـ رحمه الله عفيف اللسان، يحفظه عن كل إيذاء، لأن فعل اللسان قد يتجاوز فى بعض الأحيان السنان، ولأن جرح السيف قد يشفي ويبر، ولكن هيهات أن يشفي جرح اللسان.

وكان الطبري متوقفا عن الأخاق التي لا تليق بأهل العلم ولا يؤثرها إلى أن مات، ولما كان يناظر مرة داود بن على الظاهري فى مسألة، فوقف الكلام على داود، فشق ذلك على أصحابه، فقام رجل منهم، وتكلم بكلمة مضة وموجعة لأبي جعفر، فأعرض عنه، ولم يرد عليه، وترفع عن جوابه، وقام من المجلس، وصنف كتابا فى هذه المسألة والمناظرة، وكان الطبري عفف النفس أكثر من ذلك، فهو مع زهده لا يسأل أحد، مهما ظاقت به النوائب، ويعف عن أموال الناس، ويترفع عن العطايا.

5ـ تواضع الطبري وعفوه:

كانت الطبري شديد التواضع لأصحابه وزواره وطلابه، دون أن يتكبر بمكانته، أو يتعالي بعلمه، أو يتعاظم على غيره، فكان يدعي إلي الدعوة فيمضي إليه، ويسال فى الوليمة فيجيب إليها.وكان رحمه الله لا يحمل الحقد والضغينة لأحد، وله نفس راضية، يتجاوز عمن أخطأ فى وعه، ويعفو عمن أساء إليه.

وكان محمد بن داود الظاهري قد اتهم الطبري بالأباطيل، وشنع عليه، وأخذ بالرد عليه، لأن الطبري ناظر والده، وفتند حججه، ورد آراءه، فلما التقي الطبري مع محمد بن داود تجاوز عن كل ذلك، وأثني على علم أبيه، حتي وقف الولد عن تجاوز الحد، وإشاعة التهم على الطبري.

ومع كل هذا التواضع، وسماحة النفس، والعفو والصفح، كان الطبري لا يسكت علي باطل، ولا يماليء فى حق، ولا يساوم فى عقيدة أو مبد، فكان يقول الحق، ولا تأخذه فى الله لومة لائم، ثابت الجنان، شجاع القلب، جريئا فى إعلان الصواب مهما لحق به من أذي الجهال، ومضايقة الحساد، وتخرصات الحاقدين.

مـرتبتـه العلميـة:

كان ابن جرير ـ رحمه الله ـ عالماً فاضلاً ومفكراً إسلامياً جليل،شغف منذ صباه بالعلم ووهبه جُلَّ حياته، وقصر عليه أيامه ولياليه. حدث عن نفسه فقال: " جاءني يوماً رجل فسألني عن شيء في علم العروض، ولم أكن نشطت له قبل ذلك، فقلت له: إذا كان غداً فتعال إلىَّ "، وطلب سِفْرَ العروض للخليل بن أحمد، فجاءوا له به فاستوعبه وأحاط بقواعده وكلياته في ليلة واحدة، يقول: " فأمسيت غير عروضي، وأصبحت عروضياً ".

ولكثرة تعمقه في العلوم الشرعية، صار مجتهداً في الفقه صاحب مذهب بعد أن كان على مذهب الشافعي ـ رحمه الله. يقول أبو محمد عبد العزيز بن محمد الطبري، أحد تلاميذه: " كان أبو جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ على ما لا يجهله أحد عرفه، لأنه جمع من علوم الإسلام ما لا نعلمه اجتمع لأحد من الأمة، ولا ظهر من كتب المصنفين، وانتشر من كتب المؤلفين ما انتشر له ".

ووصفه الخطيب بقوله: " كان إماماً يُحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه، وكان عالماً بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام ".

وذكر الخطيب في تاريخه أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب كل يوم منها أربعين ورقة. وقال أبو حامد الإسفراييني " لو سافر رجل إلى الصين حتي يحصل له كتاب تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيراً ".

وقال عنه الذهبي ـ رحمه الله: كان ثقة حافظاً صادق، رأساً في التفسير، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف، علامة في التاريخ و أيام الناس، عارفاً بالقراءات، واللغة، وغيره.

وما ذكرناه غيض من فيض من كلام العلماء وثناءهم على ابن جرير، وإن كانت كتبه تغنيه عن شهادات الشهود، وما بقى فيها يدل على أنه كان من أفذاذ الموسوعيين في العالم، وحسبنا من تواليفه تاريخه وتفسيره.

آراء العلماء فيه:

قال عنه ياقوت الحموي " أبو جعفر الطبري المحدث، الفقيه، المقريء، المؤرخ، المعروف، المشهور "

وقال الخطيب البغدادي " كان أحد أئمة العلم، يحكم بقوله، ويرجع إلي رأيه، لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره "

وقال القفطي " العالم الكامل، الفقيه، المقريء، النحوي، اللغوي، الحافظ، الإخباري، جامع العلوم، لم ير فى فنونه مثله.... وصنف التصانيف الكبار "

وقال ابن سريج " محمد بن جرير الطبري فقيه العلم "

وقال عنه محمد بن إسحاق بن خزيمة " ماأعلم تحت أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير "

وقال ابن كثير " كان احد أئمة الإسلام علما وعملا بكتاب الله وسنة رسوله"

وقال الإمام الذهبي " الإمام الجليل، المفسر أبو جعفر، صاحب التصانيف الباهرة......، من كبار أئمة الإسلام المعتمدين "

وقال عنه ابن تغري بردي " وهو أحد أئمة العلم، يُحكم بقوله، ويُرجع إلي رأيه، وكان متفننا فى علوم كثيرة، وكان واحد عصره "

مؤلفات الطبري:

ترك لنا الطبري ثروة علمية تدل على غزارة علمه، وسعة ثقافته،، ودقته فى اختيار العلوم الشرعية والأحكام المتعلقة به.

وكان له قلم سيال، ونفس طويل، وصبر فى البحث والدرس، فكان يعتكف على التصنيف، وكتابة الموسوعات العلمية فى صنوف العلوم، مع ما من اللله عليه من ذكاء خارق، وعقل راجح متفتح، وجلد على تحمل المشاق.ومن هذه المؤلفات:

1- جامع البيان عن تأويل القرآن،المعروف بتفسيررالطبري، وهو موجود وطبع عدة مرات.

2- تاريخ الأمم والملوك، المعروف بتاريخ الطبري، وهو موجود ومطبوع.

3- كتاب ذيل المذيل،طبع منه جزء، وسوف نعرض له مع كتاب التاريخ تفصيل.

4- اختلاف علماء الأمصار فى أحكام شرائع الإسلام، المعروف باختلاف الفقهاءوهو فى علم الخلاف، وبقي منه جزء وطبع.

5- لطيف القول فى احكام شرائع الإسلام، وهو كتاب فقه فى المذهب الجريري.

6- الخفيف فى أحكام شرائع الإسلام، وهو فى تاريخ الفقه، وهو مختصر لكتاب الللطيف.

7- بسط القول فى أحكام شرائع الإسلام، وهو فى تاريخ الفقه الإسلامي ورجاله وأبوابه.

8- تهذيب اللآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار، وسماه القفطي "شرح الآثار" وهو كتاب فى الحديث، بقيت منه بقايا طبعتفى أربع مجلدات.

9- أداب القضاة، وهو فى الفقه عن أحكام القضاء وأخبار القضاة.

10-أدب النفوس الجيدة والأخلاق الحميدة.

11- كتاب المسند المجرد، ذكر فيه الطبري حديثه عن الشيوخ، بما قرأه على الناس.

12- الرد على ذي الأسفار. وهو رد على داود بن على الأصبهانيمؤسس المذهب الظاهري.

13- كتاب القراءات وتنزيل القرآن، ويوجد منه نسخة خطية فى الأزهر.

14- صريح السنة، وهي رسالة في عدة أوراق فى اصول أصول الدين.

15- البصير فى معالم الدين. وهو رسالة فى أصول الدين، كتبها لأهل طبرستان فيما وقع بينهمو من الخلاف فى الاسم والمسمي، وذكر مذاهب أهل البدع، والرد عليهم.

16- فضائل علي بن أبي طالب. وهو كتاب فى الحديث والتراجم، ولم يتمه الطبري ـ رحمه الله .

17 - فضائل أبي بكر الصديق وعمر، ولم يتمه.

18 _ فضائل العباس. ولم يتمه.

19 _ كتاب فى هعبارة الرؤيا فى الحديث، مات ولم يتمه.

20- مختصر مناسك الحج.

21- مختصر الفرائض.

22- الرد علي ابن عبد الحكم على مالك، فى علم الخلاف والفقه المقارن.

23- الموجز فى الأصول، ابتدأه برسالة الأخلاق، ولم يتمه.

24- الرمي بالنشاب، أو رمي القوس، وهو كتاب صغير، ويشك فى نسبته إلي الطبري.

25- الرسالة فى أصول الفقه. ذكرها الطبري فى ثنايا كتبه، ولعلها على شاكلة الرسالة للإمام الشافعي فى أصول الاجتهاد، والاستنباط.

26- العدد والتنزيل.

27- مسند ابن عباس. ولعله الجزء الخاص من كتاب " تهذيب الآثار " وطبعت البقية الباقية منه فى مجلدين.

28- كتاب المسترشد.

29- اختيار من أقاويل الفقهاء.

والكتب الأربعة الأخيرة لم يذكرها ياقوت في معجم الأدباء.

أولا: تفسير الطبري:

المسمي [جـامـع البيـان في تـأويـل آي القـرآن]: 

يعد تفسير الطبري رحمه الله باتفاق العلماء موسوعة علمية كبري، ودائرة معارف متنوعة،لأنه يحتوي مختلف صنوف العلوم الدينية واللغوية، مما يندر وجوده فيتفسير آخر، ولذلك بلغ القمة، واستقر على الذروة، وبقي فى المكان الشامخ، يقصده كل دارس، ويستفيد منه كل مفسر، ويستعين به كل من تناول علما من علوم القرآن.

ويقع هذا التفسير فى ثلاثين جزء من الحجم الكبير، يبدأ بمقدمة ثم يتناول تفسير القرآن الكريم، بحسب ترتيبه المتلو، سورة، وآية آية، ابتدأ من سورة الفاتحة ونهاية بسورة الناس.

أقوال العلماء فى تفسير الطبري:

احتل تفسير الطبري سويداء القلب عند العلماء على مر العصور فى القديم والحديث، وحظي بالرعاية والعناية، وأثني عليه الأئمة والعلماء والمؤرخون والمفسرون، وسطروا الجمل المذهبة حوله،وعلقوا عليه أوسمة الفخار.

قال عنه الإمام النووي " لم يصنف أحد مثله "

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية " وتفسير محمد بن جرير الطبريوهو من أجل التفاسير وأعظمها قدر........" وقال " وأما التفاسير التي فى أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير الكلبي "

وقال مؤرخ الإسلام المحدث الحافظ الذهبي " وله كتاب التفسير، لم يصنف أحد مثله "

وقال عنه القفطي " وصنف التصانيف الكبار، منها تفسير القرآن الذي لم يري أكبر منه، ولا أكثر فوائد "

وقال السيوطي في الإتقان: " وكتابه أجل التفاسير وأعظمها فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض، والإعراب والاستنباط فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين " وقال النووي: " أجمعت الأمة على أنه لم يُصنَّف مثل تفسير الطبري "

وقال الشيخ محمد الفاضل بن عاشور " فكان جديرا بالتفسير، حين تناوله الطبري بتلك المشاركة الواسعة وذلك التفنن العجيب أن يبلغ به أوجه، وأن يستقر على الصورة الكاملة التي تجلت فيها منهجيته، وبرزت بها خصائصه مسيطرة علي كل ما ظهر من بعده من تآليف لا تحصي فى التفسير "

مصـادر الطبري فى تفسيره:

الطابع المميز لتفسير الطبري اعتماده على المأثور عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى آراء الصحابة والتابعين، ثم أضاف إلى التفسير بالمأثور ما عرف في عصره من نحو وبلاغة وشعر، كما رجع إلى القراءات وتخير منها ورجح ما تخيره، وعرض كثيراً من آراء الفقهاء في مناسباته، ورجح ما رآه موافقاً للدليل، وكذلك استعان بكتب التاريخ فنقل عن ابن إسحاق وغيره.

وقد حوى ابن جرير جميع تراث التفسير الذي تفرق قبله في كتب صغيرة منذ عصر عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ إلى النصف الأول من القرن الثالث الهجري.

منهجـه في التفسيـر:

1ـ اتبع طريقة الإسناد في سلاسل الروايات، لذا كان تفسيره سجلاً لما أثر من آراء، وغالباً ما يلخص الفكرة العامة... ويعقب عليها بذكر الروايات التي قد تختلف في التفصيل والإيجاز.

2ـ تجنب التفسير بالرأى. وعقد فصلاً في مقدمة كتابه، ذكر فيه بعض الأخبار التي رويت بالنهى عن القول بالتفسير بالرأي، والتزم هذا الأسلوب في كتابه... حيث أنحى باللائمة على القول بالرأى ومما يزيد ذلك ما جاء في تفسيره: ( فقائل في تأويل كتاب الله الذى لا يدرك علمه إلا ببيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى جعل إليه بيانه، قائل بما لا يعلم وإن وافق قيله ذلك في تأويله ما أراد الله به من معناه، لأن القائل فيه بغير علم قائل على الله ما لا علم له.

3ـ دقة الإسناد: كان رحمه الله أميناً دقيقاً في ذكر السند وفي تسجيل أسماء الرواة، لأنه اتصل بكثير من العلماء وسمع منهم، فإذا كان قد سمع هو وغيره قال: حدثن... وإذا كان قد سمع وحده قال حدثني... وإذا نسي واحداً من سلسلة الرواية صرَّح بنسيان اسمه.

4ـ الاستعانة بعلم اللغة: هذا وقد مكنه علمه باللغة وأساليب استعمالها أن يفضل معنىً للكلمة على معنىً آخر تحتمله، ومن ذلك قوله: وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً}… [الفرقان:61] يعني بالبروج القصور... وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: هي قصور في السماء، لأن ذلك في كلام العرب. ومنه {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}… [النساء:78] ومنها قول الأخطل لعنه الله: كأنها برج رومي يشيده بان بجص وآجر وأحجار

5ـ الإكثار من الأحاديث النبوية: وكان يكثر من الأحاديث النبوية، لأنه درس الحديث على كبار المحدثين في عصره، وفي مقدمتهم علماء طبرستان.

6ـ الاستشهاد بالشعر: وكثيراً ما اعتمد على الشعر في بيان المراد من الكلمة، تارة يذكر اسم الشاعر وأخرى يغفله مكتفياً بالشعر.

7ـ تسجيل القراءات: عرض وجوه القراءات ورجح ما ارتضاه لأنه كان عالماً بالقراءات ومؤلفاً فيه... وله أيضاً عناية بتفصيل مذاهب النجاة في كثير من المواضع ليجلو المعنى.

8ـ مناقشة الآراء الفقهية: للطبري كتاب اختلاف الفقهاء... فهو فقيه دارس للمذاهب كلها، بل ومجتهد صاحب مذهب اختاره لنفسه... ومن البداهة أن يعرض للآراء الفقهية ويناقشها في مناسباتها من آيات الأحكام... وينتهي في مناقشة كل منها إلى ما يستصوبه... وكان يعرض لآراء المتكلمين ويسميهم أهل الجدل ويناقشها ويصوب الرأي السلفي الذي يدين به.

والإدلاء برأيه بعد المناقشة سمة ظاهرة في تفسيره... فكان يرفض ويعلل لرفضه وكان يرجح ويدلل على ترجيحه... وكان يؤيد ويبرهن على تأييده.

9ـ وإذا كان تفسير ابن جرير من أجل التفاسير، بالمأثور وأعظمها قدراً، فلم سمّى كتابه جامع البيان عن تأويل القرآن؟! ولم يستعمل كلمة تفسير بل تأويل. والجواب أن التأويل الذى يريده الطبري هو التفسير كما يتضح من خصائص تفسيره، فاللفظان: التفسير والتأويل مترادفان عنده، وهما بمعنى الكشف عن ألفاظ القرآن والتوضيح لمعانيه ومراميه.

فالتفسير لغة: كشف المراد عن اللفظ المشكل وأصله من الفَسْر، وقيل هو مقلوب: السَّفر، أسفر الصبح إذا أضاء. وقيل التفسير أعم من التأويل. فالتفسير بيان العبارة القرآنية من مفردات وجمل بياناً كاشفاً لحقيقة المعنى على حسب المتعارف عليه من أساليب العرب في كلامهم وخطابهم إما حقيقة وإما مجازاً، سواء كان المعنى متبادراً بالاستعمال، كتفسير الصراط بالطريق والصيب بالمطر، أو غير متبادر كتفسير {أُخْفِيهَا} في قوله {أَكَادُ أُخْفِيهَا}… [طـه:15] بمعنى أظهرها.

والتأويل اجتهاد المفسر في ترجيح المقصود من المعاني المختلفة التي يحتملها اللفظ فكأن التأويل: إخبار عن حقيقة المراد كقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} … [الفجر:14]، تأويله: التحذير من التهاون بأمر الله أو الوعيد [ لمن يخالف أمر الله] بينما تفسير: {لَبِالْمِرْصَادِ} أنه من أرصد، يقال: أرصدته أى رقبته، والمرصاد مفعال...

10 ـ بالجملة: فالطبري رأس المفسرين على الإطلاق، وأنه جمع في تفسيره بين الرواية والدراية ولم يشاركه في ذلك أحد من قبله ولا من بعده. 

ومنهجه في التفسير؛ فالطبري - بلا منازع - اُعتبر أبًا للتفسير، بَلْ شيخ المفسرين، وعُدَّ تفسيره من أقوم التفاسير وأشهرها، والمرجع الأول للتفسير بالمأثور.

وقد أجمع العلماء على عظيم قيمة هذا التفسير، وأنه لا غنى عنه لطالب العلم عمومًا، وطالب التفسير على وجه الخصوص؛ يقول النووي فيه: " أجمعت الأمة على أنه لم يصنف مثل تفسير الطبري " أما ابن تيمية فيقرر أن تفسير الطبري أصح التفاسير التي بين أيدي الناس.

وقد كان "تفسير الطبري " محط اعتبار عند المتقدمين، وكان كذلك عمدة عند المتأخرين من أهل العلم عموماً والتفسير خصوصاً؛ فهو مرجع الأولين، وهو ملاذ الآخرين في موضوع التفسير.

وكما كان لهذا التفسير أوَّليَّة زمانية فقد كان له كذلك أوَّليَّة موضوعية، فهو لم يقتصر على لون واحد من التفسير، بل اشتمل على ألوان من التفسير، رفعت من شأنه، وجعلت له تلك المنـزلة عند العلماء؛ فـ الطبري - على الرغم من اعتماده على التفسير بالمأثور أساساً - جمع إلى جانب الرواية جانب الدراية، واهتم بالقراءات القرآنية أي اهتمام، وكان له اعتناء بعرض وجوه اللغة، فضلا عن آرائه الفقهية واجتهاداته التي أودعها كتابه المذكور.

إلاَّ أن السمة البارزة التي ميزت الطبري في " جامعه " ذاك المنهج العلمي الذي سلكه في التفسير؛ فـ الطبري بحق - كما يتبين لقارئ تفسيره - كان صاحب منهج واضح.

ونستطيع أن نوجز منهج الطبري في "تفسيره" في النقاط التالية: - اعتماده أساساً على التفسير بالمأثور الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو صحابته الكرام، أو التابعين؛ وهو لا يكتفي بذلك، بل نجده يشدد النكير على من يفسر القرآن بمجرد الرأي فحسب. 

ولا يُفهم من هذا النهج أن الطبري لم يكن يُعمل الرأي في تفسيره، بل الواقع خلاف ذلك، إذ إننا كثيرًا ما نجده يُرجِّح أو يصوب أو يوجِّه قولاً لدليل معتبر لديه.

- كان يقف من السند موقف الناقد البصير، والعالمِ النحرير، الذي لا يقبل الرواية إلا بعد تمحيص وتدقيق.

- ثم إنه كان يقدر إجماع الأمة، ويعطيه اعتباراً كبيراً في اختيار ما يذهب إليه ويرتضيه.

- أما منهجه في التعامل مع القراءات القرآنية فيقوم على رد القراءات التي لم ترد عن أئمة القراءات المشهود لهم، أما القراءات الثابتة فكان له اختيار فيها؛ فهو أحياناً يرفض بعضها لمخالفتها الإجماع، وأحياناً أخرى يفضِّل قراءة على أخرى لوجه يراه، ويكتفي حيناً بالتسوية بين تلك القراءات دون ترجيح.

- ومن منهجه كذلك أنه لم يكن يهتم بتفسير ما لا فائدة في معرفته، وما لا يترتب عليه عمل؛ كمعرفة أسماء أصحاب الكهف، ومعرفة نوع الطعام في المائدة التي نزلت على رسول الله عيسى عليه السلام ونحو ذلك.

- وكان الطبري يحتكم كثيراً في تفسيره عند الترجيح والاختيار إلى المعروف من كلام العرب، ويعتمد على أشعارهم، ويرجع إلى مذاهبهم النحوية واللغوية.

- وكما أِشرنا بداية فقد كان الطبري صاحب مذهب فقهي، وهذا واضح في "تفسيره"، فنحن كثيراً ما نراه يعرض لآيات الأحكام ويناقشها ويعالجها، ثم يختار من الأحكام الفقهية ما يراه الأقوى دليلاً والأوجه تعليل.

- وكان من منهج الطبري أيضًا تعرضه لكثير من مسائل علم الكلام والعقيدة، والرد على كل من خالف فيها ما عليه أهل السنة والجماعة، وكان هذا النهج واضحًا لديه في رده على كثير من آراء المعتزلة ومن شابههم.

- ثم أخيراً نَلْمَحُ الطبري يسوق في تفسيره أخباراً من القصص الإسرائيلي، ومن ثَمَّ يتعقَّبها بالنقد والتمحيص؛ لكن - وعلى الرغم من ذلك فاته بعض المرويات التي لا تزال تحتاج إلى النقد الفاحص، والتمحيص الناقد.

تلكم كانت جولة سريعة أطللنا من خلالها على شيخ المفسرين، وعلى تفسيره "الجامع" وتعرَّفنا - بإيجاز - على أهم سمات منهج الطبري في "تفسيره". نسأل الله لنا ولكم وللمسلمين التوفيق والرشاد في الأمر كله.

المآخذ على تفسير الطبري:

الطبري رحمه الله ليس معصوما من الخطئ ، وكل إنسان يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا صاحب النبوة، كما قال الإمام مالك رحمه الله، وكتاب الطبري الذي بلغ ستة آلاف صفحة ليس غريبا أن ترد عليه بعض المآخذ، وأن تصدر منه أخطاء، والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول فى الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجة " كل ابن آدم خطاء "

ولذلك لم يسلم تفسير الطبري من النقد، وكشف الأخطاء التي وقع فيه، والغلط الذي جاء فى تفسيره.ويمكن إجمالها فيما يلي:

1- لم يطبق الطبري منهجه النقدي الكامل للأسانيد على جميع ماجاء فى التفسير، وإنما فعل ذلك فى بعض الروايات النادرة، وترك غيرها مع ما فيها من أسانيد ضعيفة كان جديرا به أن ينبه عليها ويكشفه.

2- حشد الطبري فى تفسيره كثيرا من الروايات الإسرائيلية والنصرانية والأساطير والخرافات، وقصص الوعظ الخيالية، وكان المفروض علي الطبري أن ينبه علي حقيقته، دون أن يكتفي بذكرها وإشاعتها والسكوت عنه.

3- ورد في تفسير الطبري بعض الروايات المتناقضة لابن عباس (رضي الله عنهما) ولم يرجح رواية منها على أخري، ولم يتعرض لبيان الصواب من ذلك، كما اعترض بعض العلماء على الطبري فى نقده لبعض القراءات، وإبهامه لأسماء بعض علماء العربية الذين أخذ منهم، وأشار إلى أسمائهم إشارة.

وهذه الأخطاء ـ والحمد لله ـ ليست فى العقيدة، ولا فى أصول الدين، ولا فى أركان الإسلام، ولا فى قواعد الدين، ولا فى الأحكام القطعية، ولا فى النصوص الثابتة ولا فى معاقد الإجماع.

ويبقي تفسير الطبري ثروة عظيمة، وذخيرة من ذخائر الإسلام، ومصدرا أصيلا لكل مفسر وعالم مجتهد، ومرجعا مهما فى جميع العلوم اللغوية والعلوم الشرعية من علوم القرآن، إلي علوم السنة، إلي علوم السيرة إلي علوم الفقه والعقيدة وأصول الدين، والمذاهب الفقهية والكلامية، والفسير بالمأثور والرأي والاجتهاد والمعقول.

ثانيا: تاريخ الطبري: المسمي [تاريخ الأمم والملوك] 

بهذا الكتاب لمع اسمه وتخلد، وذاع صيته، وغذا أطلق علي الطبري المؤرخ بسبب هذا الكتاب، واسم الكتابالمشهور به هو " تاريخ الأمم والملوك " وطبع بهذا العنوان، ولكن ياقوت الحموي ذكر اسما آخر لهذا له وهو " تاريخ الرسل والانبياء والملوك والخلفاء "، وكلا الاسمين يدلان على موضوع الكتاب ويسمي أيضا " التاريخ الكبير "

قال ياقوت عن تاريخ الطبري " وهذا الكتاب من الأفراد فى الدني، فضلا ونباهة، وهو يجمع كثير ا من علوم الدين والدنيا "

ويعتبر تاريخ الطبري ذروة التأليف التاريخي عند المسلمين فى القرون الثلاثة الأولي، وهو أوثق مصدر للتاريخ الإسلامي، ويحتل مكانة سامقة بين كتب التاريخ الإسلامي.

محتوي تاريخ الطبري:

انقسم تاريخ الطبري إلي قسمين:

1- القسم الأول تناول الطبري فيه تاريخ العالم قبل الإسلام، وبدأه بخلق آدم أبي البشر، وقصته مع إبليس، ثم عرض الطبري لسيرة الأنبياء من أولاد آدم حتي الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام ) وأرخ بصفةخاصة لبعض الأمم مثلا لفرس، وكذلك الروم وملوكهم، وكذلك اليهود وأنبيائهم، ثم تحدث عن العرب وتحدث عن أجداد الرسول (صلي الله عليه وسلم) وحال قريش ومكة وذلك تمهيدا لعصر الرسالة.

وقد تناول الطبري حوادث هذا القسم على أساس س المواضيع، وليس على طريقة الحوليات، ويمثل هذا الجزء عُشر الكتاب كله.

2- القسم الثاني يتناول فيه تاريخ العالم بعد الإسلام، ابتدأ من نزول الوحي وحتي سنة 302هـ ويشمل هذا القسم أربعة عهود متميزة: 

أ ـ العهد النبوي 

ب-العهد الراشدي 

ج- العهد الأموي 

دـ العهد العباسي حتي سنة 302هـ.

أهمية تاريخ الطبري وقيمته العلمية:

وصل كتاب الطبري فى التاريخ إلي قمة التأليف التاريخي عند العرب والمسلمين فى القرون الثلاثة الأولي، واحتل ذروة التقدير والاهتمام لديمعاصري الطبري، وفيما بعد خلال التاريخ الإسلامي، وحتي وقتنا الحاضر، وسيبقي تاريخ الطبري فى القمة والذروة، وسيبقي المرجع الأول، والمصدر الأصيل، والموئل الموثوق به لدي كل باحث وكاتب في التاريخ الإسلامي، وتظهر أهمية الكتاب فى الأمور التالية:

1- كتاب الطبري هو أول كتاب فى التاريخ العام

2- أقدم مصدر كامل للتاريخ العربي وفى اللغة العرية منذ أوائل الزمان إلي أول القرن الرابع الهجري

3- جمع الطبري فى تاريخه كثيرا من أخبار العرب فى الجاهلية وحفظها من الضياع، كما أرخ للقرون الأولي بعد الإسلام

4- دون الطب ي قفى تاريخه تاريخ الفرس، وأبدع فى ذكر كثير من الحقائق والتي لا توجد عند غيره

5- كان الطبري رخمه الله دقيقا جدا في ذكره لتاريخ الرومان، وذكر أسماء الأباطرة حتي عصر هرقل سنة 641م الموافق21هـ.

6- يعتبر كتا ب الطبري المنبع الصافي لكثير من المؤرخين الذين جاؤا بعد ذلك، فقد استقوا منه المادة التاريخية، وتفننوا فى عرضها مثل مسكويه (421هـ) وابن الأثير (630 هـ) وابن خلدون (808هـ).

7- إن كتاب الطبري حافل بالنصوص الأدبية التي ذكرها فى تراجم أصحابه، سواء كانت شعرا أو خطبا أم رسائل أدبية أم محاورات ولا توجد فى كتاب آخر.

آراء العلماء في تاريخ الطبري:

تعددت أقوال العلماء في هذا الخصوص اعترافا منهم بفضل الطبري ومكانته التاريخية، وسجلوا ذلك بعبارات مضيئة، وأحرف من نور منه:

قال الخطيب البغدادي " وله الكتاب تالمشهور فى تاريخ الأمم والملوك "

وقال ابن الأثير " فى مقدمة كتابه الكامل " ولقد جمعت فى كتابي هذا مالم يجتمع فى كتاب واحد ـ فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي صنفه الإمام أبو جعفر الطبري، إذ هو المعول عليه عند الكافة، والرجوع إليه عند الاختلاف، فأخذت ما فيه من جميع تراجمه، لم أخل بترجمة واحدة منها "

وأخيرا قال الأستاذ شاكر مصطفي عن الطبري " وهو علم معروف فى التاريخ الإسلامي (وفي التفسير ) بلغ به التدوين التاريخي نهاية عهد التكوين والنشأة قمة من قمم التاريخ الحقيقي.

المآخذ على تاريخ الطبري:

قلما يسلم عمل أي إنسان من النقص، أو يصدر بشكل كامل، فإن الكمال لله وحده، وكل عمل للبشر معرض للنقص والخط، والنقد والمآخذ، ولذلك سجل علماء التراجم والتاريخ عدة ملاحظات علي تاريخ الطبري والمادة العلمية فيه، وعلي منهجه الذي سلكه ومن هذه المآخذ:

1- لم يحفظ الطبري التوازن بين فترات التاريخ قبل الإسلام وبعد الإسلام، فإن الجزء الأول تقريبا عشر الكتاب.

2- أسرف الطبري فى ذذكر الإسرائيليتات والخرافات والأوهام والحكايات فيما يتعلق ببدء الخلق وقصص الأنبياء والتاريخ القديم، دون أن يمحص ذلك ويعرضه علي النقض والمنطق والعقل ومما جاء فى القرآن والسنة.

3- اهتم الطبري في تاريخه بالأحداث السياسية، فحصر تاريخه غالبا فى المشاكل الداخلية للدولة، وما يتصل بالسياسة الداخلية للدولة، وأغفل كثير ا الحديث عن الفتوحات الإسلامية مثل الأندلس.

4- كان فهم الطبري للتاريخ العالمي أقل وأضيق من فهم بعض المؤرخين السابقين له كاليعقوبي وابن قتيبة مثلا فى نظرتهم الشمولية، بينما اقتصرت نظرة الطبري إلي تاريخ العالم على الخط الذي يصل بين الأنبياء والعهد الجاهلي كمقدمة للتاريخ الإسلامي.

5- اقتصر الطبري فى تاريخه عما نقله من المصادر والأسناد الماضية، وهذا صرفه عن النظر فى أحداث عصره، فلم يسجلها فى كتابه، ولم يؤرخه، فجاءت الأحداث التي عاصرها باهته، ومختصرة جد، مع أن الطبري كان علي إطلاع واسع به.

6- كان مفهوم التاريخ عند الطبري متأثرا بالنزعة الدينية أكثر من تأثره بالنظرة التجاربية، فأحداث التاريخ عبارة المشيئة الإلهية والتاريخ مستودع خبرات الأمة، دون اهتمام بقيمة التجاربالتي مرت به، ورسالتها التاريخية الواحدة.

وهذه الملاحظة تعتبر مزية فى تاريخ الطبري المحدث والمفسر والمجتهد والعالم والحافظ للقرآن، وقد عبر عن وجهة النظر الإسلامية عامة، ووجهة نظر المحدثين فى كتابة التاريخ بفكرة تكامل الرسالات السماوية فى التاريخ، وأنه تعبير عن المشيئة الإلهية.

يقول الأستاذ شاكر مصطفي " وعلي كل حال، فإن ما قد يوجه إلي تاريخ الطبري من نقد لا يمكن أن يلغي شيئا من قيمته كمؤرخ أول انتهي به العصر الأول للتدوين التاريخي، وكمؤلف ظلت أجيال المؤرخين فى العصور التالية عيالا على كتابه فى كل ما يتصل بالقرون الثلاثة الأولي من تاريخ الإسلام ".

تفسير محيي الدين الخطيب للأخبار الضعيفة في تاريخ الملوك والرسل.

ويتحدث ( محب الدين الخطيب ) عن كتابه فيقول: نحن نعتبر تاريخ الطبري الآن من أقدم مصادرنا، وكان تاريخ الطبري في النصف الثاني من القرن الثالث (أي قبل أحد عشر قرناً)

1- الأخبار الضعيفة عند الطبري فلم يقتصر الطبري على المصادر التي أشرت إلى بعضها، بل أراد أن يقف قارئه على مختلف وجهات النظر، فأخذ عن مصادر أخرى قد لا يثق بها هو بأكثرها، إلا أنها تفيد عند معارضتها بالأخبار القوية، وقد تكمل بعض ما فيها من نقص.

كما صنع بنقله كثيراً من أخبار أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي الذي قال فيه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال: "إخباريٌّ تالف لا يوثَق به، تركه أبو حاتم وغيره.

وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال مرة: ليس بشيء.

وقال ابن عدي: شيعي محترق صاحب أخبارهم. مات قبل السبعين ومائة".

فقد نقل الطبري من أخباره في مئات المواضع، ولو أن الذين ينقلون عن الطبري ويقفون عنده، استقوا أخبارهم من لوط بن يحيى هذا واكتفوا بعزوها إلى الطبري لظلموا الطبري بذلك، وهو لا ذنب له بعد أن بيَّن لقارئه مصادر أخباره، وعليهم أن يعرفوا نزعات أصحاب هذه المصادر ويزِنُوها بالموازين العادلة اللائقة بهم وبها.

إن مثل الطبري ومن في طبقته من العلماء الثقات المتثبّتين - في إيرادهم الأخبار الضعيفة - كمثل رجال النيابة الآن إذا أرادوا أن يبحثوا في قضية فإنهم يجمعون كل ما تصل إليه أيديهم من الأدلة والشواهد المتصلة بها، مع علمهم بتفاهة بعضها أو ضعفه، اعتماداً منهم على أن كل شيء سيقدَّر بقدره. 

وهكذا الطبري وكبار حملة الأخبار من سلفنا كانوا لا يفرّطون في خبر مهما علموا من ضعفِ ناقله خشية أن يفوتهم بإهماله شيء من العلم ولو من بعض النواحي، إلا أنهم يردُّون كل خبر معْزواً إلى راويه ليعرف القارئ قوة الخبر من كون رواته ثقات أو ضعفَه من كون رواته لا يوثَق بهم، وبذلك يرَوْنَ أنهم أدُّوا الأمانة، ووضعوا بين أيدي القرّاء كل ما وصلت إليه أيديهم.

قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الطبراني من لسان الميزان: "إن الحفّاظ الأقدمين يعتمدون في روايتهم الأحاديث الموضوعة مع سكوتهم عنها على ذكرهم الأسانيد، لاعتقادهم أنهم متى أوردوا الحديث بإسناده فقد بَرِئوا من عهدته، وأسندوا أمره إلى النظر في إسناده".

ومن فوائد إيراد الحادث الواحد بأخبار من طرق شتى وإن كانت ضعيفة قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة تفسير القرآن (ص 30-31): "إن تعدُّد الطرق مع عدم التشاعر أو الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضمون القول (أي بالقدر المشترك في أصل الخبر) لكن هذا يُنتَفع به كثيراً في علم أحوال الناقلين (أي نزعاتهم والجهة التي يحتمل أن يتعصب لها بعضهم)، وفي مثل هذا يُنتَفع برواية المجهول، والسيئ الحفظ، وبالحديث المرسل ونحو ذلك، ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث ويقولون: إنه لا يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره. قال أحمد: قد أكتب حديث الرجل لأعتبره".

ومن الإنصاف أن نشير إلى أن اتساع صدور أئمة السنة - من أمثال أبي جعفر الطبري - لإيراد أخبار المخالفين من الشيعة وغيرهم، دليل على حريتهم، وأمانتهم، ورغبتهم في تمكين قرّائهم من أن يطّلعوا على كل ما في الباب، واثقين من أن القارئ الحصيف لا يفوته أن يعلم أن مثل أبي مخنف موضع تهمة - هو ورواته- فيما يتصل بكل ما هم متعصبون له، لأن التعصب يبعد صاحبه عن الحق.

أما سعة الصدر في إيراد أخبار المخالفين فهي دليل على عكس ذلك. وعلى القارئ الحصيف أن يأخذ ما صفا ويدع م... أن يستخلص الحق عندما يكون موزعاً أو معقداً.

الانتفاع بأخبار الطبري إنما ينتفع بأخبار الطبري من يرجع إلى تراجم رواته في كتب الجرح والتعديل. فتراجم شيوخه مباشرة وشيوخهم توجد في الأكثر في مثل تذكرة الحفاظ للذهبي.

وتراجم الرواة الذين كانوا إلى أواخر المائة الثانية توجد في خلاصة تذهيب الكمال للصفي الخزرجي وتقريب التهذيب، وتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر. والذين تناولهم الجرح من الضعفاء يترجم لهم الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال والحافظ ابن حجر في لسان الميزان.

وفي طبقات ابن سعد وتاريخ بغداد وتاريخ دمشق لابن عساكر وتاريخ الإسلام للذهبي والبداية والنهاية لابن كثير. وإن كتب مصطلح الحديث تبين الصفات اللازمة للراوي ومتى يجوز الأخذ برواية المخالف.

ولا نعرف أمة عنى مؤرخوها بتمحيص الأخبار وبيان درجاتها وشروط الانتفاع بها كما عنى بذلك علماء المسلمين.

وإن العلم بذلك من لوازم الاشتغال بالتاريخ الإسلامي، أما الذين يحتطبون الأخبار بأهوائهم، ولا يتعرفون إلى رواتها، ويكتفون بأن يشيروا في ذيل الخبر إلى أن الطبري رواه في صفحة كذا من جزئه الفلاني ويظنون أن مهمتهم انتهت بذلك، فهؤلاء من أبعد الناس عن الانتفاع بما حفلت به كتب التاريخ الإسلامي من ألوف الأخبار.

ولو أنهم تمكنوا من علم مصطلح الحديث، وأَنِسوا بكتب الجرح والتعديل، واهتموا برواة كل خبر كاهتمامهم بذلك الخبر لاستطاعوا أن يعيشوا في جو التاريخ الإسلامي، ولتمكنوا من التمييز بين غثّ الأخبار وسمينها، ولعرفوا للأخبار أقدارها بوقوفهم على أقدار أصحابها.

وبعد فإن تَرِكَة سلف هذه الأمة - في كل ضرب من ضروب المعرفة - من أنفس ما وَرِثت عن أسلافها. وقد كانت لعلمائنا الأقدمين مشاركة في علوم كثيرة، فجاءت مؤلفاتهم مرتبطاً بعضها ببعض ومكمّلاً بعضها لبعض.

والذي ألّفوه في التاريخ واعتمدوا فيه على الرواية، مبالغةً منهم في أداء الأمانة كاملة وافية، لا يجوز لمن ينقله عنهم أن يقصر في عرض تلك الأخبار على قواعد علم الرواية وعلى المعاجم المؤلفة في الرُّواة، وإن لم يفعل أخطأ الطريق، وكان عمله خارجاً عن مناهج العلماء.

وإذا كان يؤخذ عليه أنه يذكر سلاسل الروايات من غير بيان وتمييز لصحيح هذه الروايات من ضعيفها فلأنه على ما يظهر أنه من المؤلفين الذين يرون أن ذكر السند يخلي المؤلف من المؤاخذة والتبعة ولو لم ينص على درجة الرواية. رحم الله الطبري رحمة رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته بخدمته الإسلام والمسلمين.

وفاتــــــه:

بارك الله فى حياة الطبري فعاش ستة وثمانين عاما فى سبيل العلم ونشره، وتضاعفت الأعوام بنا لا يعلمه إلا الله نعالي، لتبق يذكره خالدة فى التاريخ، واسمه يتردد على الألسنة، وكتبه تتنقل من جيل إليجيل، وعلمه ينتفع به الناس إلي يوم القيامة.

وبقي الطبري مستوطنا فى بغداد ـ عاصمة الدولة العباسية ـ وأعظم مركز للعلم والمعرفة في العالم في ذالك الوقت ـ يؤدي رسالته، ويلتف حوله طلاب العلم والعلماء، ويملي كتبه الي بدأ بعضها فى آخر حياته.

وهكذا عاش الطبرى راهبا فى محراب العلم والعمل حتى جاءته الوفاة ولا رآد لأمر الله قال الخطيب: " واجتمع عليه - حال الجنازة - من لا يحصيهم عدداً إلا الله، وصُلِّي على قبره عدة شهور ليلاً ونهار، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب "، وكان ذلك في يوم 26 من شهر شوال الموافق سنة 310 هـ.

المصدر: موقع قصة الإسلام

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان