لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ثورة هادئة على الدين

05:53 م الأحد 14 يونيو 2015

ثورة هادئة على الدين

كتبت - أحمد حمدي :

لم يعد خفيا ما يمر به الدين من محنة حالية، محنة بدأت تظهر معالمها تدريجيا بعد ثورة يناير بالتحديد. لم أقصد بكلامى أن يكون نقدا أو حجة تتخذ على الثورة بقدر ما أردت أن أرصد هذا الحراك الدينى الذى تم بعد ثورة أطاحت بنظام وجاءت بأخر.

عادة ما يتبع الثورات ظواهر أجتماعية جديدة تتخطى فى أثرها النتيجة السياسية التى قامت من أجلها الثورة. فالثورة التى قامت فى ٢٥ يناير كانت تهدف بالأساس إلى التخلص من الفساد والظلم والجهل الذى شل حركة البلاد وهوى بها فى مستنقع من الإحباط وعدم المبالاة ظنه البعض أبديا؛ أنتشرت حالة من عدم الايمان بأى قدرة وإمكانيه للتغيير.

جاء نجاح الثورة ملهما، فقد أثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن "كل شىء" قابل للتغيير، بأن حلم التغيير أصبح ممكنا، أشرقت الشمس التى كان ينفى المبدعون والأحرار ورائها. أنعكس هذا الأمل بطاقة إيجابية فى الايام بل وحتى فى الاشهر الأولى للثورة وذلك على مختلف الجوانب فوجدنا "طوابير" لركوب "الميكروباص"، وجدنا خدمة فى المصالح الحكومية منقطعة النظير دون رشاوى، وجدنا رجال شرطة وجيش يتعاملون بمنتهى الصدق والإخلاص، كان التفاؤل يسيطر على الشعب، إلا آنه وفى خضم هذه الحالة الإيجابية، والتى أختفت وأنتكست إلى الأسوأ، بدأت ثورة هادئة على الدين.

عادة ما يكون للثورة ضحايا غير مباشرين، بمعنى أنه لو كان لهذا النظام الفاسد داعمين من طبقة معينة أو فئة معينة أو مؤسسة معينة فإنها تعد من الضحايا الغير مباشرين. فمثلا فى ثورة ٥٢ كانت الطبقة الأرستقراطية؛ و التى تعد أكثر الفئات أنتفاعا من وراء سياسات الموجودة، من أكبر الضحايا الغير مباشرين لثورة بدأت بخلع الملك. فى فرنسا كان الدين، والذى كان أكبر داعمى الملك، مستهدفا ومضطهدا بعد النجاح فى التخلص من الحكم الملكى فى فرنسا. الأمثلة لا تنتهى، إلا ان الوضع أختلف قليلا فى مصر، فلا الارستقراط ولا الدين كانوا من المحسوبين على النظام القديم بقدر ما كان "العواجيز". نعم، أستمر نظام مبارك لثلاثين عاما وأستمر معه رموزه، كانت السيطرة والغلبة لكبار السن، لن تعرف الوزارات من هو أقل من الـ٥٠، كذا الحال فى معظم المناصب القيادة، وهو ما ولد حالة من السخط العارم وسط الشباب فاطلقوا على مصر حينها "دولة العواجيز".

نجحت "ثورة الشباب" كما أطلق عليها، والتى بالفعل كان أبرز قياداتها، ومحركيها وثوارها من الشباب الذين نجحوا فى حشد سائر طوائف الشعب حولهم تدريجيا، فى أكتساب الثقة التى طالما فقدوها لعقود. بدأت الثورة "الهادئة" وسط عقول الشباب الذين أعادوا النظر تدريجيا فى كل ما نقل إليهم من جيل أبائهم "العواجيز". فكرهوا العادات والتقاليد وبدؤا فى نقد الدين تدريجيا و"من بعيد لبعيد". ساهم فى زيادة هذا الشك الذى تحول لعاصفة، مشاركة التيارالدينى فى الحياة السياسية، وبغض النظر عن نتائج هذه المشاركة فإن مجرد الدخول وعرض الموقف السياسى جعلهم عرضه للقبول والرفض وهو ما لا مشكلة فيه طالما لم تدعى قداسة القرار. تبنى التيار الإسلامى اتجاه أثار سخط الغالبية من الشباب الثائر وهو تفضيله لحكم الجيش؛ والذى لم يكن مرحبا به حينها، وإتجاهه المحافظ والذى أوحى بظهور "دولة عواجيز" بثوب دينى. إلا إن المشكلة تفاقمت حين وصم هذا التيار مخالفيه "بالكفر" والزندقة" و"محاربة الإسلام" أو فى أفضل الأحوال "عصاة" فأيدوا وباركوا الانتصارات السياسية بل وعدها بعضهم بالغزوات التى أيد الله بها دينه.

تحول الصراع بين الشباب الثائر والتيار الدينى من سياسى فى الميدان إلى دينى فى البرلمان، فكان لسان حال الشباب "إذا كان الاسلام يريد التصويت بنعم، فأنا لا أريد الإسلام" لم تكن غلطة الشباب، بل خطأ من أوحى بأن هذا الرأى السياسى البحت؛ الذى يشتم الثوار فيه رائحة الخبث والعفن السياسى، هو رأى يرضى الله ورسوله. لم تستثنى هذه الظاهرة جيل "العواجيز" نفسه إلا إن طبعه المحافظ أبعده عن كل ما هو مختلف، فلم تلقى "الثورة الهادئة" على الدين صدى حقيقى عنده.

تزامن مع ما سبق تضائل الأمل تدريجيا فالفوضى بدأت تعم من جديد، أنتشر قطاع الطرق والمجرمون فى الشوارع. أصبحت شاشات التلفزيون مسرحا لكثير من الإسفاف والنخاسة الفكرية، أصبح من الطبيعى أن يتكلم كل من "هب ودب" فى أمور البلاد، أصبح التطاول على أى رمز ممكنا، بل ويلقى قبولا من الجمهور. إلا أن الصدمة كانت فى عديد الشيوخ و"العلماء" الذين بدؤا فى السقوط بقوة كلما تكلموا فى أمر من أمور الدنيا، بدا عجزهم وجهلهم بجوانب كثيرة من الحياة واضحا للعيان بطريقة لا تدع مجالا للشك.

أدت كل هذه العوامل التى بدأت بثورة ناعمة على القديم والموروث، أتبعها دخول تيار دينى فى صراع سياسى أتخذ فيه قرارات لم تلقى قبول الغالب الاعم، أنتشار حالة من الفوضى فى التعبير والتى تخطت الحرية فى إبداء الرأى الى السب والقذف، الشك فى كفاءة وعلم بعض الرموز الدينية التى طالما أتبعناها لنتبين جهل بعض رموزها المطبق بأبسط أمور الحياة والعلم. أضف إلى ذلك الانفتاح فجأة على وسائل التواصل الإجتماعى التى فتحت نافذة دائمة على كافة التيارات الفكرية الموجودة على الساحة. أدى كل هذا لزيادة نسبة الإلحاد فى مصر والتى قدرتها دراسة قامت بها جامعة بنسلفانيا إلى ٣٪ وهى نسبة وإن صحت فهى تساوى 2.7 مليون. وإن كنت لا تؤمن بالإحصائيات الغربية فيكفيك أن تنظر لبعض العنواين والمانشيتات التى أنتشرت مؤخرا من سب فى الائمة الاربعة، إلى دعوى لخلع الحجاب، وعدم تجريم الحشيش، أو العلاقات الجنسية قبل الزواج، حرق بعض الكتب لانها كتب تراث، إلى غير ذلك من التطرف فى الذى أدى لظهور النقيض مباشرة والمتمثل فى الجماعات الإسلامية المسلحة.

ولا ندرى هنا أيهم جاء أولا البيضة أم الفرخة، التطرف فى الاباحية أم التطرف فى التشدد. إلا انه وبلا شك فقد بدأت ثورة على الدين أخشى أن لا تستمر هادئة طويلا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان