لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

العنصريون ورثة الشيطان

02:32 م السبت 15 أكتوبر 2016

العنصريون ورثة الشيطان

بقلم – هاني ضوَّه :

نائب مستشار مفتي الجمهورية

في مترو أنفاق القاهرة حيث الصخب والضجيج والالتحام الإجباري للأجساد، تسمع همهمات وهمسات ولكنها تثقب الآذان، أطفال دون سن البلوغ من المفترض أن يكونوا على فطرتهم تعلقت أعينهم بامرأة إفريقية كانت ترتاد المترو وهم يتغامزون: "شايف الزنجية دي؟".

عبارة تبعتها ضحكات سخرية، ثم تعليقات عنصرية سخيفة وسط صمت وربما ابتسامات في عيون الركاب الأخرين الذين لم تتحرك إنسانيتهم ليردوا عنصرية هؤلاء المراهقين.

ليست هذه هي الواقعة العنصرية الأولى التي يتعرض لها أصحاب البشرة السمراء من الأفارقة في مصر أو غيرها من البلدان العربية، فهو موقف شبه يومي يتعرضون له في الشوارع والطرقات ووسائل المواصلات والمعاملات اليومية.. إن لم يكن بالقول فبنظرات عنصرية شيطانية تقذفهم بسهام الاحتقار.

هؤلاء العنصريين هم ورثة الشيطان .. إنهم بقية الجاهلية الأولى ..

كانت أول معصية ارتكبها الشيطان اللعين هي عندما تكبر واستعلى ورفض الأمر الإلهي له بالسجود لأبو البشر سيدنا آدم عليه السلام .. فقد رأى إبليس أنه أرقى وأعلى من أن يسجد لبشر خلقه الله سبحانه وتعالى من طين، بينما هو مخلوق من نار.

لقد قصر فهم إبليس اللعين عن إدارك أن الصنعة إنما تستمد قيتمها من صانعها .. والله سبحانه وتعالى قال عن خلقته لسيدنا آدم عليه السلام: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}، فنسب الله سبحانه وتعالى الروح التي بثها في أبو البشر عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلى نفسه نسبه تشريف، وهو ما يدل على عظمتها لأن الذي سواها هو الله والذي نفخ فيها الروح هو الله سبحانه وتعالى.

وبذلك كانت أول كفر ومعصية ارتكبها الشيطان هي النظرة العنصرية والطبقية التي نظر بها إبليس لخلق الله .. يقول تعالى عن ذلك: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.

وكان نتاج هذه النظرة العنصرية المتكبرة من الشيطان الرجيم عليه لعائن الله لأبو البشر سيدنا آدام عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أن أصبح الشيطان رجيمًا ملعونًا مطرودًا إلى يوم الدين .. يقول تعالى: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}..

تكبر إبليس جعله يغفل عن تلك النفخة الربانية التي نفخها الله سبحانه وتعالى في آدم والتي فيها السر الإلهي .. وهي التي ميزت الإنسان البشري عن سائر المخلوقات .. فجميع المخلوقات خلقت من طين مثل البشر، ولكن الذي يميز البشر عن سائر المخلوقات هو تلك النفخة الروحية الربانية التي جعلت في البشر القابلية للسمو والرقي العقلي والروحي، فجعلته يتأمل في الكون من حوله ويتدبر ويفكر فيه ويستخلص الحكم من كل شئ حوله فيبتكر ويخترع ما يمكنه من آداء مهمته التي أوكلها الله إليه .. ألا وهي عمارة الأرض.

بل كان نتيجة تلك النفخة الربانية في الإنسان أن قام بمهمته في عمارة الكون ونفع إخوانه من البشر والإلتزام بالأوامر والنواهي الإلهية التي أرسل الله بها رسله أن ترتقي أرواحهم كذلك حتى تتجاوز مدارك الحواس والعقول لتتصل بالملأ الأعلى .. ومن هؤلاء الأولياء الصالحين الذي أخلصوا لله فصفت قلوبهم وأرواحهم فتعلقت بخالقها سبحانه وتعالى.

ولكن هناك أنفس بشرية أبت إلا أن "ترث الشيطان"، وتعيش في دونية وتهوي بروحها وعقلها في مهاوي الشيطان فورثته واتبعت سبيله وسارت على نهجة بالنظر إلى الناس من حولهم بعنصرية وتكبر .. فالشيطان عليه لعائن الله بعد أن طرد من رحمة الله وأصبح ملعونًا بسبب عدم سجوده لأبو البشر سيدنا آدم .. توعد بني آدم بأن يغويهم انتقامًا منهم ..

يقول تعالى يخبرنا كيف كان تصرف إبليس بعد أن أصبح طريدًا ملعونًا: {قالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}.

هكذا هو الشيطان .. توعدنا بالغواية انتقامًا منا .. وبعض البشر استجابوا له واتبعوا خطواته رغم أن الله سبحانه وتعالى حذرنا من الشيطان فقال: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.. ولكن بعض البشر استمعوا لوسواسه فمنهم من ضل عن عبادة الله سبحانه ومنهم من وقعوا في المعاصي واتبعوا الشهوات، ونشروا الكراهية والعنصرية فيما بينهم وحققوا إرادة الشيطان .. فأخذوا ينظرون لبعضهم ويتعاملون من خلق الله تبعًا للونهم أو مكانتهم ومالهم أو جنسهم أو دينهم .. يقول تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}.

فهل أنتم منتهون ؟!

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان