لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ابن قتيبة.. الفقيه الأديب والمدافع عن الحديث ورد الشبهات عن أهله

02:30 م الثلاثاء 13 نوفمبر 2018

ابن قتيبة

كتبت - سارة عبد الخالق:

أحد أشهر المحدثين الفقهاء الذين وضعوا بصماتهم عبر الزمان، وكان مرآة ثقافية لعصره، يتمتع بعلم غزير وبثقافة عربية واسعة أهّلته ليكون أحد المدافعين عن الحديث وشرح غريبه ورد الشبهات والجدل عن أهله، ويعد كاتب أهل السنة في النصف الأخير من القرن الثالث الهجري، وصفه الذهبي: بأنه "من أوعية العلم"، فيما قال عنه السيوطي: "إنه كان رأسًا في العربية واللغة والأخبار وأيام الناس"، أما ابن حزم فقد رأى أنه: "كان ثقة في دينه وعلمه"، إنه الأديب الفقيه والمحدث والمؤرخ: أبو محمد بن قتيبة الدينوري.

وفي هذا التقرير يرصد مصراوي نبذة تاريخية عن الفقيه المحدث ابن قتيبة الدينوري البغدادي، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، (213 هـ- 15 رجب 276 هـ / 828 م- 13 نوفمبر 889م).

"كان ابن قتيبة محاطاً ببيئة علمية منذ نعومة أظافره، وقد لازم والده الذي أخذ عنه العلم منذ صغره، فكان يقول: "حدثني أبي"، فهذه البيئة التي نشأ فيها جعلت منه شخصية مجبولة على العلم – وفقا لما جاء في (منهج ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن وأثره في الدراسات القرآنية) – حيث كانت الكوفة وما حولها مما نشأ فيها ابن قتيبة من أزهى مدن البلاد، فهي بيئة علم وحضارة وفكر، مما كان حرياً أن يؤثر في شخصية ابن قتيبة ويزيد من قريحته واشتعال ذكائه وتوقد ذهنه، والوقوف أمام أهل البدع".

ثم انتقل إلى البصرة طلباً للعلم والتقى بعلمائها وأخذ عنهم شتى العلوم والمعارف، ثم ارتحل إلى بغداد، وكانت بها شهرته، فغشي مجالس العلماء في التفسير والحديث والفقه واللغة والنحو والأدب، فألف هناك كتبه، وأملى به علمه، وفقا لما جاء في (تأويل مختلف الحديث)، ثم ذهب إلى نيسابور، قاصداً علماءها بشكل عام، واسحق بن راهوية بشكل خاص، فأخذ منه الحديث وعلومه، ومكث بها حتى وفاة شيخه، ثم عاد مرة أخرى إلى البصرة التي عين بها قاضياً لمدينة "الدينور"، ثم انتقل إلى الحجاز، حيث الأعراب ولهجاتهم وفنونهم وأشعارهم – وفقا لما جاء في (غريب الحديث).

عاش ابن قتية الكثير من سنوات عمره في مجتمع محفوف بالفوضى السياسية، حيث عاصر سبعة من الخلفاء، بعضهم لم تزد مدة خلافته عن أشهر، بل إن معظمهم كانت تنتهي خلافته بالقتل - وفقا لما جاء في منهج إبن قتيبة في تأويل مشكل القرآن وأثره في الدراسات القرآنية لفادي بن محمود الرياحنة- ، بالإضافة إلى الفتن التي شهدها هذا العصر، وأوضح بن قتيبة الحالة التي وصلت إليها البلاد حيث أشار مؤلف الكتاب إلى ما بينه بن قتيبة من تدهور الأحوال في البلاد، قائلا: "انصرفت أموال الملوك إلى التطاول في البنيان والتباهي فيه وتراجعت المروءة وضاع الإحسان بين الناس، وفشى الكذب بينهم".

وقد وصف ابن قتيبة هذه الحالة المزرية التي وصلت إليها البلاد في عصره قائلا: "وقد خوى نجم الخير، وكسدت سوق البر، وبارت بضائع أهله، وصارت أموال الملوك وفقا على شهوات النفوس، والجاه - الذي هو زكاة الشرف - يباع بين الخلق، وآضت المروءة في زخارف النجد، وتشييد البنيان، ولذات النفوس في اصطفاق المزاهر، ومعاطاة الندمان، ونبذت الصنائع، وجهل قدر المعروف وماتت الخواطر وسقطت همم النفوس وزهد في لسان الصدق"، وفقا لما جاء في كتاب (أدب الكاتب).

فقد أدرك ابن قتيبة واقع الناس وما يعيشون فيه من جدل بسبب اتباع الهوى، وحب الظهور، مما تسبب في كثرة الطعن في دين الله- سبحانه وتعالى -، فما كان له إلا أن حمل لواء السنة في مكافحتهم والرد عليهم والدعوة في مقابل ذلك إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، وترك اتباع الهوى، وكانت هي السمة العامة في جميع مؤلفات ابن قتيبة – وفقا لما جاء في (منهج ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن وأثره في الدراسات القرآنية).

ولابن قتيبة العديد من المؤلفات التي أثرت الحياة العلمية والثقافية والدينية، يقول ابن خلكان في وفيات الأعيان عن مؤلفاته: "وتصانيفه كلها مفيدة منها غريب القرآن الكريم وغريب الحديث وعيون الأخبار ومشكل القرآن ومشكل الحديث وطبقات الشعراء والأشربة وإصلاح الغلط وكتاب التفقيه وكتاب الخيل وكتاب إعراب القراءات وكتاب الميسر والقداح، وغيرها".

وكان مهتماً بالدفاع عن الحديث وشرح غريبه ورد الشبهات والجدل عن أهله، ويعد كاتب أهل السنة في النصف الأخير من القرن الثالث الهجري، حيث تناول قضية القرآن والسنة، وما وجه إليها من اتهامات على يد المعتزلة، فبين من خلالها غلطهم، وكيف أنهم حملوا الآيات وألفاظ الحديث ما لايمكن تحمله، كي يسلم لهم مذهبهم- وفق كتاب (تأويل أهل الحديث).

كما كان من ضمن مؤلفاته الشهيرة التي أثرت المكتبة الإسلامية كتاب (الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة) والذي يعتبر من آواخر مؤلفاته، وهو كتاب مهم يهم المتأدب ومن يعني بتاريخ تطورات العلوم كما يهم المتكلم والفقيه والمحدث، هذا الكتاب الذي أفنى فيه ابن قتيبة سنوات كثيرة من عمره، لأن كان هناك وقتها في ذلك العصر صراع شديد بين الآراء والمذاهب، وبين عيشة الجد وعيشة اللهو، وغيرها مما كان له أثر كبير في الحياة الاجتماعية في مثل ذلك العصر، ففي ظل كل هذا الصخب والمشاحنات والصراع بين الثقافات، وضع هذا المؤلف الثري.

وهناك مصنفات نسبت إليه كذباً منها كتاب بعنوان "الإمامة والسياسة" يقال عنه إنه كتاب شوّه التاريخ وألصق بالصحابة الكرام رضوان الله عليهم ما ليس فيهم، وطبعت منه عدة طبعات في مصر وبيروت وتوجد منه نسخ خطية في مكتبات لندن وباريس وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية كتب عليها سنة 1297 للهجرة، حيث جاء في فهرس كتاب (أكذوبة مذكرات الجاسوس البريطاني همفر) عدة نقاط تبرأ ابن قتيبة من هذا الكتاب منها أن: "ابن قتيبة كان يحتل منزلة عالية لدى العلماء، فهو عندهم من أهل السنة وثقة في علمه ودينه"، يقول ابن حزم: "كان ثقة في دينه وعلمه"، ويقول عنه ابن تيمية: "إن ابن قتيبة من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة، وهو خطيب السنة كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة"، فرجل هذه منزلته لدى رجال العلم المحققين، هل من المعقول أن يكون مؤلف كتاب الإمامة والسياسة الذي شوه التاريخ، وألصق بالصحابة الكرام ما ليس فيهم؟!".

وقيل في وفاته- نقلاً عن كتاب (وفيات الأعيان): صاح صيحة سمعت من بعد، ثم أغمى عليه إلى وقت الظهر، ثم اضطرب ساعة ثم هدأ فما زال يتشهد إلى وقت السحر ثم مات رحمة الله عليه.

وقال ابن كثير في سبب وفاته في كتابه "البداية والنهاية": "وكان سبب وفاته أنه أكل لقمة من هريسة فإذا هي حارة فصاح صيحة شديدة ثم أغمي عليه إلى وقت الظهر ثم أفاق ثم لم يزل يشهد أن لا إله إلا الله إلى أن مات وقت السحر".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان