لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

د. محمود الهواري: هكذا نحتفل بالمولد.. ونسأل أنفسنا: "لو رآنا النبيّ هل سيفرح بنا؟" حوار

10:00 ص الثلاثاء 20 نوفمبر 2018

الشيخ الدكتور محمود الهواري

- السؤال المهم هو: هل يحتفل بنا النبيّ؟

- طاعة المحبّ لحبيبه واجبة

- ينبغي أن يظهر أثر الاحتفال على الألسنة والجوارح

- المحبة الحقيقية إيثار ما يحبّ النبيّ على محبوبات نفسك

حوار : محمد قادوس

الحقيقة أن الأفراد والأمم تحتاج أثناء سعيها لتحقيق أهدافها، وتنفيذ ما كلفت به إلى فترات من الراحة والصفاء لتجديد معالم الإيمان، وإصلاح ما فسد من أحوال، وعلاج ما جدَّ من أدواء؛ لتنظر فيما وصلت إليه في سعيها؛ ولذا شرع الله عز وجل مواسم الخير المتعددة والمتكررة.. انطلاقاً من هذه الرؤية بدأ مصراوي حواره مع فضيلة الشيخ الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفني لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر الشريف.

وحول تجدد ذكرى المولد النبوي الشريف، قال الهواري إن من رحمة الله بالأمة أن عدّد مواسم الخير، فلا تكاد تخرج من موسم خير إلا وتدخل في غيره، إكراماً من الله لهم وبراً بهم، فذكرى المولد النبوي الشريف محطة لتعبئة القوى الروحية والخلقية التي تحتاج إليها الأمة، ومدرسة لتجديد الإيمان، وتهذيب الأخلاق، وتقوية الأرواح، وإصلاح النفوس، وضبط الغرائز، وكبح جماح الشهوات بتذكر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينبغي أن يغيب عنا أصلاً، والنظر في سيرته وأخلاقه.. وإلى نص الحوار:

- هل كل الناس يوافقون على الاحتفال بهذه الذكرى العطرة.. ما رأيكم في هذا؟

في إطار الإجابة عن هذا السؤال، يختلف الناس إلى فريقين، فريق يجيز، وفريق يمنع. ويحشد كل فريق منهما أدلته؛ ليبدو في صورة البطل المنتصر الذي يستأثر بالحق المطلق وحده! فتزداد الأمة فرقة إلى فرقتها، وشتاتا إلى شتاتها، وهو ما يرضى به أعداؤنا.

لكن لا بد أن نفهم المسألة قبل الحكم عليها، ومن القواعد المقررة أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

اختلفوا حول مشروعية الاحتفال ولم يختلفوا على حبّ النبيّ

- هل فهم معنى الاحتفال يؤثر في الحكم؟

قطعا، كل المسائل تختلف الأحكام عليها باختلاف فهم أدلتها، وإلا فما الذي أخرج لنا هذا التراث الضخم من الآراء الفقهية المتنوعة؟

إنه تنوع الأفهام.

وبعض المسائل يمكن جمع الآراء فيها على كلمة سواء، والأمر أهون من أن نجعلها معركة ينتصر فيها فريق غالب على فريق مغلوب؛ فالأمر يسير، ويمكن رد الفريقين إلى أمر واحد يجمعهما، فالمجيزون للاحتفال إنما ينطلقون من تقدير النبي صلى الله عليه وسلم، واحترامه، وإجلاله، وتوقيره، وهذا كله مما أمر به الشرع، وهو كذلك ما لا يمكن للمانعين أن يحرموه.

والمحرمون للاحتفال إنما ينطلقون من بعض ما علق بالاحتفال من أمور ينكرونها، وهو ما لا يرضاه المجيزون للاحتفال.

وعلى هذا فالنقطة التي يلتقي عندها المجيزون والمانعون أنَّ حبَّ النبي صلى الله عليه وسلم، واحترامه، وتقديره، وتوقيره مشروع بل واجب ما دام هذا الحب في إطار الشرع دون غلوٍّ أو إفراط.

لكن الواجب قبل أن نختلف ونضيع الوقت في كل عام في المسألة ذاتها؛ الواجب أن نسأل ما معنى الاحتفال؟.

هكذا يكون الاحتفال الحقيقي بمولد النبيّ الأعظم

- إذن .. ما معنى الاحتفال؟

احتفالنا بالنبي صلى الله عليه وسلم نُعنى به ونهتمُّ له ونبالغ في إكرامه وإظهار الفرحة به.

والحق أن الاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكيفيات التي نعرفها من قراءة سيرته، وتعليم الناس سنته، لا يزيد النبي صلى الله عليه وسلم شرفا، بل يشرف به المحتفل بكسر الفاء.

نحن لا نزيد النبي صلى الله عليه وسلم شرفا بكلامنا، ولكن تزدان ألسنتنا وأوقاتنا بالكلام عنه.

والاحتفال الحقيقي به أن يعرف كل مسلم الواجب عليه تجاه النبي صلى الله عليه وسلم.

حبّه والصلاة عليه أمر واجب من الله تعالى

- ما الواجب علينا إذن تجاه النبي صلى الله عليه وسلم؟

قبل أن نتكلم عن الواجب علينا تجاه النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن نعرف أن الله عز وجل أنعم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، ومن أجل وأفضل وأعظم النعم أن أرسل إلينا رسولا يعلمنا ودلّنا على ربنا، فالنبي صلى الله عليه وسلم نعمة مسداة ورحمة مهداة، وقد أعلن الله تعالى في قرآنه هذا المعنى، فقال: تعالى ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].

وقد أمرنا ربنا بشكر النعم، وقال: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)

فشكر هذه النعمة لا يتوقف عند احتفال صوري شكلي لا ينفد إلى القلوب، ولا يظهر أثره على الألسنة والجوارح، ولا تظهر إيجابيته في الحياة.

فإذا فهمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نعمة فلا بد من شكر النعمة، وشكر نعمة النبي الاقتداء به عقيدة وعبادة وعملا وأخلاقا وسلوكا.

والله عز وجل أمرنا بهذه الواجبات والحقوق.

وبعض الناس يتكلم كثيرا أنه يحب النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه حب لا يتجاوز اللسان، ولا يزيد على الكلام.

- هل تقصد أن المحبة ليست بالكلام، فكيف تكون المحبة إذن؟

الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة والسلام عليه شكل من أشكال المحبة، والواجب علي المحبين من أمة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من الكلام، يجب على كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية أن يعرفوا الحقوق الواجبة عليهم تجاهه، ويعملوا بها قولاً وعملاً.

والمحبة لا تقف عند حد الكلام والادعاء، فما أسهل الكلام.

وهناك حب صادق، وهو الذي يترجم في سلوك واقعي، وهناك حب زائف لا يظهر له أثر في قول مسدد، أو سلوك بالوحي مؤيد.

ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم محبته، وكذلك المحبة ليست بالكلام، فهي أولا محبة واجبة أوجبها الله تعالى وقرنها بمحبته تعالى فقال في كتابه العزيز، فقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].

وأعلن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في أحاديثه فقال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) (البخاري، ومسلم).

فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم نابعة من محبة الله، وتحقيق محبتهما طريق حلاوة الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) [البخاري].

لكن هذه المحبة لا تكون بالكلام، فالمحبة مع المخالفة ليست محبة.

والمحبة مع الهجر ليست محبة

والمحبة مع البعد والجفوة ليست محبة.

أما المحبة الحقيقية فإيثار ما يحب النبي صلى الله عليه وسلم على محبوبات نفسه، ومحبة ما جاء به والدعوة إليه ومحبة أهل بيته وصحابته رضوان الله عليهم، ومن محبته كثرة ذكره عليه الصلاة والسلام، والشوق إلى لقاءه، قال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا أمامة إن من المؤمنين من يلين لي قلبه) (رواه أحمد).

الطاعة تكون بالتزام أوامر الشرع من أمر ونهي

- هل محبة النبي صلى الله عليه وسلم لها كل هذا الأثر؟

المحبة هي التي تؤدي إلى طاعته صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره، كما أمر الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33].

والطاعة ليست بالكلام، وإنما بالتزام أوامر الشرع من أمر ونهي، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أحوال أمته، وهو نعم المربي، لذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه).

فالواجب على المؤمن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما أحل وما حرم، فالواجب على المؤمن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة والسلوك فهذا هو طريق النجاة يوم القيامة بإذن الله تبارك وتعالى.

- فضيلة الدكتور، نقرأ في القرآن كلمة (وتوقروه)، ما معناها؟ وهل هي حق كذلك من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته؟

توقير النبي صلى الله عليه وسلم من آكد حقوقه صلى الله عليه وسلم على أمته، فالتوقير أمر من الله تعالى وارد في القرآن، يقول عز من قائل: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ (الفتح: 8، 9).

- لكن ما معنى توقيره؟

أكرر الكلام، وأقول إن كثيرا من الألفاظ تحتاج إلى شرح وبسط حتى تفهم، وحتى تتجاوز الكلام إلى العمل والتطبيق، فمن توقيره عليه الصلاة والسلام عدم التقدم بين يديه مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1]، وكان تطبيق هذه الآية في حياته صلى الله عليه وسلم ألا يتكلم إنسان قبل كلامه، وألا يقول قبل قوله، فإذا تكلم فالسمع والطاعة واجبان على المستمع.

وهذا التوقير لم ينته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وما يزال معنى النص فينا إلى قيام الساعة فلا ينبغي أن نقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم رأيا ولا معارضة لحديثه، ولا لسنته، بل يتعين علينا أن نوقر سنته فينا كما لو كان حيا بيننا.

ومن التوقير عدم رفع الصوت في حضرته صلى الله عليه وسلم، والله جل شأنه يقول: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2].

والحقيقة إن هذه الآية نزلت في خيري الأمة بعد نبيها نزلت في أبي بكر وعمر لما ارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فتخيل من هو أبو بكر ومن هو عمر ومع ذلك ينزل هذا التخويف، فكيف الحال مع من يرد السنة، ويقول لا آخذ إلا بما جاء في القرآن.

وتوقيره بعدم رفع الصوت موجود إلى قيام الساعة، فكما يحرم رفع الصوت في حضرته ، فإنه يحرم رفع الصوت في روضته، وفي مسجده، وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال: أتدريان أين أنتما؟ ثم قال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا ترفعان أصواتكما في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

- ذكر النبي كما قلت فضيلتكم شرف للذاكر، فهل الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم تنفع صاحبها؟

لا بد أن نعلم أولا أن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم من الواجبات على المسلمين المحبين، ومن حقه على أمته أن يصلوا عليه كلما ذكر عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

ومعنى الآية أن الله تعالى يخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلى عليه، ثم يأمر أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع عليه الثناء عليه من أهل العالَمْينِ: العلوي والسفلي جميعًا.

فالصلاة والسلام عليه واجبة على كل مؤمن ومؤمنة لما في ذلك من الأجر العظيم من الله جل وعلا، ولما في ذلك أيضاً من طاعة لله تعالى عندما أمر المؤمنين بالصلاة والسلام عليه.

ومن أهم وأجمل فوائد الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يكافئ من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعشر صلوات، وما أدراك ما صلاة الله رحمة ونورا وبرا وعطاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً) [رواه مسلم].

وتخيل أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع صلاتك وسلامك عليه، بل يرد عليك السلام، يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ.

ويوم القيامة يوم الزحام يوم يحتاج الإنسان إلى من يحتمي به ويلتجئ إليه ويشفع له عند ربه، هناك أناس هم أولى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهم أكثرهم صلاة عليه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة) [الترمذي ].

أسباب عقلية باعثة إلى محبة النبي

- بعض الناس يحكم عقله، وأنا أعرف أن الدين يدعوني للتفكير، فهل من الممكن أن نقدم أسباباً عقلية تدعو إلى محبة النبي صلى الله عليه وسلم؟

أولا: استخدام العقل في بعض الأمور لا يعود على الإنسان بنفع يذكر، كثير من الأمور تحتاج إلى قلب يقظ، وفؤاد محب، وليس معنى هذا الكلام أن ألغي العقل وأعطله عن عمله.

إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم واجب من واجبات ديننا، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد كلمات يرددها الشعراء، أو خطب يتلوها على المنابر الخطباء، ولكن محبته نفحة ربانية وعقيدة إيمانية، يتنافس فيها المتنافسون وإليها يشخص العاملون، فلا يكفي فيها الادعاء باللسان فحسب، بل لا بد أن تكون محبته عليه الصلاة والسلام حياة تعاش، ومنهجاً يتبع، وصدق الله إذ يقول: (‏قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏)آل عمران/31. ورحم الله من قال:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس شنيع

لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع.

ولذا ترجم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم محبته ترجمة عملية، فقد بذلوا أرواحهم ودماءهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: "يا رسول الله، هذه أموالنا بين يديك، خذ منها ما شئت ودع منها ما شئت، وما أخذته منها كان أحب إلينا مما تركته، وهذه أرواحنا بين يديك، لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا أحد، إنا والله لَصبرٌ في الحرب صِدق عند اللقاء؛ فامض بنا يا رسول الله حيث أمرك الله".

وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُسأل: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وأبنائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ"

وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فيقول له:(لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً). فلما أذن الله عز وجل لنبيه بالهجرة قدم على أبي بكر يخبره بالأمر فقال له أبو بكر: "الصحبة يا رسول الله". فقال له: (الصحبة). تقول السيدة عائشة: "فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ"

وفي الطريق كان الصديق رضي الله عنه يسير أمام النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم من خلفه، ثم عن يمينه، ثم عن شماله، فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك، فيقول: "يا رسول الله، أذكر الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الرصد فأمشي أمامك". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان شيء أأحببت أن تقتل دوني)؟ فقال: "إي والذي بعثك بالحق".

هكذا ترجم الصالحون محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً قدموه فيه على أنفسهم وأهلهم وأموالهم والناس أجمعين، فأين نحن من ذلك؟! سل نفسك: هل أنت فعلاً تحب رسول الله؟! هل أنت فعلاً تؤثر أمر الله وأمر رسول الله على أمر نفسك وهواك؟! هل أنت فعلاً تشتاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟! هل أنت فعلاً تتمنى أن تحشر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؟.

إن كنت كذلك فإني أبشرك بما روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: (ما أعددتَ لها)؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال: (أنتَ مع من أحببت). يقول راوي الحديث: فما فرحنا بشيء بعد الإسلام كفرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتَ مع من أحببت)رواه البخاري.

- أريد أن أربي نفسي على محبة النبي صلى الله عليه وسلم فماذا أفعل؟

لا بد أن يعلم الإنسان أولا أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه دليل على محبة الله تعالى، يقول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، فمن أراد استجلاب محبة الله تعالى فطريقها محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن للإنسان أن يكون محبوباً لله تعالى إلا إذا أحب رسوله.

ثانيا: نحن حينما نتكلم عن محبته صلى الله عليه وسلم، فلا نتكلم عن محبة شخصية عادية، بل نتكلم عن محبة شخص جمع الله تعالى فيه ما تفرق من معاني الحسن والكمال والجمال والجلال البشري.

فإذا كان يوسف قد أعطي نصف الحسن فإن محمدا قد أعطي الحسن كله، فكان صلى الله عليه وسلم أجمل من البدر، فقد روي أن أحد الصحابة رأى النبي صلى الله عليه وسلم ورأى البدر في ليلة مقمرة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أجمل من البدر.

هذا في جانب خَلْقه، أما خُلُقه صلى الله عليه وسلم فلا يستطيع أحد مهما أوتي من علم وصفَ خُلق النبي صلى الله عليه وسلم، لذا فقد تولى الله تعالى بنفسه بيان خُلق النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، فالله تعالى وصفه بأنه على على الأخلاق كلها بمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو فوق عرش الأخلاق والأخلاق كلها تحت منزلته.

وقل ما شئت عن صفاته حلما وشجاعة وكرما وبذلا وسخاء وصبرا وعفوا ورحمة وهداية .

ومع كل ما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم من الصفات الراقية التي يقف لها العالم إجلالا واحتراماً، هو أيضاً قد قدم لنا وللبشرية كلها أعظم منة وأجل نعمة، فبه أخرجنا الله من الظلمات إلى النور، وبه صرنا أمة عزيزة مهابة الجانب، بعد أن كنا قبائل متفرقة متناحرة.

وهو الذي حمل هم أمته قبل أن يراهم: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي)، قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي) أخرجه أحمد.

وإيجازا يمكن أن نقول إن الأسباب الباعثة على محبته صلى الله عليه وسلم كثيرة، منها:

1- تعظيم محبَّة الله عز وجل، فمحبَّة النبي صلى الله عليه وسلم تابعةٌ لمحبَّة الله عز وجل.

2- أن النبي صلى الله عليه وسلم سيِّدُ وَلَدِ آدم، وخاتم المرسلين.

3- أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبلِّغ لشرع الله عز وجل.

4- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رؤوفًا ورحيمًا بأمَّته في كلِّ ما شرعه.

5- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ناصحًا لأمَّته، صابرًا في الدعوة إلى الله عز وجل.

6- أن النبي صلى الله عليه وسلم تميَّز بالخُلُق الراقي العظيم.

7- أن لحبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أجرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة.

8- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا علينا وما يزال.

9- أنه صلى الله عليه وسلم بكى شوقا إلينا.

ليس الشأن أن تحبّه إنما الشأن أن يحبك

وأظن أن صاحب القلب المحب لا يحتاج إلى أدلة ليحب النبي صلى الله عليه وسلم.

فالاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم بقراءة سيرته، والتعرف على جميل خصاله، والابتهاج بقدومه وفاء له، وبرٌّ به، لكن السؤال المهم:

هل يحتفل بنا النبي صلى الله عليه وسلم؟

وهذا الذي ينبغي أن يشغل الإنسان به نفسه.

ومعنى السؤال:

هل لو رآك النبي صلى الله عليه وسلم سيفرح بك، أم أنه سيحزن على أحوالك؟

النبي صلى الله عليه وسلم اشتاق إلينا، ونحن إن شاء الله أحبابه.

أتى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا» قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ» فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: " فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا "

وحمله هذا الشوق على البكاء، فقد تلا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: "يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ"

وهو مشغول بنا حتى بعد موته قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحَدِّثُونَ وَيُحَدَّثُ لَكُم، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا كَانَ مِنْ حَسَنٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مِنْ سَيِّئٍ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكُمْ»ّ.

لذلك نسأل هل لو عرض عملي على النبي صلى الله عليه وسلم سيفرح به؟

هل لو عرف ما في قلبي سيسعد به؟

هل لو رأى سلوكي في عملي سيسر به؟

هل لو رأى أهل بيتي وأولادي سيفخر بي؟

هل لو رأى علاقاتي ومعاملاتي سينشرح صدره؟.

فليس الشأن أن تحبه، إنما الشأن أن يحبك.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان