لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تعرف على معنى النصوص قطعيّة وظنيّة الدلالة.. هل يجوز الاجتهاد في آيات المواريث؟

05:56 م الثلاثاء 27 نوفمبر 2018

أرشيفية

كتب – هاني ضوه :

تزايد الجدل وردود الأفعال مؤخراً حول مسألة المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، ومطالبة البعض من إعلاميين ونواب وبعض المشايخ بسن قانون للمساواة على غرار قرار تونس الأخير بحق المرأة في المساواة في الميراث، بدعوى أن ذلك إنما تم بسبب تغير خصائص المجتمع وخروج المرأة للعمل وازدياد اعتمادها على نفسها في الإنفاق وغيرها من الأمور، لدرجة جعلت البعض يتبنى هذا الاتجاه وأن يكون هناك اجتهاد جديد في آيات الميراث وتقسيمه بحيث يتساوى الرجل مع المرأة في الميراث كونها أصبحت تشارك الرجل العمل والحياة.


وفي هذا التقرير يلقي مصراوي بعض الضوء على شرعية المسألة استناداً لآراء الفقهاء المعتبرين. بداية يجب توضيح عدة أمور أولها: أن تقسيم الميراث لم يكن من اختراع الفقهاء أو العلماء، كما يتصور البعض، بل قسمه الله سبحانه وتعالى وذكر ذلك بشكل واضح في القرآن الكريم مُتبِعًّا ذلك التقسيم بعبارة (فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ)، وفي آية أخرى (نَصِيبًا مَّفْرُوضًا)، حتى يغلق الباب على من يحاول أن يقسم على هواه في حقوق العباد، وبذلك يصبح لا اجتهاد في تلك الآيات التي افترض فيها الله سبحانه وتعالى أنصبة الميراث.
يقول الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.

أما الأمر الثاني فهو أن الأصل في ذلك التقسيم للمواريث لم يُبن على مسألة الجنس أو النوع، وإنما لارتباطها بمسؤوليات اجتماعية وأمور متعلقة بالمركز القانوني، لأن الأصل أن أحكام الإسلام تقر بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة إلا ما استثني لأسباب لا تتعلق بالذكورة أو الأنوثة، فذلك التفاوت في أنصبة الوارثين والوارثات فى فلسـفة الميراث الإسلامى إنما تحكمه ثلاثة معايير- حسبما يقول الدكتور محمد عمارة- وهي درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى وبين المُوَرَّث المتوفَّى دونما اعتبار لجنس الوارثين، وموقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال. والثالث هو العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين، وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتاً بين الذكر والأنثى، لكنه تفـاوت لا يفـضي إلى أي ظـلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها .. بل ربما كان العكس هو الصحيح!

الأمر الثالث وهو أن الآيات الكريمة التي ذكرت تقسيم الميراث هي آيات قطعية الثبوت والدلالة، وهو ما يعني أنه لا يجوز الاجتهاد فيها مهما اختلفت الظروف أو تغيرت.
فقد قسَّم علماء أصول الفقه أدلةَ الشرع - من القرآن والسنَّة - من حيث دلالتها إلى قسمين: نصوص قطعيّة الدلالة، ونصوص ظنّية الدلالة.

وعرف العلماء النص قطعيّ الدلالة على أن ما دلَّ على معنى متعيَّن فهمه منه ولا يحتمل تأويلاً ولا مجال لفهم معنى غيره منه، مثلما هو الوضع في آيات الميراث، كمثال قوله تعالى ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ) النساء/ 12 ، فهذا قطعي الدلالة على أن فرض الزوج في هذه الحالة النصف لا غير، وهو ما ينطبق على كل نصٍّ دلَّ على فرضٍ في الإرث مقدَّرٍ أو حدٍّ في العقوبة معيَّن أو نصاب محدَّد .
وأما النص ظنيّ الدلالة فعرفه العلماء على أنه: ما دل على معنى ولكن يحتمل أن يؤول ويُصرف عن هذا المعنى ويراد منه معنى غيره، مثل قوله تعالى ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ) البقرة/ 228 ، فلفظ " القرء " في اللغة العربية مشترك بين معنيين يطلق لغة على الطهر من الحيض ويطلق كذلك لغة على بدء الحيض. فهو يحمل معنيين لأنه يحتمل أن تفسر على أنها ثلاث مرات يأتيها الحيض أو ثلاث مرات تطهر فيها من الحيض، وهنا في مثل هذه الآيات والنصوص مجال مقبول للاجتهاد.
من هنا هذا المنطلق المحدد للنصوص القرآنية أنه لا يحق لأحد أيًا بلغت مرتبه من العلم أن يجتهد في نص قطعي الثبوت والدلالة مثلما هو في حالة المواريث، حتى إن الفقهاء عندما كانوا يصنفون كتبهم كان يقسمونها ويضعون ما يخص المواريث في باب يسمى بـ "باب الفرائض" أي أنها أمور قد فرضها الله سبحانه وتعالى.

كانت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أصدرت، أمس، بياناً حاسماً بشأن القضية قالت فيه: "من تلك القضايا التي زادَ فيها تجاوُزُ المضللينَ بغير علمٍ في ثوابتَ قطعيَّةٍ معلومةٍ مِن الدِّينِ بالضرورةِ، ومن تقسيم القرآن الكريم المُحكَمُ للمواريثِ، خصوصًا فيما يتعلَّقُ بنصيبِ المرأةِ فيه، والذي وَرَدَ في آيتينِ مُحكَمتَينِ مِن كتابِ الله المجيدِ في سُورةِ النِّساءِ، وهو أمرٌ تجاوَزَتْ فيه حَمْلةُ التشنيعِ الجائرةُ على الشَّريعةِ كلَّ حُدودِ العقلِ والإنصافِ".
وأضاف البيان: "أن بعض الناسِ قد سولت لهم عُقولُهم القاصرةُ، وخيالاتهم البعيدة عن الشرع وأحكامه، أن الإسلامَ ظَلَمَ المرأةَ حِينَ لم يُسَوِّ بينها وبينَ الرجلِ في الميراثِ تسويةً مطلقةً، وأنه ينبغي أن تأخُذَ المرأةُ -المظلومةُ في زعمِهم!- مثلَ ما يأخُذُ الرجلُ، لا يتميَّزُ عنها في شيءٍ".

وبالمثل أكدت دار الإفتاء المصرية أنه لا اجتهاد في الأحكامِ الشرعيةِ قطعيةِ الثبوتِ والدلالةِ، ولا مجال فيها لوجهات النظر الشخصية، والتي منها "أحكام المواريث"؛ لأنها حُسِمت بنصوصٍ شرعيةٍ قطعيةٍ وصريحةٍ لا تحتمل أكثرَ من معنًى.
وأوضحت دار الإفتاء أن "أحكام المواريث" لا تخضع للاجتهاد، ولا مجال لوجهة النظر الشخصية فيها؛ لأن الذي قدَّر نصيبَ كل وارث شرعًا فيها هو الله سبحانه وتعالى، ونصَّ على ذلك صراحة في آيات القرآن الكريم، فقال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ}، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"؛ وعليه تكون قضية المواريث من الأحكام قطعية الثبوت والدلالة التي لا تقبل الاجتهاد ولا وجهات النظر.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان