لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الإفتاء: رسالة لمن يهمه الأمر

هبة صلاح.. باحثة ومترجمة بدار الإفتاء المصرية


الإفتاء: رسالة لمن يهمه الأمر

07:45 م الإثنين 01 يوليه 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في مثل تلك الأيام قبل عام كنت أعد الخطوات النهائية قبيل مناقشة بحث الماجستير الذي خصصت له موضوعًا جديدًا على المؤسسة الدينية السُنية الرسمية في مصر، وقدمت دار الإفتاء المصرية نموذجًا، وكان عنوان الدراسة: "المراعاة والملائمة لمنظور النوع الاجتماعي داخل المؤسسة الدينية السُنية: دار الإفتاء المصرية نموذجًا".

كان من بين أهم الملاحظات التي سعدت بها أثناء المناقشة، تلك التي وجهتها إلىَّ الدكتورة أميمة أبو بكر، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة والباحثة في مجال الدراسات النسوية الدينية، حيث قالت لي إن المقدمة كانت ثرية في عرض وتقديم المؤسسات الأزهرية ونجحت في إزالة اللبس عن مهام كل مؤسسة على حدى وطبعا على رأسها مؤسسة الإفتاء التي تمثل موضوع البحث، كانت تلك المقدمة بتوجيه من المشرفة الدكتورة أمل حمادة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وكانت قد طرحت عليَّ سؤالا أثناء جلساتنا العلمية: لماذا لا يستطيع الشخص العامي أو حتى الأكاديمي المتخصص التفرقة أو تميز مهام كل مؤسسة أزهرية على حدى؟

حاولت في مقدمة بحثي أن أمثل المؤسسة الأزهرية (المظلة الكبيرة) بشكل هرمي حتى تتضح الصورة أكثر في ذهن القارئ، لكن بعد مرور عام من مناقشة الرسالة وعرض تجربتي البحثية في محافل دولية قابلت من خلالها العديد من أصحاب التخصصات المختلفة ومنها آخر ورشة عمل حضرتها في دولة ماليزيا حول حوار الأديان والثقافات، وجدت أثناء الحوار والجلسات أننا لم نُعَرِف أو هناك تقصير في تعريف دار الإفتاء بشكل كاف، وكأننا كما يقول أساتذتنا "وقعنا في فخ التحدث إلى أنفسنا"!

شعرت أن هناك حاجة مُلحة للتوضيح والتبسيط نجيب من خلالها عن كل تلك التساؤلات التي يختلط على الناس بسببها تعريف الفتوى ومهمة مؤسسة الإفتاء بشكل محدد؛ فما فائدة أن تسعى المؤسسة للعالمية وتبذل جهدها في خدمة المسلمين والإسلام داخل مصر وخارجها ومازلت هناك مجموعة من الأشخاص تجهل دور المؤسسة وتتصور أن الإفتاء هو جزء من مهام مؤسسات أزهرية أخرى.

تعتمد مهمة المؤسسة الإفتائية في الأساس على "السؤال"، والسؤال هو أول أداة من أدوات البحث العلمي الصحيح، شريطة أن يكون هدفه التعلم وتحصيل المعرفة.

تضمنت مقدمة بحث الماجستير تاريخ إنشاء الجامع الأزهر وما تفرع عنه من مؤسسات تخدم نشر العلم، الذي لم يقتصر فقط على العلم الديني، وتفرع إلى العلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، والمقام هنا لا يتسع للتفصيل في هذا الصدد وإنما يكفي أن نذكر أن الجامع الأزهر أصبح مسئولا عنه "شيخ الأزهر" الذي تحول بعد ذلك إلى منصب "المشيخة" وعلى رأسها الآن الشيخ الإمام أحمد الطيب؛ وتأتي تحت مظلة المشيخة (المظلة الكبيرة) مجموعة مستقلة من الكيانات الأزهرية كل منها له تخصصه ومن ذلك هيئة كبار العلماء وبيت الزكاة، جامعة الأزهر، وزارة الأوقاف، مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية.

كل مؤسسة منهم لها دورها ووظيفتها "المستقلة"، إلا أننا نخص بالذكر هنا المؤسسة الرسمية للإفتاء في مصر وهي دار الإفتاء المصرية، المؤسسة المعنية بإصدار الفتاوى واستطلاع الأهلة منذ تأسيسها في عام 1895م بأمر من الخديو عباس حلمي.

تمثل دار الإفتاء المصرية الركن الرابع من أركان المؤسسة الأزهرية (مشيخة الأزهر، مجمع البحوث الإسلامية، وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية).

الإفتاء في اللغة: مصدر بمعنى الإبانة عن الأمر، ورفع الإشكال عنه ، أي التوضيح من خلال الإجابة على السؤال بواسطة فقيه متخصص هو المفتي.

والفتوى هي ما أفتى به الفقيه، والجمع: الفتاوَى والفتاوِى،

والمفتي في اللغة: اسم فاعل أفتى، فهو المجيب عن سؤال المستفتي.

والمستفتي: اسم فاعل استفتى، فهو السائل الذي يسأل المفتي عما أشكل عليه.

بناء على هذه التعريفات البسيطة، عملية الإفتاء تتكون من طرفين هما المستفتي (صاحب السؤال) والمفتي (هو الفقيه المتخصص الذي يجيب عن السؤال)، هذه الإجابات أو "الفتاوى" هي صناعة لا يقترب منها إلا من أتقن وتدرب على مهارات الإفتاء من الفقهاء المتخصصين، رجالا ونساء دون تفريق بين الجنسين.

مرت دار الإفتاء المصرية طوال تاريخها الإفتائي بمراحل تطور كثيرة، آخرها ما تقدمه الدار للمسلمين في وقتنا الحالي، داخل مصر وخارجها، من خدمات من خلال توظيف منظومة التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي باللغة العربية واللغات الأجنبية وعلى رأسها اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية.

تضم دار الإفتاء المصرية مجلس أمانة الفتوى الذي يمثله مجموعة من خيرة العلماء المتخصصين في الفتوى وعلومها، والمجلس مسئول عن التعامل مع الأسئلة كافة التي ترد إلى الدار من خلال قنوات التواصل المختلفة التي توفرها الدار للمستخدمين، منها الفتاوى الشفهية، والفتوى المكتوبة، وفتاوى الهاتف وفتاوى البريد الإلكتروني وكلها تخدم المستفتين كل بحسب ظروفه وإمكانية وصوله بسؤاله بهدف التيسير والمساعدة في الحصول على الحكم الشرعي من الجهة الرسمية المعتمدة.

وعلى ذلك، فإن دار الإفتاء مؤسسة أزهرية مستقلة إداريا وماليا، وهي عمود من أعمدة المؤسسة الأزهرية يترأسها الآن فضيلة مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام والذي تولى منصب الإفتاء في شهر مارس من عام 2013م خلفا للدكتور علي جمعة الذي خدم في منصبه 10 سنوات شهدت المؤسسة خلالها طفرة هائلة في وسائل التواصل وخدمة المسلمين.

قد يتفق من يتفق مع المؤسسة ويختلف معها من يختلف، لكن في الوقت الذي تسعى فيه فئة معينة جاهدة لتشويه الدور الذي تقوم به الدار شرقا وغربا، تكمل الدار مسيرتها لخدمة قضايا المجتمع المستجدة من خلال الفتوى التي تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، فالفتوى هي الأخذ بيد المستفتي نحو النور، لكن من المهم أن نعرف أن الفتوى غير مُلزمة، فمن شاء فليتبعها، ومن شاء لا يتبعها، وللحديث بقية.

إعلان

إعلان

إعلان