المسيح عيسى في القرآن الكريم.. مولده وقصة "مريم" و"يوسف النجار"
كتبت - آمال سامي:
وصف القرآن الكريم قصة ميلاد سيدنا المسيح عيسى بن مريم- عليهما السلام- بالتفصيل في آيات سورة سميت باسم أمه مريم في الآيات (16 – 34 ) وفي سورة آل عمران في الآية 59 حيث قال تعالى: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ".
ونوهت السنة النبوية الشريفة قبلًا أن المسيح بن مريم عليه السلام قد ولد معصوما ومحميا من الشيطان الرجيم حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخاً من مسِّ الشيطان إياه إلا مريم وابنها". وقد استعاذت ام مريم حين وضعتها من الشيطان الرجيم لها ولذريتها حيث قالت: " فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ".
وروى المفسرون قصة ولادة عيسى عليه السلام في تفسيرهم لتلك لآيات سورة مريم من 16 : 34 ومنهم ابن كثير الذي تناول الأحداث بقدر من التفصيل..
ابن كثير يفسر اقتران قصة ولادة عيسى بقصة ولادة يحيى عليهما السلام
يقول ابن كثير إن قصة عيسى جاءت عقب ذكر قصة زكريا وأنه خلق منه رغم كبر سنه وعقم زوجته ولدًا "زكيا طاهرا مباركًا" وذلك لأن مريم أنجبت ولدها عيسى من غير أب فبين القصتين مناسبة ومشابهة فيدلان على عظمة الله وقدرته وأنه على ما يشاء قدير. ويذكر ابن كثير أن قصة ولادة مريم ونشأتها ذكرت في القرآن الكريم وأنها نذرتها لتخدم بيت المقدس وكانوا يتقربون بذلك إلى الله، ونشأت بين بني إسرائيل فكانت عابدة ناسكة مشهورة بالتعبد والتبتل وكانت في كفالة زوج أختها وقيل خالتها، زكريا، وهو نبي بني إسرائيل وعظيمهم، ورأى لها من الكرامات الكثير. وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام ، أحد أولي العزم من الرسل الخمسة العظام.
اعتزال مريم لقومها وتلقيها بشارة الله
يروي ابن كثير أن المكان الشرقي الذي اعتزلت فيه مريم كما تقول الآيات هو مكان شرق المسجد الأقصى المقدس، وقيل إن سبب اعتزالها هو العبادة وقيل الحيض وقيل إنها ذهبت لتملأ الماء، واحتجبت عن قومها، فأرسل الله لها عيسى عليه السلام على صورة إنسان تام كامل، وقيل إن "الروح" التي أرسلها الله هي روح عيسى فحملت وحلت فيها، لكن ينكر ابن كثير هذا الخبر فيقول: هذا في غاية الغرابة والنكارة وكأنه إسرائيلي.
لكن مريم تخوفت من الملك الذي تبدى لها في صورة بشر وهي وحدها في مكان منعزل وبينها وبين قومها حجاب فظنت أنه سوف يراودها عن نفسها فتعوذت بالله منه ويقول ابن جرير إن الملك قال لها: لست مما تظنين، ولكني رسول ربك، أي: بعثني إليك.
استسلام مريم لقضاء الله وبداية الحمل
يقول ابن كثير إن مريم حين قال لها جبريل عن الله ما قال استسلمت لقضاء الله تعالى وقدره، فنفخ الملك حين ذلك في جيب درعها فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج فحملت بالولد، وحين بدأ الحمل بالظهور خشيت أن تخبر الناس فلن يصدقوها، لكنها ذكرت أمرها لامرأة زكريا، حيث كانت حينها حاملًا في "يحيى" ويروي قصة لقاء المرأتين ابن كثير قائلًا:
وذلك أن زكريا عليه السلام، كان قد سأل الله الولد ، فأجيب إلى ذلك، فحملت امرأته، فدخلت عليها مريم فقامت إليها فاعتنقتها، وقالت : أشعرت يا مريم أني حبلى؟ فقالت لها مريم : وهل علمت أيضا أني حبلى؟ وذكرت لها شأنها وما كان من خبرها وكانوا بيت إيمان وتصديق، ثم كانت امرأة زكريا بعد ذلك إذا واجهت مريم تجد الذي في جوفها يسجد للذي في بطن مريم، أي: يعظمه ويخضع له، فإن السجود كان في ملتهم عند السلام مشروعا، كما سجد ليوسف أبواه وإخوته، وكما أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم، عليه السلام، ولكن حرم في ملتنا هذه تكميلا لتعظيم جلال الرب تعالى.
ابن كثير يذكر "يوسف النجار".. رجل صالح كان يخدم البيت المقدس
يذكر ابن كثير في تفسيره قصة "يوسف النجار" وهو رجل صالح من قراباتها كان يخدم معها البيت المقدس، فلما رأى حملها ارتاب لكنه كان يفكر رغم ذلك في نزاهتها ودينها وعبادتها، فقال : يا مريم ، إني سائلك عن أمر فلا تعجلي علي . قالت : وما هو ؟ قال : هل يكون قط شجر من غير حب ؟ وهل يكون زرع من غير بذر ؟ وهل يكون ولد من غير أب ؟ فقالت : نعم - فهمت ما أشار إليه - أما قولك : " هل يكون شجر من غير حب وزرع من غير بذر ؟ " فإن الله قد خلق الشجر والزرع أول ما خلقهما من غير حب، ولا بذر" وهل خلق يكون من غير أب؟ " فإن الله قد خلق آدم من غير أب ولا أم . فصدقها ، وسلم لها حالها. ولما بدأ الحمل يظهر بشكل أكبر على مريم قررت الهروب، فلما أصبحت بين الشام ومصر جاءها الطلق في قرية "بيت لحم".
لماذا تمنت مريم الموت؟
يقول ابن كثير إن قول مريم : (قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد، ولا يصدقونها في خبرها، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة، تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية.
آلام المخاض والوحدة
بعدما دعت مريم دعاءها السابق، جاءها الهاتف (ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) أي جدولا أو نهرًا لتشرب منه، واختلف في كون من تحدث لمريم عيسى أم جبريل، وقال ابن كثير إن الله تعالى أمرها ان تأخذ بجذع النخلة لتأكل منها فوفر لها بذلك طعاما وشرابا، ويقول ابن كثير عن تلك الشجرة: والظاهر أنها كانت شجرة ، ولكن لم تكن في إبان ثمرها ، قاله وهب بن منبه ; ولهذا امتن عليها بذلك.
وروى ابن كثير أن عيسى كلم أمه حين قال : ( ألا تحزني ) فقالت : وكيف لا أحزن وأنت معي ؟! لا ذات زوج ولا مملوكة ، أي شيء عذري عند الناس؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، قال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام : ( فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) قال : هذا كله من كلام عيسى لأمه.
وبالفعل حين أتت مريم قومها تحمل وليدها عيسى عليه السلام استنكروا الامر وهاجموها بالاتهامات، لكنه تحدث إلى قومه وكان أول ما قاله "إني عبد الله" فيقول ابن كثير: أول شيء تكلم به أن نزه جناب ربه تعالى وبرأ الله عن الولد وأثبت لنفسه العبودية لربه، وقوله : "آتاني الكتاب وجعلني نبيا" تبرئة لأمه من الفاحشة.
فيديو قد يعجبك: