لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

لهُنَّ وعليهنَّ

رشا كمال

لهُنَّ وعليهنَّ

06:08 م الأربعاء 19 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

رشا كمال عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية

قالت لي بنبرة اهتمام مشوب بقلق وترقُّب: إنني مقبلةٌ على الزواج، وأريد أن أعرف ما لي على زوجي وما عليّ له؛ حتى أعيش معه في بيتٍ هانئٍ، والحياة كما تعلمينَ مليئة بالتحديات.. فما نصيحتكِ؟

تفكرت مليًّا في كلامها، ولم أدرِ من أين أبدأ!..

ولا كيف أصوِّر لها حجم المسئولية الملقاة بين يدي الزوجين؛ فكلاهما قد أصبح راعيًا مسئولًا أمام الله - تعالى - عن رعيّته.

وبينما أنا في تفكُّري هذا إذ تابعَتْ كلامَها، وكأنها قد لمحت الحيرةَ في عينييّ، قائلة: ماذا لو قدمتِ للكلام بمعان بسيطة؛ ثم تُفَصِّلينَ ما أجْمَلْتِ..!

فسعدتُ بهذه البداية، وقلتُ لها: اعلمي أن الزواج ميثاق غليظ يُفضي به كل من الزوجين إلى الآخر؛ وينكشف بموجبه من المرأة لزوجها ومن الرجل لزوجته ما لا ينكشف منهما عند غيرهما ولو أقرب الأقربين؛ قال - تعالى -: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [سورة النساء: 21]، هذا بداية.

أمّا عن أول وأهم حقوق الزوجة على زوجها: فهو حسن عشرتها ومعاملتها بالمعروف؛ إذ الزوجة جزء من نفس زوجها، ويدل على ذلك قوله - تعالى -: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم: 21].

ثم عندما يلتقيان يكتمل كل منهما بالآخر، ويسكن إليه، ثم يضع الله – سبحانه - بينهما المودة والرحمة؛ بما وفقهما إليه من تقوى كل طرف ربه في صاحبه، هذا أول حقٍّ لكَ على زوجك.

وأما عن أول واجب لزوجك عليكِ فليس بعيدًا عما ذُكر.. وهو أن تكوني له السكن والدفء، وتملئي بيته مودة ورحمة؛ فلا يسكن إلا إليك، ولا يطمئن إلا معك؛ فالمرأة مع زوجها مفتاح للهدوء والسكينة والخير، وعكسَ ذلك فاحذري.

فقالت: وهل يعني هذا أني أنا المطالَبة بالتحمل والصبر دونه؟ .. ماذا عنه؟!

فأجبتها: اتفقنا من البداية أنها مسئولية مشتركة بينكما، فمن عندك يبدأ كل شيءٍ، وإليك ينتهي كل شيءٍ في البيت.

أنتِ تزرعين المودة والرحمة، وهو يسقيها بالتفاهم، والود، والحوار، وتقبُّل الرأي الآخر، والمشاركة في تحمل المسئولية.

وعليك أن تدركي قول رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» [أخرجه أبو داود].

والذي يعني أنكما متساويان أمام الله - تعالى - في رعاية بيتكما، وأسرتكما الصغيرة التي إن صلحت صلح المجتمع كله.

فقالت: ولكن الحديث يعنى أيضًا أنني مثله في كل شيءٍ، وليس له أن يتحكَّم فيَّ، أو أن يقلل من شأني.

قلتُ لها: الحديث لم يفهم منه هذا من قريب أو بعيد، والحق أن الإسلام قد سوَّى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات مع مراعاةٍ لطبيعة الطرفين وفطرتهما.

فقد اعتبر الإسلام ما تميزت به المرأة على الرجل من عاطفة جياشة، ورقة طبع، وقوة تحمل فائقة أهَّلتها لأداء رسالة تربية الأولاد، والقيام على شئونهم بعد حَملٍ شاقٍّ ورضاعة، وفي الوقت نفسه لم يهدر حقَّها في حفظ أُنوثتها ورعايتها.

ثم يسَّر عليها، وخفف عنها بعض التكاليف الشرعيَّة من صلاة وصيام وغير ذلك في وقت الطمث مثلًا؛ لما في فترته من تغيرات وضغوطات بدنيَّة ونفسيَّة.

هذا عن الإسلام.. أمَّا إذا عدنا للحديث عنكِ وزوجِكِ المستقبلي؛ فاحذري كل الحذر أن تعامليه بندِّيَّة أو عناد أو استكبار؛ فالمرأة هي الجانب الليِّنُ اللطيفُ السهلُ الأنثويُّ الرقيقُ في حياة زوجها؛ فإن تنازلت هي عن كل هذا ونازعت الرجل رجولته، ونافسته في مهامه الخاصة فقد فتحت بهذا باب الشقاق والخلاف بينهما، وتسببت في اختلال ميزان علاقتها.

وتذكري دائمًا أنك عونُه، وبعضُه، وجزءٌ لا يتجزأ منه.

تذكري أن دوركِ في حياته هو الحنو عليه، والترفق به، والتودد له، وأنك في كل الأوقات دِرْعُهُ؛ بل وسَيْفُهُ في وقت الحاجة.

وأنه ليس بينك وبينه إلا الاحترام والتقدير والمودة والرحمة.

أيتها الأخت المسلمة كان جل ما سبق من كلامي عن أول وأهم حق لك على زوجك، وأول حق له عليكِ، ألا وهو: المودة والرحمة.

فلا تنسَيْ أبدًا حديث سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى مَالِ زَوْجِهَا، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ» [ متفق عليه].

واتخذي منه لحياتك الزوجية قاعدة أساسية تبتغينَ بها وجه الله - تعالى -، وستجدين -حتمًا- توفيقه تعالى يصاحب كل خطواتك وأفعالك.

قالت: حسبي اليوم مما ذكرت أني قد علمت أهم حقوق زوجي علي، وأهم حقوقي عليه.

اسمحي لي ألا يكون لقاؤنا هذا آخرَ لقاءاتي بكِ، وسأعود إليكِ مرة أخرى لتحدثيني عن باقي حقوق الزوج والزوجة وواجباتهما.

قلت: بالتأكيد.. على الرحب والسعة.

إعلان

إعلان

إعلان