لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من قلب القاهرة

07:00 م الخميس 14 أبريل 2022

هبة النجار

بقلم.: هبة النجار

الباحثة في جامع الأزهر

أطلّت علينا بظلالها الوارفة الذكرى الثانية والثمانون بعد الألف على افتتاح الجامع الأزهر الشريف، ذلك الصرح المعماري والديني والتراثي والتاريخي، الذي يقف شامخًا ومنيرًا لقلوب وعقول العالمين القاصدين إليه، مُرحبًا بالجميع، يبسط يديه بكل معاني السلام والتسامح والمؤاخاة، يعيش في ظلاله عبر الألف سنة ونيف الملايين من طلاب العلوم المختلفة، ويرتوي من منهله العذب كل متعطش للعلم والمعرفة؛ ليصبح رمزًا للتعايش والأخوة، يدلف إليه من أقطار الدنيا ما بين ناظر إلى عمارته الفريدة ومآذنه الشامخة شموخ القاهرة، وبين طالب علم بين أروقته التي أعاد افتتاحها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر؛ ليبث فيه ترياق الحياة مرة أخرى ويستكمل دوره التاريخي بعد انقطاع دام أكثر من اثنين وعشرين عاما، ويعتمد فضيلته السابع من رمضان من كل عام مناسبة واحتفالًا رسميًا لذكرى افتتاحه، ذلك الوقت الذي أصبحت القاهرة الجديدة تُطل على العالم الإسلامي من خلال منارتها النابضة بالحياة، وهو ذلك الفارس الذي لا يشيخ برغم ما مر به عبر العصور الفائتة، إلّا أنه يعود صامدا وحاميًا، حاملا على عاتقه مهمة الحفاظ على التراث ونقله من جيل إلى جيل، ومستقبلًا إبان حروب المغول - التي أبادوا فيها الأخضر واليابس - المهاجرين من العلماء وطلاب العلم، وقد وجدوا فيه الملاذ الآمن لهم، كما ذكر ذلك ابن خلدون في مقدمته عندما قدم إلى القاهرة وحاضر بالجامع الأزهر سنة ألف وثلاثمائة واثنتين وثمانين من الميلاد: "إن الكثيرين وفدوا من العراق وشمال أفريقيا وغرب آسيا، إبان القرن الثالث الهجري، وقد حظيت القاهرة في هذه الفترة بمركز بغداد الثقافي، وأصبحت أهم مركز للثقافة في بلاد العرب ".

القاهرة والجامع الأزهر هما بمثابة صِنوان لا يفترقان، فهو الابن البار لها يتألم لألمها، وينير طريقها، ويضيء سماءها.

وعند زياتك للجامع الأزهر ستشعر بتلك الروحانيات، مرة بين حلقات شيخ العمود، ومرة عند محاريبه ومآذنه، ومرات عند الصلوات وأصوات الأذان.

وعند محاريبه الستة، والتي كان لكل محراب من هذه المحاريب إمامٌ ذو مذهب غير مذهب الإمام الآخر، مؤكدا عبر تاريخيه على التعددية والوسطية، وحول أعمدته كان يجلس العلماء كابن حجر العسقلاني والقلقشندي وابن خلدون، في حركة علمية مستمرة حتى يومنا هذا، متخذين من النقاش والحوار بين الطلبة وأساتذتهم ما يثقف العقل وينمي ملكة الفهم، فيالها من روعة المكان والزمان والأناس، ولا عجب أن تظل مكانته في قلوب المصريين يجدون فيه عبق التاريخ ، ويتشممون في صحنه رائحة الانتصارات، حاملا لمشاعل الهداية والتقدم، وخط الدفاع عن الوطن، ورافضًا لكل معتدٍ أو مغالٍ، وأثناء جولتك سيأخذك جمال الهندسة المعمارية التي تفنن فيها الملوك والأمراء ورسموا من خلالها عبقرية المكان؛ ليظل مزينا متلألئًا في سماء القاهرة، شاهدًا على العصور، بداية من العصر الفاطمي ومرورًا بالعصر الأيوبي والمملوكي والعثماني حتى عصر النهضة.

وأود أن أختم مقالي بالحديث عن شخصية كانت لها أكبر الأثر في عمارة الجامع الأزهر، وهو الأمير عبد الرحمن بن حسن جاويش القازوغلي، والذي اشتهر باسم عبد الرحمن كتخدا، أي والي مصر، ترجم له الجبرتي ترجمة طويلة في كتابه "عجائب الآثار"، وذكر عماراته التي أنشأها في نواحي القاهرة، كان من أعظم الراعين للحركة المعمارية خلال العصر العثماني، هذا المهندس البارع صاحب أكبر توسعة حدثت في تاريخ الجامع الأزهر، وصاحب الفضل في هندسة الجامع الأزهر إلى يومنا هذا، كان محبوبًا من المصريين وآثر أن يدفن في مصر، وتسابق المصريون في حمل نعشه على الأكتاف من حيّ عابدين إلى مدفنه الذي أعده لنفسه، ليموت عاشقًا للقاهرة، التي زيّنها بعمارة رائعة، ودُفن في أرضها.

وهكذا، دائما ما يُقيض الله من عباده لهذا الصرح الديني والمعماري رجالاً أوفياء مخلصين على مر العصور والأزمان.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان