الحنكة السياسية للنبي صلى الله عليه وسلم
بقلم – هاني ضوَّه :
يعتبر صلح الحديبية واحدًا من المواقف التي بيَّنت براعة وحنكة الحبيب محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله السياسية والدبلوماسية، فنقرأ في عهد الحديبية كما وصفه العقاد في عبقريته: "بدأ النبي بالدعوة للحج ولم يقصره في تلك السنة على المسلمين، بل شمل كل من أراد الحج من أبناء القبائل العربية فجعل له وللعرب أجمعين قضية واحدة في وجه قريش فأفسد على قريش ما تعودته من إثارة العرب وتوجيههم لمناوأة سيدنا محمد والرسالة الإسلامية".
وكانت البداية عندما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم برحلة الحديبية حاجاً لا غازياً، وأثبت نية السلم للمشركين بدخوله وأصحابه متجردين من السلاح تمامًا حينما شكوا في نيته مهاجمتهم.
ولما اتفق المسلمون وقريش على التعاهد ظهرت براعة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الدبلوماسية، فدعا بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال "بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال سهيل بن عمرو مندوب قريش: "أمسك!! لا أعرف الرحمن الرحيم، بل اكتب باسمك اللهم"، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اكتب باسمك اللهم"؛ ثم قال النبي: "هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو"، فقال سهيل: "امسك! لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك"، وروى أن الإمام علي تردد وقال ما كان لي أن أمسح اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمسح النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ما كتب الإمام علي بيده، وأمره أن يكتب "محمد بن عبد الله في موضع محمد رسول الله"؛ ثم تعاهدوا على أن من أتى سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام من قريش رده عليهم ومن جاء قريشاً من رجال سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يردوه.
وكان عهد الحديبية عهد مهادنة، فلو أن النبى صلَّى الله عليه وآله وسلم شرط على قريش أن ترد إليه من يقصدها من رجاله لنقض بذلك دعوة الهداية الإسلامية فإن المسلم الذي يترك النبي باختياره ليلحق قريشاً ليس بمسلم، ولكنه مشرك يشبه قريشاً في دينها وهي أولى به من نبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
فيديو قد يعجبك: