هل صوت المرأة عورة؟.. تعرف على النصوص الصحيحة وآراء الفقهاء
كتب – هاني ضوه :
"صوت المرأة عورة" .. عبارة كثيرًا ما سمعناها ويرددها البعض، ويبنون عليها أحكامًا وهمية ينتقصون بها من قدر المرأة ويضيقون عليها، بل ويتخذونها ذريعة أحيانًا لإخراسها عن المطالبة بحقوقها بدعوى أن صوتها عورة.
بداية .. المقولة ليست بآية قرآنية كريمة، ولا بحديث نبوي شريف فنستند إليه، بل هي مقولة ربما قالها بعض الفقهاء الذين تشددوا، رغم أن إجماع الفقهاء على مر التاريخ أكد أن صوت المرأة عامة ليس بعورة، وأن النساء كن يشاركن الرجال الحياة والنقاش ويعلمن ويتعلمن وفق الضوابط الشرعية المعروفة من عدم الخضوع بالقول أو التكسر وإثارة الشهوات.
والنصوص الشرعية التي تدل على أن صوت المرأة ليس بعورة كثيرة ومتنوعة، وكذلك أقوال الفقهاء، فنجد القرآن الكريم يحكي لنا قصة ابنتي نبي الله سيدنا شعيب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهما يتحدثان إلى سيدنا موسى عليها السلام عندما ورد ماء مدين ودار بينهم هذا الحوار: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ).
وفي عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هناك مواقف كثيرة كانت المرأة حاضرة فيها بصوتها وعقلها وعلمها، كان النساء يسألن رسول الله في حضرة الصحابة ولا يأمر الرجال بالقيام، بل نجد من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يحث على أخذ العلم عن أمهات المؤمنين وخاصة السيدة عائشة رضي الله عنها عندما قال: "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء"، وكان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يسألونها عن الفرائض فقد قال “عطاء بن أبي رباح عنها”: كانت عائشة رضي الله عنها من أفقه الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة”.
وأيضًا كانت النساء تتحدث مع الصحابة وقيل فى صحيح مسلم أن أنس-رضي الله عنه- قال: "قال أبو بكر لعمر – رضي الله عنهما – بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا إلى أم أيمن – رضي الله عنها – نزورها كما كان رسول الله يزورها".
وليس الأمر مرتبطًا بالكلام فحسب، بل يروى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما حديث الجاريتن اللتان كانتا يحديان في العيد، فن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغنِّيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث قالت: وليست بمغنِّيَتَيْنِ، فقال أبو بكر: أمزاميرُ الشيطانِ في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! - وذلك في يوم عيد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر، إن لكل قومٍ عيدًا، وهذا عيدُنا".
أما الآية التي يستند إليها بعض المتشددين الذي يعتبرون صوت المرأة عورة بشكل مطلق، فتدل على عكس ما ذهبوا إليه، وأن المرأة تتحدث بشكل طبيعي مع الرجال وفق ضوابط حددتها، وذلك في الآية التي يخاطب فيها الله سبحانه وتعالى أمهات المؤمنين فيقول سبحانه: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾.
فكان النهي هنا عن الخضوع بالقول والتغنج في الكلام وليس مطلق الكلام، وإباحة القول المعروف يدل على أن صوتها ليس بعورة إذ لو كان عورة لكان مطلق القول منها منكراً، ولم تكن الآية لتضمن الحث على أن تقول قولًا معروفًا.
أما أقوال الفقهاء التي تنسف مقولة إن صوت المرأة عورة فهي كثيرة، منها ما أقره الشافعية من أن صوت المرأة ليس بعورة لأن المرأة لها أن تبيع وتشتري وتعطى شهادتها أمام الحكام.
وقد نص على هذا كثير من العلماء والفقهاء؛ فقال الإمام ولي الدين أبو زُرعة بن العراقي في كتابه "طرح التثريب": "صوت المرأة ليس بعورة؛ إذ لو كان عورة ما سمعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأقر أصحابه على سماعه، وهذا هو الأصح عند أصحابنا الشافعية، لكن قالوا: يحرم الإصغاء إليه عند خوف الفتنة. ولا شك أن الفتنة في حقه صلى الله عليه وآله وسلم مأمونة، ولو خشي أصحابه رضي الله عنهم فتنة ما سمعوا".اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري من الشافعية في كتابه "أسنى المطالب": "(الإصغاء) من الرجل (لصوتها -أي المرأة-)؛ فإنه جائز عند أمن الفتنة، وصوتها ليس بعورة على الأصح" اهـ.
وقال الإمام المرداوي الحنبلي في كتابه "الإنصاف": [صوت الأجنبية ليس بعورة على الصحيح من المذهب] اهـ.
وقد صرح بعض من أطلق أن صوت المرأة عورة من الفقهاء أنه ليس المراد الصوت في نفسه، بل إذا صحبه تكسر وتدلل وتمطيط من شأنه تحريك الشهوات وحصول الافتتان؛ فقال الإمام أبو العباس القرطبي في كتابه في "السماع": "ولا يظن من لا فطنة عنده أنا إذا قلنا: (صوت المرأة عورة) أنا نريد بذلك كلامها؛ لأن ذلك ليس بصحيح, فإنا نجيز الكلام مع النساء للأجانب، ومحاورتهن عند الحاجة إلى ذلك, ولا نجيز لهن رفع أصواتهن، ولا تمطيطها، ولا تليينها، وتقطيعها؛ لما في ذلك من استمالة الرجال إليهن، وتحريك الشهوات منهم".
ومن كل ما سبق يتضح أن مقولة "صوت المرأة عورة" هي بعيدة تمامًا عن إسلامنا وعن الهدي النبوي الشريف وعن احترام المرأة، فتعامل المرأة مع الرجل بأي صورة من الصور أمر مباح وجائز وليس فيه حرج، ما دام يتم وفق الضوابط الدينية والأخلاقية المتفق عليها من عدم الخضوع بالقول أو إثارة الشهوات.
فيديو قد يعجبك: