لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في ذكرى وفاته: قصة "الحلواني" الذي بنى مصر والأزهر لنشر المذهب الشيعي فأصبح منارة السنة

02:14 م الثلاثاء 28 يناير 2020

جوهر

كتبت – آمال سامي:

هو أبو الحسين جوهر بن عبد الله، المعروف بـ "جوهر الصقلي" القائد الفاطمي الشهير الذي استطاع فتح مصر لصالح الدولة الفاطمية، وهو من بنى القاهرة ووضع أسس وبناء أشهر مساجدها، المسجد الأزهر، وهو أصل جملة "اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني" الجملة الشهيرة التي بدأت بها الأغنيات وأحاديث الحنين لمصر، وذلك لأنه كان قبل أن يصبح مولى من موالي الدولة الفاطمية ومن أشهر قادتها العسكريين، "حلوانيًا" يجيد صناعة الكنافة والحلوى.

هناك معلومات قليلة عن نشأة جوهر الصقلي في كتب التاريخ على الرغم من أهميته التاريخية ، إلا أننا نعرف أنه ولد بجزيرة صقلية التي فتحت في عهد الخليفة العباسي المأمون، حيث فتحها الأغالبة سنة 212 هـ على يد أسد بن الفترات قاضي القيروان، وذلك قبل مولد جوهر الصقلي بما يقارب المائة عام، وهو رومي الأصل، وكان العرب يطلقون على أهالي الدولة الرومانية الشرقية والغربية اسم الروم.

ولم تؤكد المراجع تاريخا ثابتا لمولده، ويرجح الدكتور علي إبراهيم حسن صاحب كتاب "تاريخ جوهر الصقلي" رواية المقريزي ولادته بين عامي 298و300 هـ كذلك لم يرد شيء عن نسبه، ولعل لعدم اهتمام الموالي بتدوين أنسابهم.

كانت الثقافة الإسلامية في الوقت الذي نشأ فيه جوهر مهيمنة على الجزيرة، وقد أثر ذلك على نشأته، فشب على الإسلام متمسكًا بتعاليمه وقيمه وجمع بين فضائل الحضارتين العربية والرومانية. ثم انتقل جوهر إلى المغرب، موطن الدولة الفاطمية، ليشب بين موالي المعز لدين الله الفاطمي، الذي اختصه من بين مواليه وكناه بأبي الحسين. وظل جوهر يتدرج في المناصب حتى اتخذه المعز بعد توليه الخلافة كاتبًا له سنة 341هـ. ولقب منذ ذلك الحين بلقب "جوهر الكاتب" ثم ترقى بعدها بستة أعوام إلى منصب الوزارة.

أرسل المعز جوهر الصقلي على رأس جيش كبير حتى يفتح بقية بلاد المغرب، وكان ذلك في عام 347هـ، وهي المهمة التي نجح فيها جوهر نجاحًا باهرًا، وبالفعل فتح باقي بلاد المغرب التي لم يستطع من قبله على فتحها وتمكن بعد الفتح من نشر الأمن في البلاد وتأكيد ولاءها للدولة الفاطمية وزعيمها المعز لدين الله.

وكانت إنجازات وفتوحات الصقلي الحربية هي ما دفع دفع المعز ليجعله على رأس جيشه المتجه إلى مصر، ولقبه بـ "القائد"، وبلغت ثقته فيه أنه تنبأ بفتح مصر على يد جوهر الصقلي دون غيره، فحين كان في المغرب أصابه مرض شديد، وعاده المعز بنفسه، وقال في عودته من الزيارة: "هذا لا يموت وستفتح مصر على يديه"

كانت مصر في تلك الفترة تحت حكم الإخشيديين، وظلت كذلك حتى عام عام 358 هـ/ 969م، حين تحققت نبوءة المعز بالفعل واستطاع جوهر الصقلي دخول مصر من جهة الإسكندرية دون مقاومة، وكانت سياسة جوهر الصقلي من عدم الاحتكاك بالمصريين والمساس بهم وكذلك الأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بها مصر حينها سبب كبير في عدم ملاقاته مقاومة تذكر . ودخل جوهر الفسطاط أيضًا بدون عناء ، فحين علم أهلها بدخوله الإسكندرية، قرروا االصلح معه فأنابوا عنهم أحد كبار العلويين في الفسطاط وهو "أبو جعفر مسلم" ، وعاهد جوهر المصريين في الصلح على الحفاظ على حرية عقائدهم ودينهم وأن ينشر الأمن في البلاد ويصلحها ما استطاع، وينقل لنا علي إبراهيم حسن في كتابه "تاريخ جوهر الصقلي" نص تلك الوثيقة التاريخية التي يقول في آخرها: "ولكم علي الوفاء بما التزمته وأعطيتكم إياه عهد الله وغليظ ميثاقه وذمته وذمة أنبيائه ورسله"، وعلى الرغم من أن بعض أنصار الأخشيديين الذين كانوا يحكمون مصر آنذاك رفضوا المعاهدة وحاربوا الصقلي بالجيزة، إلا أنهم هزموا ببساطة أمام جيوشه.

مساعي جوهر الصقلي لنشر المذهب الشيعي بمصر

على الرغم من عظم شخصية جوهر الصقلي العسكرية والسياسية، وأنه أيضًا كان متحمسًا وملتزمًا بالدين الإسلامي إلا أنه كان شيعيًا، فيقول عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: "وكان جوهر هذا حسن السيرة في الرعايا ، عاقلا أديبا ، شجاعا ، مهيبا ، لكنه على نحلة بني عبيد التي ظاهرها الرفض ، وباطنها الانحلال"، وكان الصقلي يسعى لنشر المذهب الشيعي في مصر.

كان من أهم ما فعله جوهر الصقلي لنشر المذهب الشيعي الفاطمي إلغاء الخطبة للخليفة العباسي وكذلك ارتداء السواد الزي الخاص بالعباسيين، وأدخل في الأذان والخطبة زيادات الشيعة، وعلى الرغم من مكانة الأزهر الحالية وطوال أغلب فترات التاريخ الإسلامي في نشر المذهب الإسلامي السني، إلا أن جوهر الصقلي بناه فور انتهاءه من بناء القاهرة حتى يستطيع من خلاله نشر المذهب الشيعي الفاطمي، ولم يكن الأزهر وحده هو ذراع الصقلي لنشر مذهب دولته، بل أستخدم أيضًا مسجدان آخران أيضًا استغلهما الصقلي لنشر مذهبه، وهما عمرو بن العاص وجامع ابن طولون، إلا أن الأزهر كان المركز الفاطمي لبث عقائد مذهبهم ومقرًا لاجتماعات اشياعهم. وقد أقيمت الصلاة لأول مرة في الجامع الأزهر عام 361هـ بعد عامين من العمل في بناءه.

مكن الصقلي الدولة الفاطمية في مصر أثناء حكمه لها، وجعل الوظائف الكبرى في جهازها الإداري بيد المغاربة، وكانت فترة حكمه في مصر مستقرة حيث أستطاع من خلال عدة إجراءات اقتصادية إصلاحية أن يخفف من حدة المجاعة التي أصابت مصر قبل قدومه، حيث زوده المعز بالسفن المحملة بالبضائع والأغلال، وحتى جمع الضرائب، لم يشكو منه أحد، فكان نظام جمع الضرائب عادلًا ومنصفًا.

اختفى جوهر الصقلي من صدارة المشهد بعد حضور المعز لمصر عام 362 هـ/ 972م، وعزله المعز عن مناصب الدولة الكبرى كلها، لكن حين تولى ابنه العزيز بالله الخلافة وظهر خطر القرامطة مجددا في الشام، استعان بقائدهم الأعظم "جوهر الصقلي" لحربهم، إلا غاب تمامًا عن المشهد فور انتصاره عليهم أيضًا حتى وفاته عام 381 هـ/ 992م ، و كفن جوهر الصقلي في سبعين ثوبا ما بين مثقل وموشى بالذهب، في عهد الخليفة الفاطمي العزيز بالله.

رغم ما أشيع عن وجود قبر بداخل الأزهر الشريف لبانيه "جوهر الصقلي" إلا أن تلك الشائعات ليست فقط عارية تمامًا من الصحة، لكنها أيضًا تطلعنا على حقيقة تاريخية غريبة، أن جوهر الصقلي ليس معروفًا على وجه الدقة أين دفن، فلم يذكر موضع دفنه إلا مصدرًا تاريخيًا واحدًا، ولم يذكر ذلك إلا ابن إلياس الذي قال أنه دفن بالقرافة الكبرى، وما اشيع عن أن المقبرة التي كانت بالجهة الشمالية للأزهر والتي يزعم البعض أن جوهر الصقلي دفن فيها، فهي مقبرة جوهر القنقبائي من امراء المماليك كما ذكر الدكتور علي إبراهيم حسن في كتابه عن جوهر. والقرافة الكبرى هي المنطقة التي تقع في الأماكن التي تعرف الآن باسم بطن البقرة والبساتين وعقبة بن عامر، والتونسى.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان