الهواري: الهجرة حدث فارق في تاريخ البشرية.. ولكل عصر نصيبه من الهجرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
حوار- محمد قادوس
مع بدء أول أيام العام الهجري الجديد 1443، اليوم الإثنين، يحتفل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بذكرى الهجرة النبوية المباركة، ويتبارى الكتاب والعلماء والدعاة لتناول تفاصيل الحدث، وما يمكن أن نتعلمه من دروس وعبر.
وفي حوار متجدد لمصراوي مع الدكتور محمود الهواري، من علماء الأزهر الشريف، نحاوره حول الهجرة وتفاصيلها بدءا من خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين من مكة حتى الوصول إلى المدينة المنورة.. وإلى نص الحوار:
*فضيلة الدكتور، من المؤكد أن الهجرة كانت حدثا فارقا في عمر الدعوة الإسلامية، كيف ترى ذلك.
- في الحقيقة لم تكن الهجرة حدثا عاديا، ولا حدثا فارقا في عمر الدعوة فقط، بل كانت حدثا فارقا في تاريخ البشرية، وذلك أنها كانت رحلة مباركة إلى أرض مباركة، انطلق منها النور إلى أرجاء الدنيا، وعمرت جنبات الأرض بعبادة الله، فانتقل الناس بعدها من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، وتحققت عالمية الرسالة وعالمية الرسول.
* في قصة الهجرة نسمع من الدعاة تفاصيل كثيرة جدا لدرجة أن البعض يعترض على بعض هذه التفاصيل، هل يمكن التفريق بين الصحيح منها والضعيف؟
- هذا السؤال يجعلنا نحمد الله عز وجل على ما تميزت به الأمة الإسلامية من علوم لم تتوفر لغيرها من الأمم، فمن مواطن الفخر والشرف لهذه الأمة ما تركه العلماء السابقون من علوم وفنون متنوعة، وضعوا بها قواعد القبول والرد، وربما كان علم السند أحد العلوم التي تفردت بها الحضارة الإسلامية.
وهذ الكلام مسوق لكل من يتكلم في دين الله عز وجل، فالأصل ألا نتكلم من عند أنفسنا، وإنما نتبع العلماء السابقين، ومن النافع للأمة حقا أن نحتكم إلى العلم وقواعد العلم، وذلك حتى لا يتجرأ المتعالمون على حمى العلم، وهم فقراء في قواعده وأصوله.
والأنفع للأمة أن تتدبر هذه الحادثة وتفاصيلها، وتستخرج منها دروسا وفوائد ترجع على الحياة بالفائدة، بدلا من أن تذكر الحادثة كقصة للتسلية.
*يعني هل ترى أن ذكر السيرة وتفاصيلها المتعددة والكثيرة ينبغي أن يعاد فيه النظر؟
أرجو أن يكون الكلام واضحا، أنا لا أعني أن ننقطع عن دراسة السيرة، بل أوقن تماما أن دراسة السيرة، وقراءة تفاصيلها واجب على المحبين، ونافع للمسلمين، ولكن الناس للأسف يقفون عند حد نقل السيرة كالحكايات، فيرددون الأحداث ثم يعلقون عليها بالدهشة والاستغراب أحيانا، وتنتهي علاقتهم بسيرة خير البشر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند هذا الحد.
والأوجب والأنفع أن ننتقل من رواية السيرة كالحكايات التي يتسلى بها المتكلم والسامع على السواء، إلى تفكر وتدبر، ونقل للسيرة ولتوجيهات صاحبها التي وقعت منذ أكثر من ألف سنة إلى واقعنا اليوم، فنستخرج العظات والعبر والدروس ما يفيدنا في حياتنا الآن كما استفاد السابقون، وهذا هو منهج القرآن في رواية السيرة والقصص.
*وكيف عرض القرآن الكريم لحادث الهجرة؟
- في حدث الهجرة تفاصيل كثيرة جدا، تبدأ من الجو العام في مكة، وتآمر المشركين لقتل سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم تخطيطه للرحلة، واتخاذ الأسباب من ترتيب الزمان والمكان والأشخاص والأحداث والمسارات البديلة، وكل ذلك مع حسن التوكل على الله، وتفاصيل كثيرة جدا.
لكن القرآن عرض لحادث الهجرة في إشارات دون استقصاء لهذه التفاصيل، وكأنما يشير من طرف خفي إلى أن المهم والأجدى للمسلمين ألا تستغرقهم التفاصيل، وأن الأولى أن يتعظوا ويعتبروا من الأحداث.
* اذكر لنا بعض هذه الإشارات القرآنية فضيلة الدكتور؟
- عرض القرآن الكريم لتخطيط المشركين لقتل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الله تعالى: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ».
وعرض القرآن للحالة النفسية التي كان عليها أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين أوى إلى الغار الموحش المظلم، وأبدى قلقه من المشركين، فطمأنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعية الله، وذلك في قوله تعالى: « إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».
وغير ذلك من تفاصيل.
وأكرر، إننا لا غنى لنا عن دراسة السيرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، والأنفع أن ننقل المبادئ الحاكمة من حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حياتنا.
*يعني هل يمكن يا دكتور أن نقول إن الهجرة وسيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نافعة لنا الآن؟
- قطعا إن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ممتدة المفعول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وحين قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، ولم يقل لنا القرآن إنه أسوة في عصر دون عصر أو في مصر دون مصر، فسيظل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدوة في كل زمان ومكان.
ولذلك أنا لا أنظر إلى الهجرة باعتبارها حدثا تاريخيا إسلاميا غير وجه الدنيا وانتهي بانتقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة، وإنما أنظر إلى الهجرة باعتبارها حدثا لا ينقطع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
* ماذا تقصد فضيلتك بقولك: «أن الهجرة باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها»؟
- نعم الهجرة باقية في الناس إلى يوم القيامة، وأنا أقصد بهذا الكلام أمرين:
الأول: أن ينال كل مسلم حظه من الهجرة التي لا تنقطع.
والثاني: أن نقطع الطريق على من زيفوا على الشباب وخدعوهم، فساءت فهومهم، واختلطت عندهم المفاهيم، وبغضوا إليهم الأوطان، وأوقعوهم في مفاصلة شعورية بينهم وبين مجتمعاتهم.
هل من الممكن أن تزيدنا إيضاحا حول الثانية لحساسية الظروف التي تمر بها الأوطان الآن، ثم نعود لحظ المسلم المعاصر من الهجرة.
نعم، مما ينبغي أن يعلمه الناس، وبخاصة الشباب أن الهجرة ليست ترك الأوطان، ومفارقة الأخدان والخلان، إنما الهجرة المعاصرة هجرة إلى الأوطان لا منها، وهجرة فيها لا عنها.
أكرر مرة أخرى:
إن الهجرة المطلوبة المعاصرة هجرة إلى الأوطان لا منها، وهجرة في الأوطان لا عنها.
وقد حاول البعض أن يصور للشباب أن السنة أن يهاجر الإنسان ويترك وطنه، كما هاجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة، وهذا تزييف للأحداث، ورؤية لوقائع السيرة بعين أصابها رمد الجهل.
وقد أوقع هؤلاء المزيفون الشباب في مفاصلة شعورية بينهم وبين أهلهم وبين مجتمعاتهم وبين أوطانهم، بل جعلوا منهم أفرادا منعزلين عن الحياة، ومنعوهم من رؤية الجمال في الكون من حولهم، ووضعوا نظارات سوداء على عيونهم وفي عقولهم فخرجت أفكارهم سوداوية، وقلوبهم مظلمة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
فالهجرة عن الأوطان ومفارقتها بالأبدان انتهت، ففي الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»، وهذه الهجرة انتهت، فلا محل لما يقوله أصحاب الأفكار المنحرفة.
وأكرر الهجرة إلى الأوطان لا منها.
*وماذا عن حظ المسلم من الهجرة؟ كنت فضيلتك تقول: إن لكل مسلم حظه من الهجرة، نرجو البيان والتوضيح؟
- نعم، الهجرة التي لا تنتهي ولا تنقطع زمانا ولا مكانا ولا إنسانا هي الهجرة التي أعلنها سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كثير من أحاديثه.
وأكتفي لبيان الهجرة الدائمة والمعاصرة وحظ المسلم المعاصر منها بحديث واحد نحاول أن نستلهم منه نور الوحي وجمال الحياة.
وهو حديث رواه أحمد في مسنده والترمذي في سننه وغيرهما عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ».
وكنت أود أن أكتفي بعبارة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأخيرة في الحديث في تعريفه للمهاجر، إذ هو موضع الذكرى، غير أن الحديث يعود آخره على أوله، ويتعلق أوله بآخره؛ فالمهاجر هو المجاهد هو المسلم هو المؤمن، والمؤمن هو المسلم هو المجاهد هو المهاجر.
ساق الله لنا هذا السياق النبوي الراقي لنأخذ منه إشارات وتوجيهات، وها هو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا ويرشدنا، وهو يسأل في هذه الرواية أصحابه، لكن السؤال يظل مطروحا للأمة كلها في كل جيل؛ ليقيس كل جيل، بل ليقيس كل إنسان حاله على جواب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
في زمن كثرت فيه الادعاءات والألقاب واختلط فيه الصادق بالكذاب يميز نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين معاني هذه الألقاب الشريفة.
«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ».
*المؤمن؟ والمسلم؟ والمجاهد؟ والمهاجر؟
- كنت أتوقع أن يكلمنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يودع الأمة في آخر لقاء جماهيري له بها عن المؤمن بأنه من يقوم الليل أو من يقرأ القرآن أو من يحج بيت الله الحرام، ولا شك أن هذه الأعمال دلائل إيمان، ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا أن الدين يشمل العقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق، ليصوب الفكرة عند كثير من البشر الذين يجعلون الدين في جانب واحد فقط.
*هل من الممكن أن نشير بسرعة إلى ما ورد في الحديث؟
- أولا: «الْمُؤْمِن مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ».
لا حظ معي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل إن المؤمن هو من يؤمن بالله ورسوله، مع أن هذا صواب، ولكنه قال: «مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ»، وكأنه بذلك يقيم الحجة على من اختصر الدين في ركعات يؤديها في المسجد، فإذا خرج منه لم يكن لصلاته تأثير في حياته.
فبعض الناس من أهل الصلاة، وربما ذهبوا إلى العمرة مرات، لكنهم مع هذا لا يتورعون عن أكل الحرام، وأكل المال العام، وأكل المواريث التي حدد أنصبتها رب العالمين... إلى غير ذلك من أخلاق تنبئ عن أهلها أنهم ما فهموا الدين بعد.
والمؤمن لا يأكل أموال الناس بالباطل لا يأكل الرشوة ولا المال العام، ولا يستغل منصبه لتحقيق مكاسب شخصية، ولا يستبيح أعراض الناس وعوراتهم، ولا يتحرش بخلق الله.
ثانيا: «وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ ويدِه»
المسلم لا يكذب ولا يخون ولا يتهم ولا يلفق ولا يزور
يسلم الناس من لسانه فلا يزيف الحقائق، ولا يتجرأ على العلم وليس معه أدوات العلم.
ليس من الإسلام تزييف الأفكار، واتهام الأشخاص والمؤسسات، وبث الأراجيف والإشاعات، وهز ثقة الناس في ثوابتهم، وما استقر في ضمير الأمة ووجدانها.
يسلم الناس من لسانه فلا يعبث بأفكار الناس، فيصور لهم الحرام على أنه متعة، أو الممنوع على أنه حرية، أو الشريعة على أنها تحكم وسيطرة.
ثالثا: «وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ»
الجهاد ليس غاية في ذاته، بل هو وسيلة لإقرار غاية أكبر، ألا وهي تعبيد الناس لرب العالمين، وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.
رابعا: «وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ»
وهذه هي الهجرة المعاصرة، وحين تحتفل الأمة كل عام بالهجرة وتتغنى بالهجرة، وهي لم تهاجر بعد لمراد الله منها، فإنها لم تهاجر حقيقة.
هجرة واجبة لا تختص بزمان ولا مكان، هجرة تستغرق الأرض وتستغرق الحياة.
ونحن ننادي في الناس، يمكننا الآن أن نهاجر، لكن ليس من وطن إلى وطن. وإنما من الباطل إلى الحق، ومن الجهل إلى العلم، ومن الحرام إلى الحلال، ومن الشر إلى الخير، ومن الفجور إلى التقوى
من الكذب إلى الصدق، ومن الخطايا والذنوب إلى كل ما يرضي علام الغيوب.
فهل تنقطع الهجرة بهذا المعنى؟!
إذا، يا دكتور يمكن أن ينال المسلم المعاصر هذا اللقب؟
نعم، وما أجمله من لقب! في دنيا يدعي كل إنسان فيها لنفسه ما شاء من الألقاب.
«وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ».
بل إن من البشارات النبوية التي ساقها لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أننا يمكن أن نهاجر إليه.
*كيف يمكن أن نهاجر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
- حين يثبت الإنسان على الطاعة في زمن تتغير فيه الموازين من النقيض إلى النقيض، في زمن يُصدق فيه الكاذب ويكذب فيه الصادق، يؤتمن الخائن ويخون الأمين، في زمن كثرت فيه الفتن حتى صارت كقطع الليل المظلم، حين يثبت المسلم على الطاعة في هذا الزمان فهذا بمنزلة هجرة إلى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذي بين هذا هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قَالَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»، أي في الفتن التي تشغل الناس عن عباداتهم عن دينهم وعن واجباتهم.
آخر ما تحب أن تنصح به القراء
أحب أن أذكر القراء بأن الهجرة إلى الله بترك المعصية إلى الطاعة، وبترك الجهل إلى العلم، وبترك الظلمات إلى نور الوحي كل هذا هجرة مستمرة لا تنقطع، وهي هجرة في سبيل الله.
أما حينما يفضل المرء مصالحه على مبادئه وحاجاته على قيمه فهجرته في سبيل الشيطان، وحينما يؤثر الإنسان الدنيا الفانية على الآخرة الباقية فهجرته في سبيل الشيطان، وحينما تكون مهمته الهجوم على السنة، وتخذيل الناس عنها فهو في سبيل الشيطان، وحينما يخدع المتكلم الناس في دينهم وأفكارهم ويشوه الحقائق ففي سبيل الشيطان، وحينما يغلب حب الدرهم والدينار الدين والعرض ففي سبيل الشيطان.
وأحب أن أذكر بحديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين جاءه رجل فقال: يا رسول الله أي الهجرة أفضل؟
قال: أن تهجر ما كره ربك عز وجل.
وأسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعيد على أمتنا وأوطاننا الأيام بكل خير.
فيديو قد يعجبك: