أعظم أمراض القلوب.. خطيب المسجد النبوي يحذر من الغفلة ويعدد طرق النجاة منها
كـتب- علي شبل:
دعا إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ أحمد بن طالب بن حميد إلى إصلاح القلوب والعلاقة مع الخالق سبحانه وتعالى، قائلًا: أصلحوا قلوبكم بما يصلح القلوب، وراقبوها من الواردات عليها المُفسدة للقلوب فالقلب ملِكُ الجوارح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ).
وتساءل خطيب المسجد النبوي، في خطبة الجمعة اليوم، نقلا عن وكالة الأنباء السعودية واس: وهل تعلمون أعظم أمراض القلوب التي يحرم من ابتلي بها من الخير كله, أو يحرم من ابتلي بها من كثير من أبواب الخير؟، ليقول فضيلته: ألا إن أعظم أمراض القلوب: هي الغفلة، فالغفلة المستحكمة هي التي شقي بها الكفار والمنافقون، وهي التي أوجبت لهم الخلود في النار.
وأوضح بن حميد أنه قد تكون الغفلة من المسلم عن بعض أعمال الخير، وعن الأخذ بأسباب المنافع والنجاة من الشرور، فيفوته من ثواب الخير بقدر ما أصابه من الغفلة، ويعاقب بالمكروهات والشر بقدر غفلته بترك أسباب النجاة.
وتابع فضيلته: الغفلة هي: عدم إرادة الخير قصدًا، وعدم محبته مع خلو القلب من العلم النافع، والعمل الصالح، وهذه هي الغفلة التامة المهلكة، وهي غفلة الكفار والمنافقين، التي لا يفلح المرة معها إلا بالتوبة إلى الله؛ ولا يتّبع الإنسان – إذا استولت عليه – إلا الظن وما تهواه نفسه، ويزينه له شيطانه، ويحبه هواه من الشهوات، وهذه الغفلة هي التي عاقب الله بها الكفار والمنافقين في الدنيا والآخرة، فغفلة الكفار والمنافقين غفلة مستحكمة تامة، تخلد صاحبها في النار، وهي عدم إرادة الخير قصدًا، وعدم محبته، وخلو القلب من العلم النافع والعمل الصالح، مع اتباع الهوى، قال الله تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
وبين فضيلته: أما غفلة المسلم، فهي غفلة عن بعض الأعمال الصالحة التي لا يضاد تركها إسلامه، أو الوقوع في بعض المعاصي التي لا تكفر، والغفلة عن عقوباتها؛ والغفلة من المسلم شر عليه كبير، وضرر خطير، تورده المهالك، وتسد عليه من الخير مسالك، مضيفًا أن للغفلة مضار كثيرة، وشرور مستطيرة، قال الله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، كما أن الغفلة عن معرفة كمال التوحيد يقع المسلم في نقص كمال التوحيد، قال الله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ). وبالغفلة عن تعلم أركان الصلاة وواجباتها يقع الخلل في الصلاة، وبالغفلة عن تذكر صلاة الجماعة، يجر إلى التساهل في الجماعة، وبالغفلة عن ثواب الزكاة، والغفلة عن عقوبة مانعها، يكون التفريط في أدائها، وبالغفلة عن تذكر عقوبات عقوق الوالدين، يقترف الولد العقوق، فيحق عليه ما قال عليه النبي صلى الله عليه وسلم: ( وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والرجلة من النساء)؛ وبالغفلة عن عقوبة قطيعة الرحم، يقع الوعيد على القاطع، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة قاطع)، وبالغفلة عن عقوبات الظلم، يكثر الظلم في الأرض، فيسفك الدم، ويؤخذ مال الغير، ويعتدى على الأعراض، ويصير العمران خرابًا، والأرض يبابًا، ويهلك الحرث والنسل، وينتشر الخوف، ثم تنزل العقوبة بالظالم، كما قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)؛ فالغفلة مفتاح شرور، ويُحرم بها المسلم من كثير من الأجور، وما يدخل النقص على المسلم إلا من بابها، فالنجاة منها هي السعادة، والبعد عنها رقي في درجات العبادة، والحذر منها حصن من العقوبات في هذه الدنيا، وفوز بالنعيم بعد الممات.
وأوضح فضيلته: لا يكون الاعتصام من الغفلة والنجاة منها، إلا بالابتعاد عن أسبابها، وعدم الركون إلى الدنيا، التي تغر المرء عن آخرته؛ ومما يعين المسلم على تجنب الغفلة: المحافظة على الصلوات جماعة، بخشوع وحضور قلب، فالصلاة تتضمن حياة القلوب، لما فيها من المعان العظيمة؛ ومما ينجي من الغفلة: ذكر الله على كل حال؛ فالذكر يحيي القلوب، ويطرد الشيطان، ويزكي الروح، ويقوي البدن على الطاعات، ويوقظ من نوم النسيان، ودوامه يحفظ العبد من المعاصي؛ ومما يحفظ العبد من الغفلة: تلاوة القرآن؛ ففيه العجائب، وفيه الرغائب، وفيه شفاء القلوب، وفيه الحث على كل خير، والزجر عن كل شر.
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن مما يحفظ العبد من الغفلة: مجالسة العلماء والصالحين؛ لأنهم يُذكّرون بالله، ويُعلّمون العلم الشرعي، ومما ينجي من الغفلة: الابتعاد عن مجالس اللهو والفسق وجليس السوء، ومما ينجي من الغفلة: معرفة حقارة الدنيا وزوالها، وعدم الاغترار بزخرفها عن الآخرة؛ فهي التي صدت أكثر الناس عن الآخرة، واتباع الهدى؛ ومما ينجي من الغفلة: مجانبة الذنوب والمعاصي؛ فكل معصية وقع فيها العبد كان ذلك بسبب الغفلة.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: إن من أعظم ما ينقذ المسلم من الغفلة وآثارها الضارة: ذكر الموت وما بعده، فهو واعظ بليغ، مُشاهد مسموع، يقين طعمه، قريب لقاؤه، واقع أمره، ومن أكثر من ذكر الموت صلح قلبه، وزكا عمله، وسلم من الغفلة، وعند الموت يفرح المؤمن، ويندم الفاجر ويتمنى الرجعة، وهيهات أن يستجاب له.
اقرأ أيضًا:
قلت لزوجتي أنت طالق ولم أكن أقصد الطلاق فهل يقع؟.. عالم أزهري يجيب
الإفتاء توضح حكم طهارة من وجد الماء بعد التيمم: هل يجب عليه إعادة الصلاة؟
أمين الفتوى يوضح الفرق بين كفالة اليتيم والتبني: لهذا السبب حرم الشرع التبني
فيديو قد يعجبك: