في ذكرى تحويل القبلة.. شبهات وردود شرعية
ذكرى تحويل القبلة
كتب - علي شبل:
انتصف شهر شعبان الذي له فضائل كثيرة وردت في السنة النبوية المطهرة وفي القرآن الكريم؛ كما أنه حدثت فيه أحداث عظيمة في تاريخ البشرية فهو الشهر الذي نجى الله سبحانه وتعالى، فيه سيدنا إبراهيم عليه السلام، من النيران، وهو الشهر الذي رست فيه سفينة نوح عليه السلام على الجودي، ومن أهم هذه الأحداث حادث تحويل القبلة.
وتتعرض تلك الواقعة لكثير من الشبهات تصدى لها العلماء وجهات الفتوى الرئيسة بدار الإفتاء والأزهر الشريف.. وفي التقرير التالي يرصد مصراوي بعض الشبهات والرد الشرعي عليها:
(1) الادعاء بأن تحويل القبلة كرها في اليهود
يدعي البعض أن حادثة تحويل القبلة نوع من العبث ونوع من أنواع العنصرية التي يبغضها المسلمون في اليهود، ومع ذلك فإنهم حولوا القبلة إلى مكة ليقوموا بالدور نفسه الذي قام ويقوم به اليهود فما الفرق؟ والحقيقة أن هذا محض افتراء لا صحة له؛ فالحكمة من تحويل القبلة مسطور في الآيات؛ إذ إنها أولاً: اختبار من الله -تعالى- لمن يثبت في اتباعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - ممن ينقلب على عقبيه، وفي ذلك يقول الله -تعالى-: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} (سورة البقرة: 143).
ثانياً: أن من تمام النعمة من الله على آخر الأمم التي تعد شريعتها متصلة بشريعة إبراهيم -عليه السلام- ومجددة لها أن تكون قبلتها هي قبلة إبراهيم -عليه السلام-، قال -تعالى-: {ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون}.
ثالثاً: لقد كان مركزية آخر الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - في مكة؛ ولذا كان تحويل القبلة إليها، قال -تعالى-: {لتنذر أم القرى ومن حولها} (الأنعام: 92).
(3) هل تحويل القبلة دليل على التناقض في أفعال الله -سبحانه وتعالى-؟
يدعي المرجفون أن تحويل القبلة دليل على التناقض؛ إذ يقولون: إذا كانت الكعبة أفضل فلم لم يوجه الله -تعالى- المسلمين إليها منذ البداية، وإذا كانت قبلة بيت المقدس باطلة فلم توجهوا إليها قبل ذلك؟ والجواب على هذه الشبهة كالتالي: إن عقيدة المسلم أن علم الله -تعالى- أحاط بكل شيء؛ فلا تضيف له الأحداث علماً ولا يظهر له -سبحانه- مع الأيام شيء كان يجهله، قال -سبحانه-: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}، والله -عز وجل- قد ثبتت له صفات الكمال، ومتى ثبت ذلك علمنا أن النهي عما كان مباحاً وإباحة ما كان منهيا عنه، إنما هو لحكم إلهية اقتضتها الأحوال، والإباحة والنهي كانا في علم الله -تعالى-؛ فهذا ليس تناقضاً ولا اضطراباً في الأمر والنهي، بل هو لاختبار المسلمين: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} البقرة: 143 ومن الأدلة على ذلك أن الله -تعالى- ذكر مقالتهم قبل أن يقولوها لعلمه -سبحانه- بما سيحدث فقال -سبحانه-: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (البقرة: 142).
(4) النسخ دليل على كمال الشريعة
يرفض بعض المشككين قضية النسخ في الإسلام ظناً منهم أن النسخ يستلزم العلم بعد الخفاء، وهذا محال على الله -تعالى-، بل النسخ في الإسلام دليل على كمال الشريعة وذلك لما يلي: ما جاء نبي من الأنبياء إلا بنسخ شريعة من كان قبله؛ لأن شرائع الأنبياء جاءت مختلفة لاختلاف الأزمنة والأمكنة، وما يصلح لأمة قد لا يصلح لأمة أخرى، والمنسوخ قبل نسخه يكون أصلح وأنفع للأمة في ذلك الوقت حتى يحين وقت آخر؛ فتنتهي الحكمة من العمل به، وتبدأ مرحلة حكم جديد بحكمة جديدة، ثانياً: بالنسبة للنبي الواحد لماذا يأتي بناسخ ومنسوخ داخل شريعته؟ الجواب: أن الأنبياء يثبتون شرائعهم بالتدريج، كمثل أحكام تحريم الخمر وحكم زيارة القبور وغير ذلك.
(5) هل انتهت قداسة بيت المقدس؟
يدعي اليهود أن تحويل القبلة دليل على أنه لم يبق للمسلمين في بيت المقدس شيء، وأن قداسته الإسلامية قد نسخت! ولم يعد للمسلمين علاقة بالمسجد الأقصى، رغم أن اليهود حينما رأوا رسول الله -[- يصلي إلى بيت المقدس فرحوا وقالوا: إنه يريد أن يقلدنا ويتقرب منا، بينما علاقة المسلمين بالمسجد الأقصى لم ولن تنقطع؛ فهو مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي وُثقت رحلته في قول الله -تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء: 1)، وهو المسجد الذي جمعه النبي صلى الله عليه وسلم مع المسجد الحرام والمسجد النبوي في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد»، وفيه فضل الصلاة المشهور، كل ما سبق يؤكد أن المسجد الأقصى إسلامي لا يهودي، وأن مزاعم اليهود عن تلك القطيعة بعد تحويل القبلة خرافات وتدليسات.
(6) من هم السفهاء في قوله تعالى "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا"؟
إذا ما تأملنا قول الله ﷻ: "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا" سنجد أن السفهاء الذين قصدهم الله ﷻ في هذه الآية هم اليهود والمنافقون ومشركو أهل مكة الذين قالوا إن محمدا ﷺ كان يصلي نحو الأقصى ، فما الذي جعله يتحول الى البيت الحرام؛ ولكن الله ﷻ رد قائلا: "قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"، أي أن الكون كله لله سبحانه وهذا يرد على السفهاء في كل وقت وحين من المشككين في الشرع الحنيف.
ويعد التفاضل في الزمان والمكان سنة إلهية وهو واقع لا محالة، فقد فضل الله سبحانه وتعالى بعض الأزمنة على بعض، ففضل شهر رمضان على سائر الشهور وفضل ليلة القدر على سائر الليالي وأيضا فضّل شهر شعبان بعد شهر رمضان، فهو شهر جليل حتى لو غفل الناس عنه، فيكفيه شرفا ما كان يفعله النبي ﷺ من كثرة العبادة.
وقد صلى النبي ﷺ صلى ناحية بيت المقدس، حيث كانت قبلته لمده 16 أو 17 شهرا ، ثم أُمر بعد ذلك نبيه، وهو في صلاة العصر أن يتوجه نحو البيت الحرام فتوجه، وتوجه الصحابة معه وهذا أول درس في الاستجابة لأمر الله ﷻ ، ورسوله ﷺ قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ ".
اقرأ أيضًا:
هل يشترط تبييت نية الصيام كل ليلة في رمضان؟.. أمين الفتوى يحسم الرأي الشرعي
تزوجت مرتين فمع أي زوج سأكون في الجنة؟.. سيدة تسأل وعضوة بالأزهر للفتوى تجيب
فيديو قد يعجبك: