لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تفسير الشيخ الشعراوي لجزاء الإيمان بالرُسل

02:46 م الإثنين 01 أغسطس 2016

تفسير الشيخ الشعراوي لجزاء الإيمان بالرُسل

قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.. [آل عمران : 179].

وساعة نسمع (ما كان) فلنعرف أن هنا (جحوداً) أي أن هناك من يجحد القضية ويسمونها (لام الجحود). فقبل حادثة أًحُد، كان المنافقون متداخلين مع المؤمنين. أكان الله يترك الأمر مختلطاً هكذا، ولا يُظهر المنافقين بأحداث تبين مواقعهم الحقة من الإيمان؟ لا، إنه سبحانه وتعالى لا يقبل ذلك؛ حتى لا يظل المنافقون دسيسة في صفوف المؤمنين. وكان لابد أن تأتي الأحداث لتكشفهم. وجاءت أحداث أُحُد لتهيج الصف المنسوب إلى الإيمان، وتفرزه ليتميز الخبيث من الطيب، مصداقاً لقوله الحق: {فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض}.. [الرعد: 17].

إذن كانت أحداث أُحُد ضرورية.

وقوله الحق: {مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين} مقصود بها أن الله لم يكن ليدع المؤمنين ويتركهم عرضة لاختلاط المنافقين بهم بدون أن يتميز المنافقون بشيء من الأشياء، حتى لا تظل المسألة مقصورة على ما يٌعلمه الله لرسوله من أمر المنافقين. فلو علم الله رسوله فقط بأمر المنافقين، ولو أعلن الرسول ذلك للمؤمنين دون اختبار واقعي للمنافقين لكان ذلك مجرد تشخيص نظري للنفاق يأتي من جهة واحدة، وأراد الله أن تأتي حادثة واضحة وتجربة معملية واقعية تبين وتظهر الواقع، وحتى ينكشف المنافقون، وحتى لا يعترض أحد منهم عندما يوصف بأنه منافق، وحتى لا يكون هذا الوصف مجرد كلام من الخصم، بل بفعل ارتكبوه هم عملياً، وبذلك تكون الحجة قوية للغاية.

لقد كان المنافقون أسبق الناس إلى الصفوف الأولى في الصلاة؛ لأن كل منافق منهم أراد أن يَحبك مسألة نفاقه، ويُواريه، فيحرص على ما يندفع المؤمنون إليه، والمنافق كان يعرف أن المؤمنين يتسابقون إلى الصلاة، فهو يسارع ليكون في الصف الأول من الصلاة. ويخبر الله سبحانه وتعالى رسوله: {وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول والله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}.. [محمد: 30].

أي لو لا حظت كلامهم لعرفتهم، مثلهم مثل كل المنافقين في الدنيا، تلاحظ في كلامهم لقطة من نفاق؛ فالمؤمن حين يجلس مع جماعة من المنافقين ويأتي وقت صلاة الظهر ويدعو الأذان إلى الصلاة، تجد المؤمن يقول: فلنقم إلى الصلاة وهنا يسخر المنافق ويقول للمؤمن: لتأخذني على جناحك للجنة يوم القيامة. ومثل هذه الكلمة يكون (لحن القول). أو عندما يدخل مؤمن على جماعة من الناس فيهم منافق، فيستقبل المنافق المؤمن بلهجة من السخرية في التحية، (كيف حالك أيها الشيخ (فلان))؟ ومعنى ذلك أنه غير مستريح لوجود المؤمن فيسخر منه.

وذلك من (لحن القول) الذي يظهر به المنافق.

ومثل هذه العمليات عندما يواجهها المؤمن الواعي المستنير الذي يتجلى الله عليه بالإشراقات النورانية، مثل هذه العمليات تكون وقوداً للمؤمن وتزيد من إيمانه؛ لأن المؤمن على منهج الحق، وقادر على نفسه؟ والمنافق لا يقدر على نفسه؛ لذلك يريد أن يسحب المؤمن من عقيدته ليكون معه على النفاق والعياذ بالله.

وعلى المؤمن أن يوطن نفسه على أنه سيواجه منافقين يريدون أن يردوه عن الإيمان، وسيجد أناساً يسخرون منه ويتغامزون عليه، مصداقاً لقوله الحق: {إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤلاء لَضَالُّونَ وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ}.. [المطففين: 29-33].

والمنافق أو الكافر قد يقول لأهله: لقد رأيت اليوم شيخاً أو رجل دين أو متدينا فسخرت منه وأهنته ويتندر المنافق بمثل هذا القول في بيئته الفاسدة، ويكشفها الحق لنا بقوله الكريم. ليطمئن المؤمنين، ويعوض كل مؤمن عما يصيبه من أهل النفاق والفساد: {فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} .. [المطففين: 34-36].

فالحق سبحانه يسأل المؤمنين يوم القيامة: هل قدرنا أن نجازي الكفار والمنافقين الذين سخروا منكم؟ فيقولون: نعم يارب العالمين قد جوزوا وأثيبوا على فعلهم أوفي الجزاء وأتمه وأكمله.

إن سخرية المنافقين والكافرين من المؤمنين لها أمد دنيوي ينقضي، ولكن السخرية في الآخرة لا تنقضي أبداً. وعندما نقيسها نحن المؤمنين، نجد أننا الفائزون الرابحون إن شاء الله. فلو ترك أي منافق ليتداخل في أحضان المؤمنين، ولا يظهر ذلك للمؤمنين لكانت المسألة صعبة العلاج، ولهذا يقول الحق للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول والله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}.. [محمد: 30].

والحق لا يكتفي بذلك، لكنه يكشف لنا واقع المنافقين بتجارب معملية حتى لا يقول واحد منهم: لست منافقاً. وعندما يظهر الله المنافق ويكشفه بحادثة مدوية فعليه، ومخجلة تبين أنه منافق، فيكون قد وُصم بالنفاق، لأن كثيراً من الناس الذين يظلون طوال عمرهم ينافقون اعتماداً على أنهم مسلمون في الظاهر لا يتركهم الله، بل لابد أن يأتي الله لهم بخاطر من الخواطر ويقعوا في فخ اكتشاف المؤمنين لهم حتى يعرفهم المؤمنون ويقيّموهم على حقيقتهم، فسبحانه وتعالى القائل: {مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين على ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حتى يَمِيزَ الخبيث مِنَ الطيب}.

وكلمة (يذر) تعني (يترك) أو (يدع). والدارسون للنحو يعرفون أن هناك فعلين هما (يذر) و(يدع)، أهملت العرب الفعل الماضي لهما، فهذان الفعلان ليس لهما فعل ماضٍ. ونستخدمها في صيغة المضارع.

والحق سبحانه لم يكن ليدع المؤمنين على ما هم عليه من الاختلاط واندساس المنافقين بينهم وعدم معرفة المؤمنين للمنافقين؛ لذلك يميز ويظهر الخبيث من الطيب.

فلا يكتفي بإخبار النبي بأمر الخبثاء فقط، ولكنه يكشف الخبثاء بفعل واقعي. فيقول: {وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب}؛ لأن الله لو أطلعكم على الغيب لتعرفوا المنافقين لأنكروا أنفسهم منكم وستروها عنكم، ولذلك يجري سبحانه الوقائع لتكشف الخبيث من الطيب، وبعد ذلك يوصم المنافق بالنفاق بإقرار نفسه وإقرار فعله.

{وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ}. إنه جل وعلا يختار من رسله من يشاء ليطلعهم على بعض الغيب حتى يزدادوا ثقة في أن الله لا يتخلّى عنهم، أي يعطي للرسول دلالات على المنافقين، حتى يزداد الرسول ثقة في أن الله لا يتخلّى عنه.

والله برحمته لا يكشف الغيب لكل المؤمنين، فلو اطلع المؤمن على الغيب لفسدت أمور كثيرة في الكون. وَهَبْ أن الله أطلع الإنسان على غيب حياته، فعرف الإنسان ألف حادثة سارة ثم حادثة واحدة مكدرة؛ فإن كدر الإنسان بالحادثة الواحدة المكدرة التي تقع بعد عشرين عاماً يفسد على الإنسان تنعمه بالأحداث السارة.

وإن كان الإنسان يريد أن يطلع على غيب الناس فهل يقبل أن يطلع على غيبه أحد؟ فلماذا تريد أيها الإنسان أن تعرف غيب غيرك؟ أيرضى أي واحد منا أن يعرف الناس غيبه؟ لا. إذن فستر المعلومات عن الناس وجعلها غيباً هي نعمة كبرى.

ومع ذلك فالناس تُلح أن تعرف الغيب. ونرى من يجري على الدجالين والعرافين ومن يدعون كذباً أنهم أولياء لله، وكل ذلك من أجل أن يعرف الواحد بعضاً من الغيب. وهنا نقول: ليست مهارة العارف في أن يقول لك ماذا سيحدث لك في المستقبل، لكنها في أن يقول واحد من هؤلاء المدّعين لمعرفة الغيب: إن حادثاً مكروهاً سيقع لك، وسأمنعه أو أدفعه بعيداً عنك. لا أحد يستطيع دفع قدر الله ولذلك فلنترك المستقبل إلى أن يقع. لماذا؟ حتى لا يحيا الواحد منا في الهم والحزن قبل أن يقع. إذن فقول الحق: {وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب} هو سنة من الله لأن نظام الملك ينتظم بها ويحتاج إليها.

فكل إنسان له هزات مع نفسه، وقد تأتي له فترة يضعف فيها في شيء من الأشياء، فإذا ما عرف الغير منطقة الضعف في إنسان ما، وعرف هذا الإنسان منطقة الضعف في أخيه، فلسوف يبدو كل الناس في نظر بعضهم بعضا ضعافاً. ومن فضل الله أن أخفى غيب الناس عن الناس. وجعل الله إنساناً ما قوياً فيما لا نعلم، وذلك قويَّا فيما لا نعلم، وبذلك تسير حركة الحياة بانتظامها الذي أراده الله.

{وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ} والحق يجتبي من الرسل، أي بعضاً من الرسل- لا كل الرسل- ليطلعهم على الغيب حتى يعطي لهم الأمان بأنهم موصولون بمن أرسلهم، فهو سبحانه لم يرسلهم ليتخلّى عنهم، لا، إنهم موصولون به؛ لذلك يطلعهم على الغيب، وقلنا: إن الغيب أنواع: فمطلق الغيب: هو ما غاب عنك وعن غيرك.

ولكنَّ هناك غيباً غائباً عنك وهو معلوم لغيرك، وهذا ليس غيباً.

مثال ذلك إن ضاعت من أحدكم حافظة نقوده، وسارقها غيب، ومكانها غيب عن صاحبها، لكن الذي سرقها عارف بمكانها، إذن فهذا غيب على المسروق، ولكنه ليس غيباً على السارق. لأنه ليس غيباً مطلقاً، وهذا ما يضحك به الدجالون على السذج من الناس، فبعض من الدجالين والمشعوذين قد يتصلون بالشيطان أو الجن؛ ويقول للمسروق حكاية ما عن الشيء الذي سُرق منه هؤلاء المشعوذون لا يعرفون الغيب؛ لأن الغيب المطلق هو الذي لا يعلمه أحد، فقد استأثر به الله لنفسه.

ومثال آخر: الأشياء الابتكارية التي يكتشفها البشر في الكون، وكانت سراً ولكن الله كشف لهم تلك الأشياء، وقد يتم اكتشافها على يد كفار أيضاً. فهل قال أحدٌ: إنهم عرفوا غيباً؟ لا؛ لأن لمثل هذا الغيب مقدمات، وهم بحثوا في أسرار الله، ووفقهم سبحانه أن يأخذوا بأسبابه ما داموا قد بذلوا جهداً، والله يعطي الناس- مؤمنهم وكافرهم- أسبابه. وما داموا يأخذون بها فهو يعطيهم المكافأة على ذلك. ولله المثل الأعلى، وسبحانه منزه عن كل تشبيه، أقول لكم هذا المثل للتقريب: المدرس الذي يعطي تمرين هندسة للتلميذ ليقوم بحله، فهل مجيء الحل غيب.؟ لا؛ لأن التلميذ يعرف كيف يحل التمرين الهندسي؛ لأن فيه المعطيات التي يتدبر فيها بأسلوب معين فتعطى النتيجة. وما دام التلميذ يخرج بنتيجة لتمرين ما بعد معطيات أخذها، فذلك ليس غيباً.

ولذلك فعلينا أن نفطن إلى أن الغيب هو ما غاب عن الكل، وهذا ما استأثر الله بعلمه وهو الغيب المطلق، وهو سبحانه وتعالى يطلع عليه بعضاً من خلقه من الرسل، وهو سبحانه القائل: {عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ}.. [الجن: 26-27].

وأما الأمر المخفي في الكون، وكان غيباً على بعض من الخلق ثم يصبح مشهداً لخلق آخرين فلا يقال إنه غيب، وعرفنا ذلك أثناء تناولنا بالخواطر لآية الكرسي: {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العلي العظيم}.. [البقرة: 255].

إن الحق سبحانه قد نسب هنا الإحاطة للبشر، ولكن بإذن منه، فهو يأذن للسر أن يولد، تماماً كما يوجد للإنسان سلالات ولها أوقات معلومة لميلادها، كذلك أسرار الكون لها ميلاد.

وكل سر في الكون له ميلاد، هذا الميلاد ساعة يأتي ميعاده فإنه يظهر، ويحيط به البشر. فإن كان العباد قد بحثوا عن السر وهم في طريق المقدمات ليصلوا اليه ووافق وصولهم ميعاد ميلاده، يكونوا هم المتكشفين له. وإن لم يحن ميعاد ميلاد هذا السر فلن يتم اكتشافه واذا حان ميلاد السر ولم يوجد عالم معملي يأخذ بالأسباب والمقدمات فالله يخرج هذا السر كمصادفة لواحد من البشر. وحينئذ يقال: إن هذا السر قد ولد مصادفة من غير موعد ولا توقع.

وأسرار الله التي جاءت على أساسها الاكتشافات المعاصرة، كثير منها جاء مصادفة. فالعلماء يكونون بصدد شيء، ويعطيهم الله ميلاد سر آخر. إذن فليس كل اكتشاف ابناً لبحث العلماء في مقدمات ما، ولكن العلماء يشتغلون من أجل هدف ما، فيعطيهم الله اكتشاف أسرار أخرى؛ لأن ميلاد تلك الأسرار قد جاء والناس لم يشتغلوا بها. ويتكرم الله على خلقه ويعطيهم هذه الأسرار من غير توقع ولا مقدمات.

ويستمر سياق الآية {فَآمِنُواْ بالله وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} وهو سبحانه يخاطب المؤمنين. والحق سبحانه وتعالى إذا خاطب قوماً بوصف، ثم طلب منهم هذا الوصف فما معناه؟. ومثال ذلك قول الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ آمِنُواْ}.. [النساء: 136].

إنهم مؤمنون، والحق قد ناداهم بهذا الوصف. معنى ذلك أنه يطلب منهم الالتزام بمواصفات الإيمان على مر الأزمان لان الايمان هو يقين بموضوعات الايمان في ظرف زمني والأزمان متعاقبة لأن الزمن ظرف غير قارٍ. و(غير قارٍ) تعني أن الحاضر يصير ماضياً، والحاضر كان مستقبلاً من قبل. فالماضي كان في البداية مستقبلاً، ثم صار حاضراً، ثم صار ماضياً. والزمن (ظرف)، ولكنه ظرف غير قار.. أي غير ثابت. لكن المكان ظرف ثابت قار. فكأن الله يخاطبك: إن الزمن الذي مر قبل أن أخاطبك شُغِل بإيمانك، والزمن الذي يجيء أيضاً اشغله بالإيمان.

إذن معنى ذلك: يا أيها الذين آمنوا داوموا على إيمانكم. {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} ولنا أن نتصور عظمة عطاء الحق، فالمنهج الإيماني يعود خيره على من يؤديه، ومع ذلك فالله يعطي أجراً لمن اتبع المنهج. إذن فعندما يضع الحق سبحانه وتعالى منهجاً فإنه قد فعله لصالح البشر وأيضاً يثيبهم عليه، وهو يقول: {فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى}.. [طه: 123-124].

إن المتَّبع للمنهج يأخذ نفعه ساعة تأدية هذا المنهج. ويزيد الله فوق ذلك انه سبحانه يعطي المتبع للمنهج أجراً، وهذا محض الفضل، وقلنا من قبل: إن العمر الذي يمده الله للكافرين والمنافقين ليس خيراً. إذن فعلى الناس أن يأخذوا المسائل والأزمنة بتبعات وآثار ونتائج ما يحدث فيها.

ويقول الحق بعد ذلك: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ القيامة...}.

المصدر: موقع نداء الإيمان


موضوعات متعلقة:

تفسير الشيخ الشعراوي لمصير الكافرين فى الدنيا والأخرة

تفسير الشيخ الشعراوي لطرق شراء الكفر بالإيمان

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان