مشغولون عن الانتخابات بـ"لقمة العيش".. مواطنون: "معندناش رفاهية ناخد أجازة"
كتبت- نانيس البيلي:
بعد ساعات طويلة من العمل الشاق، وقف "محمد محمود" (عامل حفار)، ليلة أمس، على بعد أمتار فقط من مقر لجنة انتخابية في الجامعة العمالية بمدينة نصر، دون أن يشغل باله بما يدور داخلها أو خارجها. كان الشاب الذي لم يكمل عقده الثاني بعد، حدد وجهته التي لن يغيرها سينتظر الميكروباص ويتوجه إلى منزله ليأخذ قسطا من الراحة ليعود مجددا من عمله.
لن يذهب "محمد" إلى لجنته بحلوان لممارسة حقه الانتخابي. بالنسبة للشاب هذا الحق رفاهية بعيدة المنال، فهو لا يستطيع الاستئذان من عمله وليس أمامه سوى أن يغيب يوما ما يعني فقدانه يوميته.
الشاب الصغير ليس الوحيد الذي حرم من التصويت بسبب سباق لقمة العيش، فمثله بسطاء آخرون يعملون لساعات طويلة، ويعودون إلى منازلهم وقد أنهكهم الشقاء والتعب، ولا يملكون رفاهية الحصول على يوم الراحة لأنه سيخصم من رزقهم المتواضع.
في مساء أول أيام الانتخابات الرئاسية، وقف "محمد محمود" مرتديًا خوذة العمال الصفراء وهو يمسح جبهته من العرق، بينما ينتظر "الميكروباص" الذي سيقله من مكان عمله بمدينة نصر إلى منزله بالتبين في حلوان.
حوالي 16 ساعة يوميًا يعملها "محمد"، -الذي يدرس بالسنة الخامسة في مرحلة التعليم المتوسط "صنايع 5 سنوات"-، كـ"حفار" في مشروع مول تجاري كبير تحت الإنشاء. يطلق الشاب زفرة ويقول إنه مضطر لتحمل ذلك العامل الشاق الذي يبدأ من الثامنة صباحًا وينتهي عادة في الثانية بعد منتصف الليل، إلا أنه أنهى عمله مبكرا بعض الشيء أمس
يتوقف الشاب قليلا قبل أن يضيف "صاحب العمل بيبقى عايزني تاني يوم الصبح، والمشكلة بتيجي تتكلم مع المدير يقولك هو ده الشغل مش عاجبك امشي".
لا يعارض "محمد" المشاركة في الانتخابات، غير أنه لا يملك رفاهية الحصول على يوم إجازة للذهاب إلى لجنته والتصويت، فيقول إنه يدرس ويعمل في نفس الوقت لتكوين نفسه والقدرة على الزواج بعد عدة سنوات، ويضيف أن والده الذي يعمل عاملاً هو الآخر لا يملك أكثر من تدبير الاحتياجات الأساسية لأشقائه الثلاثة "يعني مفيش مساعدة خالص، كل واحد بيشيل شيلته".
يعيش "محمد" على حلم حصوله على مجموع كبير في السنة النهائية بالثانوي الصناعي ليتمكن من الالتحاق بكلية الهندسة "عشان أرتاح شوية، يعني المهندس بيجي الشغل نضيف ويروح نضيف".
يصمت قليلاً شارداً ببصره ويقول إنه يتمنى أن يكون له مشروع صغير خاص به مثل "سوبر ماركت" كمصدر رزق له "عشان ما أشقاش تاني، بدل البهدلة اللي الواحد فيها".
يعلم الشاب الذي لم يتخطى عامه العشرين أن ملابس العمل التي يسير بها والمتسخة بعض الشيء وكذلك خوذته الصفراء ربما تلفت انتباه المارة نحوه "بس ده شرف ليا، أنا فخور بمشواري وإني عاوز أعمل حاجة لنفسي"، ويوجه نصيحة للشباب: "عيشوا على حلم وأمل عشان اللي تعب وشقي غير اللي طلع ولقي".
"شيماء".. "كول سنتر" تعمل 10 ساعات
قرابة 10 ساعات يوميًا تعملها "شيماء محمد" في وظيفة "كول سنتر"، تقول صاحبة الـ28 عامًا إنها لن تشارك في التصويت لعدة أسباب أولها طول وقت العمل، وبُعد المسافة بين عملها بمدينة نصر ومحل سكنها بمحافظة القليوبية، بجانب عدم اهتمامها بالأحداث الجارية "مش مركزة أوي في الانتخابات والسياسة، الأولوية بتكون لشغلي".
بنبرة تمزج بين المرح والمرارة، تذكر شيماء أنها تخرجت في كلية الآثار بجامعة القاهرة بعد حصولها على مجموع كبير في الثانوية العامة بشعبة الأدبي، غير أنها لم تجد غير تلك الوظيفة، تضحك وهي تقول "وهو فيه حد أصلاً بيشتغل في مجاله في مصر".
تقول "شيماء" إنها لا تقاطع المشاركة الانتخابية ولا ترفضها "يعني قبل كده في الانتخابات اللي فاتت لو فيه وقت كنت بروح مفيش يبقى لأ"، وتشير إلى أنها لن تحصل على إجازة لكي تذهب للتصويت في لجنتها الانتخابية، تضحك قائلة "لو خدت يوم أجازة هرتاحه في البيت".
"حسام".. قهوجي يعمل 12 ساعة
داخل مقهى شعبي بمدينة نصر، انهمك "حسام وحيد" في تحضير أكواب الشاي والمشروبات الساخنة للزبائن. من وراء بوفيه المقهى يقول إنه يعلم بوجود الانتخابات الرئاسية لكنه لا يهتم بها كثيراً، فما يشغل باله هو عمله فقط "أهم حاجة عندي شغلي عشان هي دي الحياة، وده مستقبلي وأكل عيشي".
12 ساعة يوميًا هي وردية عمل ابن الـ23 عامًا، تبدأ في تمام الثامنة صباحًا وتنتهي في نفس التوقيت مساءً، يقول إنه لا يقاطع الانتخابات ولكن طبيعة عمله ستمنعه من القدرة على الذهاب للتصويت "صعب إني أروح أنتخب، ومينفعش آخد أجازة برضه".
لم يشارك، الشاب الحاصل على تعليم متوسط ويعيش بمنطقة المرج، في أي استحقاقات انتخابية قبل ذلك "لأني مش مهتم بصراحة"، يضحك ويقول "أنا حتى مش عارف أهلي هيروحوا ينتخبوا ولا لأه".
تابعونا في تغطية خاصة للانتخابات الرئاسية.. لحظة بلحظة (اضغط هنا)
فيديو قد يعجبك: