هل يقدم البنك المركزي على خفض الجنيه مقابل الدولار قبل نهاية 2023؟
كتبت- منال المصري:
استبعد مصرفيون تحدث إليهم مصراوي إقدام البنك المركزي على خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار قبل نهاية العام الجاري، وذلك رغم استمرار أزمة نقص النقد الأجنبي ووجود التزامات خارجية على مصر.
وأوضحوا أن العودة إلى الالتزام بمرونة سعر الصرف يتطلب توفر حصيلة جيدة من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي لتجنب هبوط قيمة الجنيه مقابل الدولار إلى مستويات غير متوقعة، والدخول في حلقة مفرغة من خفض العملة لا تنتهي.
وشهد سعر الجنيه هبوطا حادا منذ مارس 2022 وحتى مارس الماضي، وارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه خلال نفس الفترة بنحو 96% من 15.76 جنيه في 20 مارس 2022 إلى 30.94 جنيه في البنوك، وذلك مع عودة مصر إلى مرونة سعر الصرف بعد الحياد عنها خلال عامي كورونا 2020 و2021.
لكن سعر الصرف استقر بعد ذلك خلال الشهور السبعة الأخيرة في البنوك، رغم أزمة نقص النقد الأجنبي وسط تشديدات تتعلق بالاستيراد من الخارج وأولويات توفير العملة له.
وتواجه مصر ضغوطا من استمرار نقص موارد النقد الأجنبي بعد خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة بنحو 22 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الماضي بسبب التبعات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية.
وأدت هذه المشكلات المتفاقمة إلى انتشار المضاربة على العملة والسوق السوداء ليصل سعر الدولار إلى مستوى 49 جنيها يوم الخميس الماضي قبل أن يهبط بين 42 و44 جنيها اليوم الأحد، بزيادة بنحو 11 و13 جنيها عن السعر في البنوك.
ولجأت مصر لسد الفجوة من النقد الأجنبي إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي الذي وافق عليه في ديسمبر الماضي بقيمة 3 مليارات دولار يصرف على 46 شهرا على شرائح متساوية بواقع شريحيتين كل عام، مع تعهد مصر بحزمة سياسات إصلاحية أهمها التزامها بسياسة سعر صرف حر للجنيه مقابل العملات الأجنبية وتخارج الدولة من استثماراتها لصالح القطاع الخاص.
لكن صندوق النقد الدولي لم يجرِ المراجعة الأولى التي كان من المقرر تنفيذها في شهر مارس الماضي، كما تم تعليق إجراء المراجعة الثانية في سبتمبر الماضي، وسط مطالبات من الصندوق بعودة مصر إلى الالتزام بمرونة سعر الصرف، محذرا إياها بفقد احتياطي النقد الأجنبي في حالة استمرار تثبيت سعر الجنيه خلال الفترة المقبلة.
وأدى قصور النقد الأجنبي المتدفق على مصر وزيادة حجم الالتزامات الخارجية عليها إلى خفض تصنيفها الائتماني من وكالتي موديز وستاندرد آند بورز خلال شهر أكتوبر الجاري، بما يعكس صورة عن حجم ارتفاع المخاطر للمستثمرين الأجانب.
وقال محمد عبد عبد العال، الخبير المصرفي، لمصراوي، إنه لا مجال لمرونة سعر الصرف في الوقت الراهن بسبب عدم ملائمة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والجيوسياسية (التوترات السياسية في المنطقة).
وأضاف أن عدم توافر سيولة من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي لإدارة تحرير سعر الصرف سيعزز من إبقاء الأوضاع دون تغيير تجنبا لدخول دوامة مفرغة من عمليات خفض الجنيه.
ورجح بنك جولدمان ساكس الأمريكي، في ورقة بحثية له عن مصر صدرت في وقت سابق من العام الجاري، حاجة مصر إلى ما يزيد على 5 مليارات دولار من الموارد الأجنبية من أجل العودة إلى الالتزام بمرونة سعر الصرف، وبدونها سيكون من المستبعد تنفيذ هذا الإجراء مع نقص الموارد الدولارية في البلاد، وخشية الحكومة من انفلات كبير في سعر العملة المحلية.
ويرى عبد العال أن العودة إلى مرونة سعر الصرف سيكون له تبعات سلبية سواء حدث ذلك خلال العام الجاري أو المقبل، "وذلك لعدم جدواه الاقتصادية"، بحسب ما قاله لمصراوي.
واتفقت سهر الدماطي الخبيرة المصرفية، ونائب رئيس بنك مصر سابقا، مع توقعات عبد العال، في صعوبة عودة البنك المركزي للالتزام بمرونة سعر الصرف قبل نهاية العام الجاري بسبب ضعف موارد النقد الأجنبي لإدارة هذه العملية.
وقالت الدماطي، لمصراوي، أن مصر تواجه جدول سدادات مستحقة عليها لخدمة الدين الخارجي (أقساط وفوائد) بما يضع ضغوطا عليها، ويصعب من إجراء تحرير لسعر الصرف في الوقت الراهن لعدم توافر نقد أجنبي.
كانت بيانات منشورة للبنك المركزي أظهرت التزام مصر بسداد ديون خارجية مستحقة عليها بنحو 29.229 مليار دولار (شاملة فوائد وأقساط الدين) خلال العام المقبل 2024، على أن تسدد نحو 19.434 مليار دولار في 2025.
وأضافت الدماطي أن إيرادات السياحة من المحتمل أن تتأثر بالتوترات في المنطقة بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، بجانب وقف إسرائيل توريد الغاز إلى مصر لتصديره، وهو ما يعني تراجع الحصيلة الدولارية بما لا يستدعى حدوث أعباء جديدة تنتج عن العودة لمرونة سعر الصرف.
ورجحت عودة مصر إلى الالتزام بمرونة سعر الصرف العام المقبل بشرط توافر حصيلة نقد أجنبي كافية لإدارة مرونة الجنيه مقابل الدولار حتى وصوله للسعر التوازني.
فيما يرى محمد رجائي، رئيس قطاع الاستثمار السابق في بنك القاهرة، ورئيس شركة كايرو للصرافة حاليا، أن قد تلجأ مصر إلى العودة لمرونة سعر الصرف في نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل في محاولة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية الراهنة والقضاء على السوق السوداء للدولار.
لكن العودة لهذه المرونة، بحسب رجائي، تحتاج إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات المسبقة لإدارة عملية "تعويم الجنيه" مقابل الدولار وبدونها لن يكون لهذه العملية جدوى.
وأوضح أن هذه الإجراءات تتمثل في توفر حصيلة نقد أجنبي لدى البنك المركزي من ودائع أجنبية جديدة أو من بيع أصول مملوكة للدولة لإدارة عملية تحرير سعر الصرف، وذلك تجنبا لانخفاض الجنيه إلى مستويات غير متوقعة.
وذكر رجائي أن مرونة سعر الصرف تحتاج أيضا إلى بناء احتياطي قوي من النقد الأجنبي، وتوفر نقد أجنبي في البنوك لتدبير الدولار لكافة العملاء من الشركات والأفراد وتمويل الاستيراد من أجل أن يصل الجنيه مقابل الدولار إلى السعر التوازني، وضمان القضاء على السوق السوداء لتجارة العملة.
فيديو قد يعجبك: