اليمين المتطرف الفرنسي بقيادة لوبان يحقق فوزًا تاريخيًا في الانتخابات التشريعية
باريس - (ا ف ب)
احتل "التجمع الوطني" اليميني المتطرف المركز الثالث في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية التي جرت الأحد وراء ائتلاف الرئيس إيمانويل ماكرون وتحالف اليسار، وذلك بحصوله على 18.68 بالمئة من أصوات الناخبين. لكن الحزب الذي تتزعمه مارين لوبان حقق فوزا كبيرا ومكسبا "تاريخيا"، برأي كل المراقبين، إذ إنه سيحظى بكتلة برلمانية لأول مرة منذ عام 1986.
من الفائز الأكبر في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية التي جرت الأحد؟ من الوهلة الأولى، يبدو "التحالف الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد"، الذي يضم أربعة أحزاب من تيار اليسار واليسار المتطرف، أبرز الفائزين نظرا لقدرته على منافسة الائتلاف الرئاسي "معا" المحسوب على تيار اليمين الوسطي.
فقد حصل التحالف بزعامة جان لوك ميلنشون على نسبة 25.66 بالمئة من أصوات الناخبين حسب النتائج الرسمية، مقابل 25.75 لحزب "النهضة" الحاكم وحليفيه "موديم" برئاسة الوزير السابق فرانسوا بايرو و"أفق" الذي أسسه إدوار فيليب رئيس الوزراء بين مايو 2017 ويوليو 2020. إثر هذه المعطيات، تُرجح توقعات معهد "إيبسوس" لاستطلاعات الرأي أن يفوز تحالف اليسار، "فرنسا الأبية" و"الحزب الاشتراكي" و"الحزب الشيوعي" و"البيئة"، بما بين 189 و219 مقعدا في البرلمان المقبل الذي ستتحدد تشكيلته النهائية الأحد المقبل، مقابل 255 إلى 299 مقعدا بالنسبة للائتلاف الرئاسي.
لكن، خلف هذه الأرقام، تأكد تسرب أفكار وأطروحات اليمين المتطرف داخل المجتمع الفرنسي من خلال الفوز الكبير والمكسب التاريخي الذي حققه "التجمع الوطني" بزعامة مارين لوبان. فقد تعزز الحزب، المناهض للإسلام والمسلمين والهجرة، بخمس نقاط (18.68 بالمئة من الأصوات مقابل 13.2 بالمئة) و1.2 مليون صوت بين انتخابات 2017 و2022. بالتالي، من المتوقع أن يتراوح عدد نوابه بعد الجولة الثانية بين 20 و45 (مقابل 8 نواب في 2017)، ما يرشحه لتشكيل كتلة برلمانية يستغلها كمنبر للترويج لأيديولوجيته المعادية للهجرة وللاتحاد الأوروبي.
"يتظاهرون مع الإسلاميين ويهتفون الله أكبر‘"
وسارعت مارين لوبان لإعلان الفوز في الانتخابات التشريعية إذ قالت صباح الثلاثاء على أثير راديو "أر تي أل" الخاص إن "التجمع الوطني" هو "في الحقيقة أول حزب في فرنسا"، مستشهدة بأن الائتلاف الرئاسي "يضم ثلاثة أحزاب" وتحالف اليسار "أربعة". واعتبرت بأن حزبها يعيش "حركية" لا يعرفها أي من منافسيه في البلاد، متوعدة الرئيس ماكرون بـ"معارضة شرسة".
وكما كان يفعل والدها جان-ماري لوبان مؤسس الحزب اليميني المتطرف الذي تحولت تسميته في 2018 من "الجبهة الوطنية" إلى "التجمع الوطني"، استخدمت مارين لوبان مصطلحات صادمة لأجل تعبئة مناصريها في الجولة الثانية. فقد اتهمت حزب ماكرون بأنه دعا في حال تنافس مرشحي اليمين المتطرف مع مرشحي اليسار إلى التصويت لمن "يتظاهرون مع الإسلاميين ويهتفون الله أكبر، ومن "يريدون المصالحة مع الإرهابيين ويرفضون القول تحيا فرنسا".
وتابعت قائلة: "إذا فشلنا في تشكيل كتلة برلمانية قوية، فستغيب عن النقاش قضايا الهجرة المفرطة وانعدام الأمن".
فوز انتخابي وانتصار سياسي ومتنفس مالي
أكد أوغو باليتا الأستاذ بجامعة ليل (شمال فرنسا) وصاحب كتاب "الفاشية أمر وارد" أن هذا "الإنجاز تاريخي بالنسبة لليمين المتطرف بشكل عام إذ إن هذا التيار حصل على أكثر من خمسة ملايين صوت" في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية.
وكانت مارين لوبان قد ارتكبت هفوة سياسية في 10 مايو/أيار عندما صرحت في مقابلة تلفزيونية أن "المنطق [بعد فوز ماكرون بعهدة رئاسية ثانية في 24 أبريل/نيسان] هو أن يفوز الرئيس بالغالبية في البرلمان، فكل من يدعي خلاف ذلك فهو مجردافتراء"، في إشارة إلى جان لوك ميلنشون الذي دعا الفرنسيين إلى "انتخابه رئيسا للوزراء".
رغم ذلك، أقر الأستاذ بجامعة ليل أوغو باليتا بأن مرشحي اليمين المتطرف "نجحوا في التأهل للجولة الثانية مؤكدين حضورهم المتجذر في عدة مناطق وقدرتهم على تخطي الصعوبات"، مشيرا إلى افتقاد حزب مارين لوبان للتأطير الكافي على التراب الفرنسي، ما يشكل عائقا إضافيا بالنسبة إليه.
وسجل الحزب عموما نتائج مرضية في شمال البلاد، في الشرق والجنوب الشرقي، حيث تأهل 12 مرشحا للدورة الثانية في إقليم با دو كاليه (شمال)، 8 في إقليم فار و5 من أصل 6 في غار (جنوب) و8 من أصل 9 في إقليم موزيل (شرق).
هذا الفوز الانتخابي جاء ليعزز انتصارا سياسيا بارزا لمارين لوبان وهو تغلبها بالضربة القاضية على من كان يقدم نفسه على أنه "ممثل الشعب"، الإعلامي السابق إيريك زمور الذي سجل إخفاقا ذريعا في هذه الانتخابات إذ فشل كل مرشحي حزبه "استرداد" في بلوغ الدورة الثانية. وهذا ما جعلها تدعوهم للتصويت لصالح حزبها لأجل دخول البرلمان بقوة.
كما أن هذا الفوز الانتخابي سيمسح لـ "التجمع الوطني" بتعزيز موازنته بنحو 7 ملايين يوروسنويا من المال العام المقرر في الدستور للأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية.
يبقى أن تقدم "التجمع الوطني" في نوايا التصويت ومراكز الاقتراع ليس بقدر الأمل الذي ولده نجاح مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عندما تأهلت للدورة الثانية وحصلت على أكثر من 13 مليون صوت. فالحقيقة أنه فشل أمام امتداد تحالف اليسار بزعامة ميلنشون، وفشل في فرض نفسه أكبر قطب معارض لسياسة الرئيس ماكرون.
فماذا ستحمل الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية في طياتها؟ ستكون تأكيدا للاختراق التاريخي لليمين المتطرف أم اجتياح اليسار واليسار المتطرف مقاعد البرلمان؟
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: