ربما سأكون المسحراتي في المستقبل. من يعلم!
(بي بي سي):
عندما يزورنا رمضان كل سنة؛ يتغيّر جو منزلنا في مدينة هيلبارنز، جنوب مدينة مانشستر في شمال غرب إنجلترا. لكن الجو وحده هو ما يتغير بينما تستمر باقي تفاصيل الحياة كما هي؛ فساعات العمل لا تتغير، ولا وجود لمكبرات صوت تنقل صلاة التراويح لنسمعها، ولا لصوت "المسحراتي" الذي أعتدته أثناء وجودي في مصر وسوريا.
أتذكر حتى اليوم عندما كنت طفلة صغيرة في رمضان تحب قمر الدين والتمر وصوت الشيخ الطنطاوي وقت المغرب. أتذكر جدتي والتلفاز ينقل صوت الشيخ عبد الرحمن السديس. أتذكر أيام مراهقتي وسنوات الجامعة عندما كنت أدرس الطب في مصر. منذ تلك الأيام ورمضان في ذاكرتي مرتبط بصوت المسحراتي وطبق الفول، وتنافسي مع أصدقائي في السكن على قراءة القرآن.
ثم تزوجت وقدمت للدراسة والعمل مع زوجي في بريطانيا، وأصبحنا أبوين لصبي وفتاة.
كبر الأولاد وكان لابد أن نتخذ أنا وزوجي خطوات إيجابية ليتعلّق أولادنا برمضان ويحبوا هذا الشهر ويتمكنوا من الصيام أمام أصدقائهم الإنجليز بفخر واقتناع.
لذا نزيّن منزلنا في رمضان، ونعلق الفوانيس بفرحة ونملأ المنزل زينة. قمر الدين، والتمر، وشراب التمر الهندي كلها هنا؛ كما نعد في هذا الشهر أطعمة أولادي المفضلة؛ فابني يحب سمبوسك الخضار وابنتي فطائر الجبن.
نعمل في النهار الطويل في رمضان، ولا نعود للمنزل حتى الساعة السادسة أو السابعة مساء، ونبحث عن قناة تبث صوت صلاة التراويح لنعيش جو رمضان.
إنه المساء وهنا تكمن الصعوبة، فالذهاب إلى المسجد يستغرق وقتا طويلا ولابد لنا من الذهاب للعمل في اليوم التالي، نختار عدم الذهاب كي نحصل على حاجتنا من ساعات النوم لنؤدي واجبنا على أحسن وجه، وإلا سينحى باللائمة على صيامنا إن أخطأنا، كما أن قلة النوم ستتعب الأولاد في المدرسة، لذا قررنا أن نصلي في المنزل.
لدينا أصدقاء من الجاليات العربية والمسلمة ممن يسكنون قريبا منا، نتقابل في رمضان ونهدي لبعضنا البعض الأكل والشراب.
قد يسأل البعض لم كل هذا؟ علمت أبنائي أن الصيام يعني مراقبة النفس مراقبة دقيقة؛ فرمضان بالنسبة لأطفالي في الغربة ليس صياما عن الطعام والشراب فقط، بل شهر للقيام بأعمال الخير، شهر محبة.
رمضان في الغربة يمر بطيئا. نتذكر فيه أهلنا في بلادنا وندعو الله أن يجمعنا بهم على خير.
أن تقضي رمضان في بلادنا نعمة؛ نعمة سماع صوت الأذان في الأجواء، والمسحراتي في الليل؛ نعمة أن تذهب للعمل مع تغيير في ساعات العمل لتناسب الصيام؛ وأن تجد أجواء رمضان الدينية والترفيهية بعد الإفطار.
لا مكان لكل هذا هنا في المهجر. ولكن في المستقبل، إن بقينا هنا وعاش أولادي في بريطانيا فسيكون بيتي مفتوحا للأحفاد لنعيش معهم أجواء رمضان، وربما سأكون المسحراتي.. من يعلم!
فيديو قد يعجبك: