كيف يسهم أصدقاؤك في تغيير عاداتك إلى الأفضل أو الأسوأ؟
لندن (بي بي سي)
كثيرا ما نظن أننا نتصرف من تلقاء أنفسنا، مع أن سلوكياتنا تعتمد على أصدقائنا وأقاربنا قدر اعتمادها على إرادتنا. فإن رفقاءنا المحيطين بنا لديهم القدرة على التأثير علينا لنصبح أكثر بدانة، أو نستهلك كميات أكبر من الخمر، أو نصبح أقل اكتراثا للبيئة، وغير ذلك الكثير.
إن التأثر بالرفقاء هو أمر لاشعوري، إذ يحاول الدماغ باستمرار البحث عن أدلة من الأشخاص المحيطين بك ليخبرك عن السلوك اللائق الذي يجب أن تسلكه، وقد يكون لهذا الأمر عواقب وخيمة.
واستقر رأي العلماء على أن رؤيتنا لذواتنا تتشكل من خلال مخالطتنا للآخرين. وتقول أمبر غافني، باحثة في علم النفس الاجتماعي بجامعة هامبولدت في ولاية كاليفورنيا: "إذا كنت تستمد جزءا كبيرا من هويتك من إحدى المجموعات، حتى لو لم تكن بصحبتهم، فأغلب الظن أنك ستتمسك بقيم هذه المجموعة. فإذا كنت تعرّف نفسك بأنك طالب أو أكاديمي، من المرجح أن ترى العالم من هذا المنظور".
وهذا ما يسمى بالمعايير الاجتماعية، وهذه المعايير ثابتة عادة، لكن عندما يتصرف شخص وسط مجموعة مترابطة بطريقة غير معهودة أو غير متوقعة، تتأثر سلوكيات المجموعة.
وقد خلصت دراسة على سبيل المثال، إلى أن الناس أكثر عرضة لتغيير آرائهم عن وسائل النقل الصديقة للبيئة إذا لاحظوا أن أقرانهم يستخدمون هذه الوسائل من باب النفاق الاجتماعي.
ويقيم الطلاب من جامعة هامبولدت في قرية صغيرة شمالي كاليفورنيا ويلتزم أكثرهم بالحفاظ على البيئة، ولذا ربما قد تتوقع أن تلقى سلوكيات الأقران التي تضر بالبيئة استهجانا من الجميع.
وفي هذه الدراسة، استمع المشاركون إلى حوار مع أحد الطلاب في الجامعة أكد فيه على أهمية المشي أو ركوب الدراجة بدلا من القيادة في المسافات القصيرة، وفي نهاية الحوار أعلن أنه جاء إلى مكان الحوار بالسيارة. وبعدها سئل الطلاب عن آرائهم الخاصة عن البيئة.
وتقول غافني: "نحن نغير مواقفنا عندما نرى شخصا من الجماعة التي ننتمي إليها يتصرف بطريقة لا تتسق مع المواقف التي نتبناها. وبدلا من أن أشعر بالإحراج بسبب نفاق هذا الشخص، أغير مواقفي كرد فعل لسلوكياته لأنني أرى التشابه بيننا وأرى أنه امتداد لذاتي".
واستندت هذه الدراسة إلى دراسة أخرى عن وسائل الوقاية من الشمس، التي أثبتت أيضا أن الناس يتراخون في مواقفهم إذا وجدوا أن أحد أفراد المجموعة يأتي سلوكيات تخالف أقواله ومعتقداته، في الوقت الذي يتوقع الجميع الحذر الشديد من مخاطر أشعة الشمس.
وقد يؤثر أيضا نقاشنا مع الأصدقاء بصدد خياراتنا الصحية على قراراتنا، سلبا وإيجابا. إذ أوضح تحليل للدراسات شمل 28 دراسة، أن التحدث عن حملة القضاء على التدخين مع الأصدقاء ساهم في الحد من استهلاك السجائر.
وتقول كريستين شولز، من جامعة أمستردام: "إن العادات الصحية الخاطئة التي يمكن تجنبها، مثل التدخين والسمنة، هي أكبر مسببات الموت، وهناك الكثير من المعلومات المتاحة عنها على الإنترنت. لكن أفعال وسلوكيات الأصدقاء قد تؤثر، شعوريا أو لا شعوريا، على قرارنا بالامتثال للنصائح الصحية أو تجاهلها".
وسألت شولز بعض طلاب الجامعة في الولايات المتحدة إن كانوا تحدثوا مع أصدقائهم حول تجاربهم مع الخمر، وما إن كانت هذه الأحاديث إيجابية أم سلبية. وذكر الطلاب أنهم كلما تحدث معهم أصدقاؤهم بطريقة إيجابية عن الخمر، زاد إقبالهم على تناول كميات أكبر في اليوم التالي، والعكس صحيح. وهذه الأنماط من الاستهلاك تخضع للبيئات الاجتماعية التي نكون فيها.
وعندما نتخذ قرارات فإننا نمعن النظر في القيمة التي سنجنيها من وراء كل خيار من الخيارات، ويطلق على هذه العملية اسم "تعظيم القيمة". إذ يعتمد قرار صعود الدرج بدلا من ركوب المصعد على سبيل المثال، على عوامل كثيرة مثل مقدار الطعام الذي تناولناه وعدد الخطوات التي مشيناها في هذا اليوم، ودخولنا المبنى مع صديق رياضي. ولهذا تتفاوت إرادتنا على مدار اليوم.
وعندما يطرح علينا سؤال، تتأثر خياراتنا بالأشخاص الذين نكون بصحبتهم وقت طرحه، وطريقة استجابتهم وطبيعة الأحاديث التي دارت بيننا، وكذلك رؤيتنا لمعايير هذه المجموعة من الأصدقاء. وقد نختصر الطريق وننظر إلى سلوكياتهم ونحاكيها. لكننا لا ندرك مدى تأثير ذلك على حياتنا.
وتقول سوزان هيغز، باحثة في العوامل البيولوجية والنفسية للشهية بجامعة برمنغهام : "نحن لدينا استعداد فطري للاسترشاد بسلوكيات الآخرين الذين نأكل معهم. إذ أشارت الكثير من الدراسات إلى أننا نأكل كميات أكبر من الأطعمة عندما نكون بصحبة أشخاص يأكلون بشراهة. وقد يعزي الناس إقبالهم على تناول الطعام إلى المذاق أو السعر أو الجوع ولا يدركون أن السبب الرئيسي هو الصحبة".
وقد أجرت هيغز دراسة في المعمل، طلبت فيها من المشاركين تناول الطعام إما مع صديق أو بمفردهم، وانتهت إلى أن وجود شخص آخر يؤثر على قدرتنا على تمييز علامات الشبع، التي قد تطغى عليها رغبتنا في محاكاة الأصدقاء بتناول المزيد من الأطعمة. وقد ثبت أيضا أن مشاهدة التلفاز تشتت انتباهنا وتدفعنا لتناول كميات أكبر من الأطعمة.
ونقلت هيغز أبحاثها إلى المطاعم، حيث وضعت لافتات لتشجيع الناس على تناول الخضروات عن طريق تقديم معلومات عن خيارات الآخرين. وعرضت هيغز في اللافتات بيانات غير حقيقية عن الأطباق الجانبية التي اختارتها الغالبية العظمى من الزبائن، ووضعت في مقدمتها طبق خضروات.
وتقول هيغز: "وصفت هذه اللافتات سلوكيات الآخرين، وكان هذا كافيا لحث الناس على اتباعها. فعندما ندخل بيئة جديدة نبحث عن علامات نستدل بها على التصرف اللائق، وقد يساعدنا التعرف على الخيار الأكثر رواجا في تحديد قراراتنا".
واللافت أن الناس ظلوا يختارون نفس الأطباق التي تصدرت القائمة في اللافتات حتى بعد إزالتها. وتقول هيغز: "نحن نشعر بسعادة عندما نسلك السلوكيات المقبولة في مجتمع ما لأنها تشعرنا بالانتماء لهذا المجتمع. وإذا انضممت إلى مجموعة اجتماعية جديدة فأغلب الظن أنك ستحاكي سلوكياتهم".
ربما لا نتخذ دائما قراراتنا بمحض إرادتنا، لكننا قد نستخدم تأثيرنا على الآخرين لنشر سلوكيات إيجابية. وتقول شولز إن السلوكيات السلبية تنتشر بين مجموعة من الناس بنفس الطريقة التي تنتشر بها السلوكيات الإيجابية.
فيديو قد يعجبك: