ما الذي يراهن عليه الحوثيون في حربهم مع إسرائيل؟
بي بي سي
بدون تناسب ٍأو توازنٍ في موازين القوى بين إسرائيل والحوثيين، تستمر مواجهةٌ غير عادلة وغير مقبولة بمنطق التاريخ والسياسة وقوانين الحرب في ما يبدو نوعاً من الانتحار السياسي وليس العسكري فقط.
فكيف يبدو الحوثيون أمام إسرائيل؟ وكيف يفهم الحوثيون إسرائيل، بل ما الرؤية العالمية لصراع هذين الطرفين؟
إسرائيل كدولةٍ تمتلك واحداً من أقوى الجيوش في العالم، عدداً وعدةً وعتاداً، وتتمتع بدعمٍ غربيٍ، أوروبيٍ وأمريكي على وجه الخصوص، بينما لا يدرك الحوثيون، كما يرى بعضهم، أنهم ليسوا أكثر من جماعة عقائدية جهادية لا تزيد قوتها عن كميات غير معروفةٍ العدد من الصواريخ البالستية والطائرات المسيَّرة، وبضع آلافٍ من الجهاديين جرى تدريبهم على أيدي خبراء من إيران وحزب الله اللبناني لاستخدام تلك الصواريخ والمسيرات.
ومع انهيار وتحطم معظم أضلاع "محور المقاومة" المدعوم من قبل إيران في كلٍ من لبنان وسوريا وانكفائه في العراق، وتراجع إيران نفسها، يحاول الحوثيين ملء الفراغ الناجم عن ذلك الإصرار على الاستمرار في إطلاق صواريخهم وطائراتهم المسيرة على إسرائيل وبعض الأهداف البحرية التي يزعمون أن لها صلة بإسرائيل.
يحدث ذلك رغم فشل معظم هجماتهم إن لم تكن كلها في إصابة أهدافها إما بسبب اعتراضها من قبل إسرائيل والقوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة، أو بسبب عدم دقة توجييها نحو أهدافها المتوخاة على النحو المطلوب.
وفي الأيام الأخيرة تجاوزت المواجهة بين إسرائيل والحوثيين ما كان يبدو فعلاً ورد فعل وهجوما مقابل هجوم إلى مرحلة كسر عظام، خصوصاً بعد استهداف إسرائيل لمنشآت حيويةٍ في مناطق سيطرة الحوثيين، مثل الموانئ ومحطات الطاقة الكهربائية ومطار صنعاء الدولي.
ترى صحيفة "معاريف" الإسرائيلية استناداً إلى مصادرها أنه لا خيار أمام إسرائيل سوى: "فرض حصار بحري بالتعاون مع وكالات استخبارات دولية" والتخطيط لمعركة فاصلة ثم التوجه نحو طهران"، هذا من الجانب الإسرائيلي.
ما هي رهانات الحوثيين؟
يراهن الحوثيون في مواجهتهم الحالية مع إسرائيل تحديداً على عنصرين:
أولاً: البعد الجغرافي
يبلغ طول المسافة بين اليمن وإسرائيل (2000 كيلو متر مربع)، لكن هذا في نظر خبراء عسكريين، يبدو رهاناً غير واقعي، وخصوصاً مع امتلاك إسرائيل لقوةٍ جويةٍ ضاربةٍ، والأخطر من ذلك، تمتعها بقاعدة عسكرية في جزيرة (دهلك) الإريترية القريبة والمقابلة للشواطئ اليمنية، وحصولها على تسهيلات وقدرات تجسسية متقدمة منذ سنوات إن لم يكن منذ عقود، تسمح لها برصد وتعقب قيادات الحوثيين حتى في باطن الأرض، على غرار استهداف معظم قيادات الصف الأول في حزب الله اللبناني حتى بعد ما عرف بتفجيرات "البيجر" الشهيرة.
إن عدم استهداف الحوثيين لقاعدة إسرائيل العسكرية في (دهلك) أمرٌ غريبٌ ولا يوجد له تفسيرٌ إلاّ لسببٍ واحد تقريباً، وهو أن إيران تتمتع هي الأخرى، ومنذ عشرين عاماً على الأقل، بتسهيلات عسكرية مماثلة إن لم تكن تمتلك قاعدة أو موطئ قدم لها في هذه الجزيرة الاستراتيجية جنوبي البحر الأحمر.
خلال جولتين من الحرب الحدودية بين إريتريا وإثيوبيا بين عامي 1998 و2000 عاينت بنفسي أنواعاً من الألغام الفردية الإيرانية التي زرعها الإريتريون بامتداد حدودها مع إثيوبيا لمنع تقدم قوات الأخيرة نحوها، ما يدل على تعاونٍ عسكريٍ قديمٍ بين طهران وأسمرا.
ثانياً: التكلفة المادية
الرهان الآخر للحوثيين يقوم على أساس أن الكلفة المالية لإسرائيل في هذه المواجهة ستجبرها على التوقف، وهذا بحد ذاته وهْمٌ كبير، فإسرائيل هي في نظر بعضهم لا يعوزها التمويل ولا التسليح خصوصاً مع تخصيص الولايات المتحدة الأمريكية لعشرات المليارات من الدولارات لدعم المجهود الحربي لاسرائيل، ناهيك عن إرسال حاملات الطائرات العملاقة لضمان أمن إسرائيل من أي هجمات محتملة في المنطقة.
ما هو خيار الحوثيين الأخير؟
يبدو جلياً من التهديدات الإسرائيلية الأخيرة للحوثيين، أن هذه المواجهة دخلت مرحلة اللاعودة، وأن خطط الإسرائيليين ماضية في طريقها إلى التنفيذ بكل "قوة" كما يرى بعضهم.
إن المشكلة لدى الحوثيين أنهم لم يتركوا لأنفسهم خطاً للتراجع، فإما أن ينتصروا في هذه المعركة - وهذا أمر مستحيل - أو أن يلقوا نفس مصير حركة "حماس" في قطاع غزة و "حزب الله" في لبنان، وهذا أمرٌ غير مستبعد، وخاصة أن جماعة الحوثيين عرضة للاستهداف ليس من قبل إسرائيل والغرب فقط، بل ومن قبل دول الجوار والداخل اليمني وحتى في مناطق سيطرتها.
السؤال الأهم، ماذا بعد؟
يدور الآن كثير من النقاش حول المرحلة المقبلة على نطاق واسع محلياً وإقليمياً وعالمياً، وما إذا كان الحوثيين إلى زوال أم أن الفرصة لا تزال متاحةً أمامهم للتكيف مع شروط المتغيرات القائمة بعد كل ما حدث في غزة ولبنان وسوريا ويجري العمل عليه في العراق.
ويرى السياسي اليمني، عبدالله سلام الحكيمي، أن "الحوثيين سيرتبون أمورهم بناءً على تقديراتهم للمستقبل، فإذا رأوا أن ضمان بقائهم يستدعي الانصياع للأمريكيين وحتى للإسرائيليين، فسيقومون بعملية دوران كاملة إلى الخلف".
لكن الحكيمي يعتقد أن "أي عمل عسكري خارجي مباشر أو داعم للقوى المحلية المتنافرة المرتبطة بالسعودية والإمارات وغيرهما بغطاء جوي وقصف من بوارج بحرية ضد الحوثيين في صنعاء والشمال اليمني، غالبا لن يحقق الأهداف المرجوة منه" وذلك لأسبابٍ عدة بحسب رأيه، منها أن القوى المحلية المتعددة والمتنافرة تعاني من تشرذم وتضارب أجندات ومصالح، كما أن عشر سنوات من الحرب فاقمت على نحو كارثي الوضع المعيشي والإنساني، إلى جانب أن منطقة الهضبة الشمالية ومحورها صنعاء كان تاريخياً ولعقود طويلة، سلطة الحكم وحاميته وهي كتلة بشرية صلبة ومتمرسة في القتال ومسلحة على نطاق واسع".
ويقول الكاتب اليمني، حسن العديني، في حديثه مع بي بي سي: "لن تدخل واشنطن في حرب مع إيران ولا مع أذرعها بمن فيهم الحوثيون، فالأمر خاضع في النهاية لتقديرات الجانبين، فإذا وجد الحوثيون، مثلاً مصلحة في ذلك، ما الضير من الاستمرار في هذه المعادلة، ولا سيما أن جلّ همهم هو البقاء في الحكم".
غير أن المحلل السياسي، عبد الحفيظ النهاري، يرى أنه يمكن تصور مرحلة ما بعد الحوثي من خلال خارطة طريق أممية مطروحة منذ عام 2022، تركز على حوار سياسي يفضي إلى فترة انتقالية تشاركية لكل الأطراف.
ويعتقد النهاري أن هذه الترويكا الانتقالية يمكن أن "تعمل على استعادة التعافي الاقتصادي، وترميم آثار الحرب، وتوحيد مؤسسات الدولة، وإعادة وضع السلاح تحت سلطة وزارة الدفاع الانتقالية ووزارة الداخلية، وصياغة دستورية جديدة تتناسب مع المتغيرات، تفضي إلى انتخابات رئاسية وتشريعية بعد الفترة الانتقالية.
لكن هذا الطرح يظل في رأي النهاري مثالياً، "فربما تتغير الرموز ويتغير اللاعبون قبل الوصول إلى هذه المرحلة، إذ أن تصور مرحلة ما بعد الحوثي بدون حوثيين لا تزال خارج ذهن المجتمع الدولي والتحالف الإقليمي والشرعية اليمنية" كما يقول النهاري الذي يرى أن الحوثيين أصبحوا في نظر كثيرين في عدد من العواصم الغربية، بعد هجماتهم الأخيرة على إسرائيل وفي عرض البحار، "مشكلةً عالمية" وباتت معالجة هذه المعضلة تتطلب جهداً وتنسيقاً دوليين بما في ذلك المشاركة في تحمل الأعباء المالية والعسكرية لمهمةٍ ضخمةٍ كهذه، و لكن لا أحد يتحدث عن حلٍ بديل، بل يجمع كثيرون على أنه " إذا انهارت مليشيا الحوثيين بشكل درامي كما حدث في سوريا وجنوب لبنان فإن الشرعية والمجتمع الدولي والإقليمي ربما تكون غير جاهزة لحكم منضبط في البلاد" وهذا أمرٌ خطير في بلدٍ كبير يضم أكثر من خمسة وثلاثين مليون إنسان وتبلغ مساحته أكثر من نصف مليون كيلومتر مربع ويطل على سواحل تتحكم بأهم الممرات المائية في العالم".
فيديو قد يعجبك: