كيف تعاونت إيران وروسيا في نقل الأسلحة عبر سوريا؟
أسلحة وذخائر إيرانية الصنع وجدت طريقها إلى لبنان ع
بي بي سي
أدت الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد أواخر العام الماضي إلى زوال واحدة من أهم دعائم نفوذ روسيا في الشرق الأوسط بين عشية وضحاها.
وأدى ذلك أيضاً إلى الإضرار بالبيئة الغامضة التي عملت فيها موسكو وطهران على تعميق علاقاتهما في الوقت الذي كانتا تعملان فيه على توصيل الإمدادات السرية من الأسلحة إلى مختلف أنحاء المنطقة.
وتسلط بي بي سي في هذا التقرير الضوء على التفاصيل اللوجستية المتعلقة بتجارة الأسلحة المشبوهة أثناء حكم الأسد، وتتساءل عما قد يحدث الآن بعد رحيله.
بطانيات متفجرة
بثت قناة الدعاية الروسية آر تي، مقطع فيديو غير عادي، في الأول من أكتوبر 2024، مدته خمس دقائق. وكان الفيديو يعرض تسجيلاً بدون أي تعليق لأحداث تجري في مطار مدينة اللاذقية الساحلية السورية.
وحملت هذه المنشأة اسم شقيق الأسد الأكبر، باسل، ومنذ عام 2015 أصبحت القاعدة الرئيسية للقوات المسلحة الروسية المنتشرة في البلاد.
ويبدأ الفيديو بلقطة طويلة تظهر اسم المطار قبل أن تظهر طائرة شحن من طراز بوينغ تحمل شعار شركة الطيران الإيرانية "قشم فارس إير" وهي تهبط على المدرج. ثم تظهر اللقطات الطائرة وهي تُفرغ حمولتها.
وأظهر الفيديو أيضاً إنزال عدد كبير من الأكياس من الطائرة بينما يصور رجلان، يرتديان زياً مموهاً يحمل شعار الشرطة العسكرية الروسية، العملية بكاميرات هواتفهم. وعندما قطعت تلك الأكياس كشفت الكاميرا عن من مجموعات من البطانيات الخضراء، وانتهت اللقطات عند هذا الحد.
وفي تقرير بُث بعد ذلك، قال مسؤول إن سوريا رحبت بالشحنة باعتبارها مساعدات إنسانية من روسيا "للاجئين ونازحين".
وبعد يومين من بث ذلك الفيديو، تناقلت وسائل إعلام دولية أنباء عن غارة جوية إسرائيلية على مستودع بالقرب من قاعدة حميميم العسكرية الروسية. وبثت القناة الروسية فيديو لما أسفر عنه الحادث، والذي لم يظهر فقط الحريق الناتج عن الغارة، لكنه أظهر أيضاً ما يُعرف بانفجارات ثانوية. ويعتقد البعض أن هناك علاقة بين الفيديو الذي بثته قناة أر تي والغارة الجوية التي جاءت في إثره.
وقال مصدر من بي بي سي مطلع على مجريات الأمور في حميميم: "الجميع يعلمون أن البطانيات يمكن أن تنفجر أيضاً". وعندما سألناه عما إذا كانت إيران تشحن الأسلحة باستخدام القنوات العسكرية الروسية المسؤولة عن توزيع "المساعدات"، قال مصدرنا، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "ماذا تتوقعون مني أن أقول؟ لقد انفجرت تلك "البطانيات" بقوة لدرجة أنها كادت تقضي على حميميم بالكامل".
ولا تشكل حميميم مركز العبور الرئيسي لإيران إلى لبنان، وفقاً لنيكيتا سماغين، الخبير في شؤون المنطقة الذي قال: "كانت إيران تمتلك ممراً لوجستياً برياً هاجمته إسرائيل بانتظام. لكن معظم ما مر عبره وصل إلى سوريا ولبنان على أي حال، ولكن ليس عبر القواعد الروسية". ويرى سماغين أن هذه الأخيرة طرق غير مهمة نسبياً لمثل هذه الشحنات، والتي - مع التغيير في القيادة السورية - قد تصبح أكثر أهمية.
وأضاف: "خسرت إيران كل شيء تقريباً في سوريا، لأن البلاد خرجت من دائرة نفوذها. ومن الناحية النظرية، لا يزال من الممكن أن تمر شحنات قليلة عبر حميميم. ولكن إذا سمحت روسيا بذلك، فقد تتراجع فرص توصلها إلى اتفاق مع السلطات السورية الجديدة إلى حدٍ كبيرٍ".
والتقينا ساريت زهافي، المتخصصة في شؤون المخابرات الحربية حملت رتبة عقيد قبل تقاعدها من الجيش الإسرائيلي، وتدير مركز "ألما" للأبحاث والتعليم في إسرائيل. وقالت: زهافي: "لاحظنا للمرة الأولى وجود طائرات إيرانية يُعرف عنها أنها تستخدم في نقل الأسلحة في جميع أنحاء المنطقة في قاعدة حميميم الجوية في أوائل 2023".
"دروع بشرية روسية"
وأضافت زيهافي: "لقد ضربت إسرائيل مطارات أخرى في سوريا، في دمشق وحلب، ولم تتمكن (إيران) من الهبوط هناك. لذلك وجدت بديلاً".
وأشارت إلى أن مركز الأبحاث الذي تديره حذر عندما هبطت الطائرات الإيرانية لأول مرة في حميميم من أنها قد تصبح مركزاً لشحنات الأسلحة ــ مع استغلال الروس كدروع بشرية ضد الهجوم الإسرائيلي.
صواريخ كورنيت في غرفة اللعب
في نوفمبر، نشر الجيش الإسرائيلي مقطع فيديو، قيل إنه صُور في جنوب لبنان. وفي هذا المقطع، يمكن رؤية غرفة غير مرتبة بها أكياس وصناديق وألعاب متناثرة في كل مكان- وكأن أصحابها قد غادروا المكان على عجل. ويظهر في اللقطة جندي ثم تنتقل الكاميرا إلى حاجز مكسور في إحدى زوايا الغرفة.
وقال أحد المشاركين في هذه المداهمة لبي بي سي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "دخلنا غرفة طفل بها جدار وهمي. هدمنا الجدار، بعدها اكتشفنا أول شيء".
كان المكان عبارة عن مخبأ للأسلحة روسية الصنع، ولم يعثر جنود الجيش الإسرائيلي على بنادق كلاشينكوف فحسب، بل عثروا أيضاً على رؤوس حربية لنظام صواريخ كورنيت المضادة للدبابات. كما عثروا على نتائج مماثلة في منازل أخرى في المنطقة.
وأضاف الجندي "هذا النوع من الأسلحة مخصص لمهاجمة المدن وليس للاشتباك مع القوات الإسرائيلية. وفي المتوسط، ربما كان كل منزل يحتوي على ما يكفي من الأسلحة لفرقة من خمسة أو ستة مقاتلين". وكان المسلحون الذين انسحبوا من هذا المنزل قد أخذوا قاذفة كورنيت، مخلفين وراءهم الصندوق الذي جاءت فيه. ويمكن رؤية ذلك في الصور التي شاهدتها عبر شبكة بي بي سي.
وتظهر الصور نوعين من نظام كورنيت. الأول يستخدم كرؤوس حربية مزدوجة يخترق الدروع وينفجر مرة ثانية داخل المركبة. والثاني، مزود بصاروخ شديد الانفجار يستهدف المشاة. وفي كلتا الحالتين، يمكن أن يصل المدى إلى أكثر من خمسة كيلومترات. وعلى خط مستقيم، تبلغ المسافة من هذه القرى إلى المدن الإسرائيلية ثلاثة كيلومترات، وفقاً للجندي الإسرائيلي الذي تحدثنا معه.
وأشار إلى أن صواريخ كورنيت تم التخلي عنها بسبب صعوبة نقلها سراً. ومن المحتمل أن ترسانة الأسلحة نُقلت من سوريا إلى جنوب لبنان براً. وبحلول الخريف، كانت الطرق المذكورة مستهدفة من قبل سلاح الجو الإسرائيلي.
مسار صواريخ الكورنيت
يرى الجندي الذي تحدثنا معه أن الأسلحة وصلت إلى لبنان من سوريا. وعثر جنود إسرائيليون على أموال سورية في المنازل التي داهموها، مما يدعم تحليله للموقف.
لكن الأختام التي عثر عليها مع الأسلحة، الصادرة عن وكالة تصدير الذخيرة الروسية، تعني أن صواريخ كورنيت بيعت إلى منظمة رسمية مصرح لها باستيرادها، وفقاً لمصدر بي بي سي الذي تحدث إلينا.
وقال المصدر: "أول منظمة تتبادر إلى الذهن وسط هذه الأوضاع هي الجيش السوري، جيش الأسد. وكما نعلم، كانت له علاقات وثيقة مع حزب الله السوري، الذي بدوره لديه علاقات وثيقة مع حزب الله اللبناني".
وأكد مصدر مخابراتي غربي، تحدث لبي بي سي شريطة عدم الكشف عن هويته، أن معظم الأسلحة الروسية التي عثر عليها الجيش الإسرائيلي في لبنان وصلت إلى هناك بمعرفة الجيش الوطني السوري.
وذكر تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، نقلاً عن مصادر مجهولة، أن بعض صواريخ كورنيت التي عُثر عليها في جنوب لبنان صُنعت في 2020 وكانت ضمن مخزونات سلاح روسية في سوريا. وقبل العثور عليها، كانت القيادة العسكرية الإسرائيلية تعتقد أن حزب الله يمتلك مخزوناً قديماً من الحقبة السوفيتية فقط.
وقال سماغين إن نظام الأسد كان يزود حزب الله السوري بالأسلحة الروسية حتى سقوطه، ثم ينقلها إلى لبنان. أما روسيا فقد غضت الطرف عن ذلك.
وأضاف: "لا أعتقد أنهم لم يكونوا على علم بأنهم يفقدون كميات من هذه الأسلحة، وهو ما قد يرجع إلى عجزهم عن منع ذلك أو لعدم توافر الإرادة لديهم لمنعه".
وأشار إلى أنه حتى عام 2022، كانت روسيا تقدر علاقتها مع إسرائيل إلى حدٍ كبيرٍ لدرجة أنها لم تبدأ في السماح علناً بإمدادات الأسلحة لحزب الله.
وأضاف: "تغير الوضع بشكل واضح، وأصبح رأي إسرائيل أقل أهمية. ولكن مع ذلك، لا يوجد تأكيد على أن روسيا زودت حزب الله بالأسلحة بشكل مباشر".
وكان حزب الله حليفاً رئيسياً للجيش السوري، وكان يتصرف بالتنسيق مع القوات الروسية المتمركزة في سوريا. لكن الخسائر الفادحة التي تكبدها جراء الضربات الإسرائيلية أضعفت الحركة بشكل خطير. وفي المقابل، كان هذا أحد العوامل التي أدت إلى الإطاحة المفاجئة ببشار الأسد نفسه.
بعد ذلك، تحركت القوات الجوية الإسرائيلية بسرعة لاستهداف مستودعات الأسلحة المتبقية في سوريا. ويقال إن ما يصل إلى 80 في المئة من ترسانة الأسلحة السورية قد تم تدميرها. ولم يتبق سوى القليل مما يمكن للسلطات الجديدة في البلاد نقله إلى حزب الله، حتى لو أرادت ذلك.
كما انتقلت السلطة في سوريا الآن إلى الفصائل العسكرية المعادية لإيران. وما قد يحدث للقواعد الروسية ــ ووسائل طهران الأخرى للتوزيع في سوريا ــ يظل سؤالا بالغ الأهمية يبقى بلا إجابة حتى الآن.
فيديو قد يعجبك: