مصراوي يحقق.. لماذا انتحر "سايس" إمبابة تاركًا أطفاله الثلاثة؟
كتب- محمد شعبان:
في حفل عائلي مٌبهج، تحققت آمال "مسعود علي بسيوني" بزواجه من الفتاة التي جذبت قلبه وعقله، تلك البهجة دامت 7 سنوات فقط، بعدها عرفت المشاكل طريقها إلى عش الزوجية فانتهت بالطلاق، تاركة 3 أطفال في عهدة الأب الذي لم يستطع تحمل مرارة فراقها، ليكتب الفصل الأخير من حياته بيده.
7 سنوات قضاها صاحب الـ29 عامًا مع زوجته أماني 25 عامًا، حيث تربطهما صلة قرابة تعود جذورها للقرية الثانية بمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، فرزقا بـ"كرم" 6 أعوام، وبلال، و"ريتاج" التي لم تكمل عامها الثاني.
رويدًا رويدًا، زادت حدة الخلافات الزوجية، وسط تكرار تعدي رب الأسرة على زوجته بالضرب، لتقرر بعدها ترك المنزل، والذهاب للإقامة لدى عائلتها، وسط محاولات من أشقاء الزوج الثلاثة لإقناع والدها بإنهاء الخلاف، والعودة مجددا للعيش في كنف زوجها بمنطقة إمبابة.
محاولات للصلح استمرت قرابة العام، حسمت الزوجة بعدها قرارها وأبلغت أهلها: "مش هرجعله تاني.. كل اللي بينا انتهى" ليقرر الزوج وأشقاؤه الثلاثة السفر إلى مسقط رأسهم للمرة الأخيرة، علّها تعدل عن قرارها، لكن سبق السيف العذل وتدخل والدها بصوت جهور"يمين طلاق بنتي ما هي راجعة تاني"، يقول عمار، 41 عامًا، الشقيق الأكبر للزوج، إن الطلاق حدث مع آذان الفجر"جاب المأذون والناس رايحة تصلي".
طوال الطريق من الفيوم إلى الجيزة، يسترجع "مسعود" شريط ذكرياته مع "أماني" بدءًا من عقد قرانهما وانتهاءً بإصرارها على الطلاق، بل وترك رضيعتها "ريتاج" البالغة من العمر عام و3 أشهر بعيدًا عن أحضانها بدلا من التمسك بها، لكن قلبه حدثه بأن الأمور ستعود إلى نصابها الصحيح مرة أخرى.
"أخويا كان شغال في كل حاجة.. قهوجي، مبلط، عامل باليومية، سايس"، يشير "عمار" إلى أن شقيقه الأصغر "مسعود" دخل في أزمة نفسية، حزنًا على انفصاله عن زوجته، لكنه كان يعيش على أمل عودتها لعصمته، ذلك الحُلم تبخر مع مكالمة هاتفية تلقاها "مسعود" من أحد أقاربه "أماني اتجوّزت" ليقع هاتان الكلمتان عليه كالصاعقة.
لم يحتمل "مسعود" تخيل مطلقته في أحضان زوجها بائع الخضروات بمنطقة المعادي، جن جنونه، وساءت حالته النفسية، وسط محاولات أشقاءه بإقناعه بالزواج من ثانية لتربية الأطفال "لمينا من بعضنا 2000 جنيه علشان نجوّزه"، يوضح عمار أن شقيقه الأصغر رفض مبادرتهم "أنا اللي هراعي عيالي".
الأمور زادت تعقيدًا، فالرجل أصيب بأزمة نفسية، وراح يحدث نفسه أمام المارة، ويقول لأشقائه "بكلم المسيح والعذراء مريم"، يؤكد شقيقه الأكبر أنهم أجروا له فحوصات طبية وأحضروا له عددا من المشايخ "ناس قالت سليم، وناس قالوا إن مسه جان".
عقب التنقل بين عدة مهن، استقر"مسعود" على العمل، كحارس جراج بشارع حورس المتفرع من أرض الحداد بإمبابة مقابل 1200 جنيه شهرياً، وراح يقضي غالبية ساعات اليوم داخل غرفة بسيطة تضم سريرا ونافذة صغيرة يتسلل منها الضوء ومنضدة صغيرة يضع عليها "سبحة خضراء" يستخدمها لأخذ ورده اليومي، "مسعود كان متدين ومواظب على الصلاة جماعة" يؤكد شقيقه الأكبر.
صباح الخميس، استيقظ"مسعود"من النوم مبكرا كعادته، وراح يتجول في شوارع غير ممهدة بالحارة الضيقة متراصة العقارات، وأمسك بعصا خشبية، يلقي السلام على شقيقه الأكبر "عمار" الذي كان يجلس على مقهى مجاور للجراج محل عمله، لكنه كان يتلفظ بعبارات خارجة "كان عصبي جدا يومها".
يتوجه الشقيقان عما وشريف إلى غرفة "عمار" بالجراج، معربين عن استيائهما مما بدر منه "قولنا له ده عيب وحرام" ليقطع حديثهما صوت المؤذن بصلاة الظهر، يتوجه بعدها الأشقاء الثلاثة إلى المسجد للصلاة جماعة، راجين من المولى عزَّ وجلَّ عودة "مسعود" إلى رشده، لينصرف كل منهم بعدها إلى محل عمله.
مع وصول "عمار" إلى محل عمله، يتلقى اتصالا من شقيقه "شريف": "تعالى دلوقتي، مش هينفع أقولك" يهرول بعدها إلى المنطقة ليتلقى الفاجعة "أخوك شنق نفسه" ليتذكر معها "عمار" جملة قالها له شقيقه الأصغر منذ أسبوع "أنا شربت السم ومعملش حاجة"، لتسود المنطقة حالة حزن على انتحار الشاب المتدين "الكل كان بيبكي عليه،" يوضح شقيقه "عمار".
هرولت الأم صاحبة الـ61 عاما إلى محل الواقعة، متمنية أن يكون ذلك مجرد كابوس، لكنها استفاقت على الحقيقة الصادمة برؤية جثمان فلذة كبدها في طريقه إلى عربة الإسعاف لإيداعه بالمشرحة "كان متصل بيا وقالي جاي، هو مجاش ليه، مشي وخد حتة من قلبي معاه" كلمات اعتصرت معها قلوب قاطني المنطقة.
بعد دفنه ببلدته، اصطحب العم أبناء شقيقه إلى المنزل، وعلى مائدة الطعام دار حديًثا بينه، حاول "العم" إطعام طفلة "مسعود" الصغيرة، فأزاح كرم يد عمه "من النهارده، أنا أخوها الكبير وأبوها.. طول ما أنا عايش مش هخلي حد من عيال أخويا يقول ماما".
فيديو قد يعجبك: