حكاية "أسطورة أكتوبر".. عذّب شقيقه الأصغر ضربا وحرقًا بالسجائر حتى الموت
كتب - محمد شعبان:
في ساعة متأخرة، بعد منتصف الليل، تسلل الطفل "علاء" - 5 سنوات - من شقة أسرته، وهبط درجات السُلم بخطوات خائفة، متوجها إلى شقة أسرة صديقه "عبدالرحمن". طرق الباب عدة مرات، حتى فتحت له والدة صديقه. تفحصت الجارة وجه "علاء"، فوجدته مُنتفخًا، تعلوه كدمات زرقاء تكشف الضرب المُبرح الذي تلقاه الطفل.
قطع "علاء" نظرات الجارة، وخاطبها في صوت مكتوم "أنا جعان.. وعاوز آكل.. وأخويا الكبير محمد ضربني وكان هيموتني". أدخلته أم عبدالرحمن بيتها، ونادت على ابنها لكي يجلس مع صديقه.
للمصادفة، يدعى الشقيق محمد رمضان، ويحمل أيضا لقب "الأسطورة". كان محمد يمثل صداعا لأسرته فحسب بل لكل أهالي منطقة "مساكن عثمان" بمدينة 6 أكتوبر فقط، وكان شقيقه الأصغر "علاء" الأكثر تعرضا للأذى منه، بل إن والدته "عواطف" لم تسلم هى الأخرى من الأذى.
قبل عامين، جاءت "عواطف" إلى المنطقة لاستئجار شقة عقب انفصالها عن زوجها الثاني الذي رُزقت منه بـ 4 أبناء، إضافة إلى 2 من زوجها الأول، وحصلت بموجب بحث اجتماعي على شقة تمليك عاشت فيها مع أطفالها الأربعة "عمر، علاء، عمار، عمرو".
طوال عامين، عُرفت السيدة صاحبة الـ 40 سنة بالخلق الطيب وكانت محل تقدير واحترام الجميع، تخرج من منزلها في السادسة صباح كل يوم تاركة أطفالها بمفردهم بحثا عن لقمة العيش لعدم وجود عائل للأسرة غيرها، وتعود في الرابعة عصرا بما قدره الله لها من رزق.
ومنذ 3 أشهر تغيرت الأمور، فوجئت الأم بقدوم ابنها الأكبر "محمد"، 17 سنة، وفرحت بذلك ظنا أنها وجدت ضالتها بوجود "راجل" يكون بمثابة درع للأسرة وراحت تزف الخبر للجيران "ابني الكبير هيقعد معايا وياخد باله من اخواته"، لكن سرعان ما تبددت فرحتها.
نال محمد لقب "الأسطورة" سريعا في منطقة تضم عددا لا بأس به من أرباب السوابق، عُرف باختلاقه المشكلات بصفة يومية مع جيرانه، ومعاكسة جارته في حضور زوجها، "ده كان رمى أخوه من فوق السطح قبل كده"، يقول الطفل عبدالرحمن.
وقبل 25 يوما، جلس "عبدالله" وأصدقاؤه على مقهى صغير مجاور لعمارتهم، الصمت يخيم على المكان، الساعة تشير إلى الخامسة فجرا، حتى قطعه صراخ "عواطف"، وسارع الجميع لاكتشاف الأمر "لقينا محمد زانق أمه وإخواته في أوضة ونازل فيهم ضرب"، ويقول أحد أهالي المنطقة إنهم أنقذوا الأم وأطفالها من قبضة "الأسطورة".
بمرور الأيام، ازدادت حدة ممارسات الابن الخاطئة مع أشقائه مع ترحيب الأم بكل هذا باعتباره "راجل البيت"، مكتفية بتدخل خاله أحيانا الذي يطالبه بحسن معاملة الأطفال الصغار، والتوقف عن ضربهم، خاصة بعد أن هرب 2 منهم للإقامة مع والدهم، لكن "الأسطورة" لم يهتم. "العيال الصغيرة كانوا بيناموا في الشارع من الخوف" يؤكد مالك مقهى أنه كان يفاجأ بهم في ساعة متأخرة من الليل "عاوزين ننام هنا يا عمو.. محمد بيضربنا فوق".
حاول الجيران التدخل لحماية الأطفال من "نار" شقيقهم الأكبر، خاصة أن آثار الضرب بدت واضحة للجميع، لكن جهودهم باءت بالفشل مع إصرار "الأسطورة" على تقمص دور "رب الأسرة" رغم أنه كان عاطلا يقضي ساعات اليوم بين المنزل والمقهى عقب تركه العمل في ورشة لإصلاح الإطارات بأكتوبر.
لا تزال تفاصيل ما دار قبل 10 أيام بشقة "أم محمد" عالقة في أذهان سكان العقار رقم 297، عندما اعتدى "محمد" بالضرب المبرح على شقيقه الأصغر "علاء"، مستغلا عدم تواجد والدته بالمنزل، ولم يستطع الأهالي إنقاذ الطفل الذي لم يتجاوز 5 سنوات في ظل تهديد شقيقه لهم "ماحدش له دعوة.. أنا باعلمه الأدب".
صباح اليوم التالي، فوجئ أهالي المنطقة بـ "علاء" مصابا بكدمات وسحجات بالجسم "محمد ضربني في كل حتة"، الأمر الذي أثار غضبهم "كنا هنخلص عليه لولا خاله جه وقال هاعقله" يؤكد أحد سكان العمارة أن "محمد" تحول لـ "خميرة عكننة" للمنطقة بأكملها، إضافة إلى أن الطفل علاء كان يحظى بحب الجميع "طفل بتاع ربنا لسانه تقيل في الكلام".
مسلسل اعتداءات "الأسطورة" على أشقائه، وخاصة "علاء" لم يتوقف طيلة 10 أيام، عانى خلالها الأخير، ولاحظ الجيران تدهور حالته الصحية "لون عينيه كان زي الدم".
"في إيه يا أم محمد.. رايحة فين بالواد؟"، لم يحصل "عبدالله" على إجابة أثناء قيادته دراجته النارية عائدا إلى منزله "كانت شايلة علاء ملفوف في ملاية"، فكرر السؤال على الجيران فجاء الرد "علاء تعب وراحت بيه على المستشفى".
أسرع "عبدالله" وصديقاه إلى المستشفى للوقوف إلى جانب جارتهم "مالهاش حد غيرنا"، وفوجئوا بقول الطبيب "البقاء لله.. علاء مات"، لم تتحمل الأم الصدمة، سقطت مغشيا عليها. وبينما يعكف طاقم التمريض بالمستشفى على إفاقتها، حرص "عبدالله" على معرفة سبب الوفاة فأخبره الطبيب "ده واخد علقة موت"، وذكر تقرير مفتش الصحة أن جثة الضحية بها آثار سحجات بالظهر، حروق سجائر بالقدمين والصدر، جروح بالعضو الذكري، وكدمة بالعين اليسرى "لو مكنش ارتكب جريمة كان هيبقى هو المجني عليه.. كنا هنقتله" يؤكد "محسن محمود"، أحد السكان.
أمام رجال المباحث، قررت والدة الطفل "علاء" أن نجلها عمر عصام 15 سنة، طالب، اعتدى على شقيقه بالضرب منذ أيام، وأحدث ما به من إصابات، إلا أن تحريات المقدم علي عبدالكريم، وكيل فرقة مباحث أكتوبر، كشفت كذبها، وأن مرتكب الواقعة شقيق المتوفى من الأم "محمد ر."، 17 سنة، وشهرته "الأسطورة".
وتمكن الرائد أحمد السويركي، معاون مباحث قسم ثالث أكتوبر، من ضبط المتهم، واعترف باعتدائه على الضحية لمنعه من اللهو في الشارع، محدثا به إصابات أودت بحياته.
بعد دقات منتصف الليل، كعادته كل يوم، يجلس عبدالرحمن داخل غرفته، ينتظر طرقات الباب، فهو يعرفها جيدًا، إلا أنه ما يلبث أن يتذكر روح صديقه التي فاضت، وجسده الذي واراه الثرى.
فيديو قد يعجبك: