"قلبي مش حجر.. أنا أمه" .. القصة الكاملة لـ"طفل البلكونة"
كتب- محمد شعبان:
بعد عناء يوم عمل شاق، عادت "هند" إلى منزلها في منطقة حدائق أكتوبر لأخذ قسط من الراحة، ومباشرة أعمال المنزل يوم العطلة، لكن طارئا غير السيناريو الذي وضعته مسبقا؛ إذ اكتشفت ضياع مفتاح الشقة الذي منحت طفلها الأكبر "أسامة" إياه، فما كان منها إلا أن أجبرته على القفز من شرفة الطابق الثالث وصولا إلى الشرفة للدلوف إلى الداخل، دون أن تدري بأنها ستقضي ليلتها خلف قضبان قسم شرطة ثالث أكتوبر.
بينما تنسدل أشعة الشمس بين الغيوم معلنة اقتراب الليل، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لا يتجاوز الدقيقتين و20 ثانية، تظهر خلاله سيدة تدفع طفلا من نافذة لبلكونة الشقة المجاورة وسط صراخ واستغاثة الطفل، وصيحات الجيران بأن الطفل معرض للسقوط.
أثار المقطع حالة من الغضب اجتاحت صفحات السوشيال ميديا كافة، وسط مطالبات بسرعة ضبط المتهمة واصفين إياها: "ست قلبها حجر.. لازم تاخد عقاب قاسي"، ولاحت تساؤلات حول حقيقة المقطع المتداول، عما إذا كان حديثا أو أنه يعود لفترة بعيدة، وسط مزاعم البعض بأن الواقعة دارت أحداثها في حي الأسمرات بمنطقة المقطم في محافظة القاهرة.
هاشتاج "طفل البلكونة" حقق رواجا كبيرًا متخطيًا حاجز المليون مشاهدة في فترة وجيزة، وتوصل المجلس القومي للطفولة والأمومة إلى مكان حدوث الواقعة ظهر أمس الجمعة في منطقة حدائق أكتوبر في محافظة الجيزة، إذ إبلاغ خط نجدة الطفل (16000) -في المحضر رقم 150046- فضلا عن إبلاغ النائب العام المستشار نبيل صادق لاتخاذ اللازم.
الثانية عشرة ونصف بعد منتصف الليل، الأجواء بدت طبيعية داخل أروقة قسم ثالث أكتوبر، يباشر العقيد فوزي عامر، مفتش مباحث القطاع، عمله بفحص بعض القضايا لتقع عيناه على المقطع المتداول، ليتمعن النظر في محتواه، ليبلغ اللواء محمد عبدالتواب نائب مدير مباحث الجيزة، الذي وجه بدوره بسرعة فحص المقطع بالتنسيق مع قطاع المساعدات الفنية بالمديرية.
في أقل من نصف ساعة، بدت الأمور جلية أمام العقيد فوزي عامر، ليوجه بسرعة تحرك مأمورية لضبط "بطلة" الفيديو بعدما أكدت تحريات المقدم إكرامي البطران رئيس مباحث قسم ثالث أكتوبر صحة الفيديو، وأن السيدة التي ظهرت في الفيديو تدعى "هند"، تبلغ من العمر 35 سنة، تعمل "خادمة" في المنازل، وأصل إقامتها محافظة الفيوم.
الواحدة صباحا، تبدلت الأحوال داخل القسم القريب من الظهير الصحراوي، يستعد المقدم إكرامي البطران للخروج في مأمورية بمشاركة معاونيه الرائد أحمد راغب والرائد عمرو الباسل.
15 دقيقة كانت المسافة من القسم وصولا إلى عمارات النيل للإسكان الاجتماعي، الصمت يطبق على المكان، شوارع خلت من المارة، نوافذ عقارات مغلقة مع برودة الطقس، إلا أن صوت سارينة الشرطة بددت كل ذلك وسط تساؤلات البعض: "هو في ايه؟".
صعد رجال الشرطة درجات سلم العقار رقم (13)، وطرقوا باب شقة في الطابق الثالث حتى فوجئ الجيران بصاحبة الـ35 عاما وطفلها "أسامة" رفقة قوات الأمن، إذ تم اصطحابهما إلى ديوان القسم.
بدت "هند" متماسكة بشكل كبير، متمتعة بثبات انفعالي تحسد عليه، -كما وصف أحد ضباط القسم- وكأنها على علم بسبب القبض عليها، لكن أولى الكلمات التي نطق بها لسانها جاءت مفاجئة مع سؤالها عن المقطع المتداول: "أنا أصلا معرفش عنه حاجة.. أول مرة أشوفه لأن ماليش في النت والحاجات دي"، حسب قولها.
"قلبي مش حجر وماكنش قصدي آذيه يا بيه.. ده ضنايا" بهذه الكلمات بررت "هند" فعلتها، مشيرة إلى أنها كانت تحتاج للراحة عقب انتهاء عملها: "بجري على رزق عيالي من النجمة" إلا أنها فوجئت بنجلها الأكبر "أسامة" يخبرها بضياع مفتاح الشقة، وأنها ظنت سهولة تسلق ابنها للمسافة بين الشرفة والنافذة فدفعته أملا في الحصول على المفتاح.
وبسؤالها عن ردة فعلها لدى صرخات طفلها وتكراره كلمة "مش هقدر هموت، وهدور على المفتاح"- نحو 6 مرات كما ظهر في الفيديو- "كل همي كان أفتح الباب"، لتفجر مفاجأة: "في الآخر جبت نجار وفتح الباب".
صاحب الـ13 سنة لم يختلف عن والدته إذ بدا متماسكا أيضا، وأكد ما جاء في الفيديو، موضحا أمام رجال المباحث: "ماما قعدت تضربني علشان ضيعت المفتاح وأنا قعدت أعيط"، ليتم التحفظ عليهما حتى التاسعة صباحا إذ تم ترحيلهما بمأمورية إلى سرايا النيابة العامة.
مع انتشار خبر القبض على الأم، تداول البعض معلومات مغلوطة كون الطفل يتيم الأم، وأن المتهمة ليست والدته، بل زوجة والده، لكن 3 مصادر مسؤولة بقطاع أكتوبر نفت صحتها، مشددة على أن المتهمة هي والدة الطفل "أسامة" ولديها 3 أشقاء آخرين، مؤكدين أنها كانت دائمة التعدي عليه بالضرب.
واتخذت الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، 3 إجراءات عاجلة بشأن الواقعة، إذ وجهت بتوفير جميع خدمات إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للطفل من خلال دار متخصصة تابع لوزارة التضامن لإزالة آثار ما بعد الصدمة التي ستتسبب للطفل في عواقب مستقبلية بسبب تعرضه لخطر محدق.
كما وجهت وزيرة التضامن، بضرورة مناظرة حالة الأم من الناحية النفسية بشكل خاص والأسرة بشكل عام لضمان حمايتهم من الخطر، وعلاجهم إذا لزم الأمر، فضلا عن إجراء بحث اجتماعي للأسرة للوقوف على ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية ومدى الاتزان النفسي للأم وصلاحيتها لرعاية أبنائها.
فيديو قد يعجبك: