"تعالى بنتك اتقتلت".. كواليس جريمة "زياد ونوران" في شقة الجيزة
كتب - محمد شعبان:
عام دراسي جديد تمنى "زياد" أن يكون سعيدًا دون تكرار انتكاسة العام الماضي، بدأ ماراثون الثانوية العامة مفعمًا برغبة جامحة في تجاوز الصعاب خاصة التخلص من معايرة شقيقته الصغرى الدائمة له، إلا أن أحلامه تبددت وانتهى به الحال خلف القضبان متهمًا بقتل أقرب الناس إليه.
داخل شقة متواضعة بأحد الشوارع المتفرعة من شارع المحطة الشهير بمحافظة الجيزة، استقر الحال بـ"سيد" وزوجته التي تصغره بنحو خمس سنوات، قطعا على نفسيهما وعدا بمواصلة السير سويا مهما بلغت الصعوبات وبناء عش زوجية يسوده التفاهم والحب.
رُزق الزوجان بطفلين وهما: "زياد" و"نوران"، فأضحى جُل هدفهما تنشئة فلذتي كبديهما على الأخلاق الحميدة وغرس المعلومات والمعارف التي من شأنها تجعلهما قادرين على مواجهة الحياة.
2018 لم تكن سعيدة على "زياد" الطالب بالمرحلة الثانوية العامة، إذ جانبه الحظ في تخطي تلك المحطة المهمة في حياته العلمية إثر رسوبه في إحدى المواد الدراسية رغم اجتهاده في المذاكرة، الأمر الذي أثر بالسلب على سلوكياته، فبات يقضي ساعاتٍ طويلة بغرفته رافضًا الحديث مع أحد.
لم تتبدل حالة ابن الـ16 ربيعًا لدى بدء العام الدراسي الجديد منذ أيام، ازدادت سوءا مع معايرة شقيقته الصغرى الدائمة له برسوبه مرددة عبارة "يا فاشل" التي كانت شارة اندلاع فتيل الشجار بينهما، وتنتهي بتدخل أحد الأبوين وتحذير "نوران" من إتيان تلك الفعلة مجددًا.
خلال الأسبوع المنصرم، نشبت مشاحنات عدة بين "زياد" وأخته ذات الشخصية القوية، سيناريو تكررت أحداثه على مدار 3 أيام متواصلة؛ القاسم المشترك بينها تعمد صاحبة الـ14 سنة السخرية من شقيقها الأكبر ومعايرته بما جرى له العام الماضي قائلة "يا ساقط يا أبومادة".
السابعة صباح أمس الخميس، استيقظ "سيد" وزوجته مبكرًا للتوجه إلى محل عمليهما "الأول موظف - الثانية مُعلمة" دون إيقاظ ابنيهما اللذين من المفترض أن يلحقا بهما حتى لا يتأخران على المدرسة، أغلقا الباب دون أن يدري بخلد أي منهما ما سيقع داخل تلك الجدران الأربعة لاحقا.
مؤشرات ضبط الوقت كانت تشير إلى التاسعة صباحًا، لم يغادر الرائد هشام فتحي معاون أول مباحث الجيزة، مكتبه، قضى ليلته يفحص قضية قيد التحقيق ومتابعة الحالة الأمنية بدائرة المركز، يتلهف حضور أفراد النوبتجية الصباحية لأخذ قسط من الراحة لكن حلمه تبدد مع حضور ضيف غير متوقع انقلبت معه الأحداث رأسًا على عقب.
فتى لم يتجاوز الـ16 من العمر، طلب مقابلة أحد المسؤولين للإبلاغ عن أمر مهم، إذ اعترف "أنا قتلت أختي.. خنقتها غصب عني".
للوهلة الأولى شك رجال المباحث في سلامة قوى الشاب العقلية، طرحوا عليه السؤال مرة تلو أخرى بطريقة مختلفة لكن الإجابة لم تتغير.
أيقن الرائد هشام فتحي أن يومه لم ينته بعد، اصطحب المشتبه به "زياد" (16 سنة) واستقل سيارة الشرطة "البوكس" متجهًا إلى محل البلاغ القريب من ديوان القسم المطل على كورنيش النيل.
فرض العقيد محمد سلامة مأمور قسم الجيزة، طوقا أمنيا بالطابق الذي يضم الشقة محل الواقعة، موجها بمنع حركة الدخول والخروج لتسهيل مهمة رجال المباحث والمعمل الجنائي في إجراء معاينة دقيقة، وعُثر على جثة "نوران" 14 سنة، ترتدي ملابسها كاملة، ووجود آثار خنق بالرقبة.
لم يكد الأب يصل محل عمله حتى رن جرس هاتفه الجوال، تردد في الرد بسبب عدم معرفته بهوية المتصل، لكن سرعان ما أجاب ليتلقى صاعقة من أحد جيرانه أخبره "تعالى بسرعة بنتك اتقتلت".
لحظات فقد معها الأب القدرة على النطق والحركة على حد سواء، حاول استيعاب ما وقع على مسامعه للتو، همَّ بالعودة إلى مسكنه للوقوف على حقيقة الأمر؛ أملا في أن يكون محض مُزحة أو كابوسًا سيستفيق منه.
توقفت آمال الأب لدى وصوله ناصية شارع سكنه، سيارات الشرطة أسفل العقار، الأهالي يقتربون منه لمواساتها "شد حيلك" أيقن معها أن الأمر حقيقة وليس أضحوكة.
بخطوات متثاقلة ارتقى الأب درجات السلم وصولا إلى شقته التي اكتظت برجال المباحث فاقترب منه أحد قيادات الشرطة "البقاء لله"، بينما مرقت مقلتاه جثة ابنته "نوران" 14 سنة، مغطاة بملاءة فبادر بالسؤال "إيه اللي حصل؟".
جهود البحث والتحري التي قادها المقدم مصطفى كمال رئيس مباحث الجيزة، توصلت إلى أن صباح الخميس وقعت مشادة كلامية حادة بين المجني عليها وشقيقها إثر معايرتها له بفشله، تطورت إلى اشتباك بالأيدي، قامت خلالها الطالبة بالمرحلة الإعدادية بـ"خربشة" أخيها الذي استشاط غضبًا، أمسك بـ"فانلة" خاصة بها وخنقها حتى فوجئ بسقوطها جثة هامدة على الأرض.
اصطحبت القوات المتهم إلى ديوان القسم للتحقيق لكن قبل ركوبه "البوكس" ظل يردد عبارة واحدة "غصب عني.. مقصدش أقتلها دي أختي".
ما إن تطأ قدماك الشارع تشعر بانقباض في الصدر، رائحة الموت تسكن المكان، البيوت اتشحت بالسواد حزنا على وفاة "العروسة" -كما وصفها الجيران- ويبحث قاطنو المنطقة السبيل لمساعدة الأب المسكين "كان الله في عونه.. بنته اتقتلت وابنه هيدخل السجن".
وقت الظهيرة، حضرت سيارة إسعاف نقلت الجثة إلى مشرحة المستشفى انتظارًا لقرار النيابة العامة التي باشرت التحقيق.
فيديو قد يعجبك: