خليجي مزيف وضمير طبيب.. 24ساعة بحث أوقعت عصابة "اغتصاب فتيات الريكلام"
كتب- محمد شعبان:
"الشرطة في خدمة الشعب".. لا تخلو أي منشاة شرطية من لافتة تحمل تلك العبارة، في إشارة واضحة للعلاقة بين الجهاز الشرطي والمواطنين؛ الأمر الذي ظهر جليا في رصد منشور طبيب بمشاهدته استغاثة فتاة من داخل سيارة ملاكي بشارع فيصل، وصولا إلى الكشف عن عصابة "الذئاب الخمسة" التي تخصص عناصرها في الاعتداء الجنسي على فتيات الريكلام وتصويرهن في أوضاع مُخلة من أجل ابتزازهن.
منتصف الأسبوع الماضي، قرر "طبيب" ممارسة رياضة المشي، واتخذ شارع فيصل الشهير مسارًا لجولته. الأمور تبدو على طبيعتها، يقطع ذلك صرخات متتالية تصدر من سيارة ملاكي، اقترب للوقوف على حقيقة ما يدور.
لم يتحقق الطبيب من الأمر، سَرعان ما استقل السيارة أحد الأشخاص ببنيان قوي، كتم أنفاس فتاة عشرينية، ولاذت السيارة بالفرار، إلا أن "ملاك الرحمة" التقط حرفًا واحدا من أرقام اللوحة المعدنية، انزوى على جانب الطريق. أخرج هاتفه، وكتب منشورا "بوست" عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يروي تفاصيل ما حدث للتو مناشدًا متابعيه بإعادة نشره على نطاق واسع أملًا في إنقاذ الفتاة.
"هو كده عملت اللي عليا ولّا البوست مش كفاية؟".. صوت ضمير داخلي تردد صداه بين جنبات الطبيب الذي سيطرت عليه حالة من الحيرة، قادته قدماه إلى ديوان قسم شرطة بولاق الدكرور غرب محافظة الجيزة، طلب مقابلة رئيس المباحث، وأخبر رجال الشرطة بالخارج "عاوزه في أمر هام.. حياة أو موت".
صعد الطبيب درجات السلم وصولا إلى الطابق الثاني، حيث وحدة المباحث، دلف إلى مكتب المقدم محمد الجوهري، وروى له ما التقطته عيناه مشددا على أن المشهد بدا جزءا من فيلم سينمائي، لكن رئيس مباحث بولاق الدكرور فاجأه: "إحنا شغالين على الموضوع ده" مشيرا إلى رصد الأجهزة الأمنية "البوست" الخاص به.
تحول مكتب رئيس المباحث إلى ما يشبه غرفة علميات، دعا إلى اجتماع عاجل ضم النقيبين أحمد أبورحمة وأحمد عبد الكريم؛ لمراجعة اللمسات الأخيرة لخطة البحث تنسيقا مع قطاع المساعدات الفنية بقيادة الرائد محمد المسلمي وإدارة المرور تحت إشراف اللواء محمود السبيلي.
24 ساعة لم يذق خلالها ضباط المباحث طعم النوم، عمل متواصل دون كلل، واضعين نصب أعينهم الوصول إلى الحقيقة التي بدأت تتكشف لدى التوصل إلى بيانات السيارة من خلال كاميرات المراقبة بتتبع خط السير، وأمكن ضبط مالكها الذي أفاد أن سائقا استأجرها منه، ويعمل عليها لدى شركة توصيل الركاب "أوبر".
مع صباح اليوم التالي لفريق البحث، أمسك رئيس مباحث بولاق الدكرور بطرف الخيط لحل اللغز، وألقي القبض على السائق الذي كان يقود السيارة في أثناء إطلاق الفتاة صرخات استغاثة بالشارع، وفجر مفاجأة "أنا مليش دعوة.. دول عصابة بيخطفوا البنات من الكباريهات ويغتصبوهم في شقة بهرم سيتي".
بالعرض على العميد عاصم أبو الخير، مدير المباحث الجنائية بالجيزة، وجه بسرعة ضبط المتهمين تنسيقا مع قطاع أكتوبر، وتمكنت مأموريات قادها النقيبان أحمد أبورحمة وأحمد عبد الكريم من ضبط 4 متهمين، واقتيادهم إلى ديوان القسم.
تنفس الضباط الصعداء لتبدأ الخطوة الأهم باستجواب المقبوض عليهم. ناقش العقيد محمد الشاذلي، مفتش مباحث غرب الجيزة، الجناة، لتتوالى المفاجآت الصادمة، شاب أتم للتو عقده الثاني من العمر كان يعمل في محل كوافير تزعم تشكيلا عصابيا تخصص نشاطه في استدراج الساقطات من الملاهي الليلية متقمصا شخصية ثري عربي.
تحريات المباحث توصلت إلى أن المتهم الرئيسي راودته فكرة استغلال الفتيات اللاتي يترددن على الملاهي "ريكلام" لقضاء سهرة مع خليجي مقابل حصولها على نسبة من الملهى، ومبلغ مالي إضافي من الثري، فاختمرت في ذهنه حيلة شيطانية "ليه مستغلش البنات دول".
بهدوء وثقة يحسد عليهما، أدلى العقل المدبر باعترافات تفصيلية قائلا: "كنت بقلد صوت خليجي وأتفق مع البنت إنها تيجي شقتي في هرم سيتي والعربية مستنياها" حتى تفاجأ بوجود آخرين رفقته ويصطحبونها إلى الوكر، إذ يتنابون على اغتصاب الضحية وتصويرها في أوضاع مخلة مؤكدا: "بنقضي سهرة حلوة وناخد تليفوناتهم والفلوس، ونهددهم بالفيديوهات اللي معانا".
بسؤال المتهمين عن عدد الوقائع التي ارتكبوها، لفت زعيمهم إلى تنفيذهم حوادث متشابهة- دون حصر إجماليها- واستغلالهم أرقام الهواتف المسجلة على هواتف الضحايا في استدراج ضحايا جدد أو استخدام أرشيف الأرقام الذي حصل عليه خلال عمله بمحل الكوافير.
جهود البحث والتحري التي قادها المقدم محمد الجوهري توصلت إلى الضحية التي شاهدها الطبيب، والتي تطابقت روايتها مع البلاغ وأقوال المتهمين معللة عدم حضورها للقسم "خفت من الفضيحة".
وسط حراسة أمنية مشددة، اقتادت قوات الشرطة المتهمين الخمسة- ليس لديهم معلومات جناية مسجلة- إلى سراي النيابة العامة، التي أمرت بحبسهم على ذمة التحقيق، كما توصلت إلى 3 ضحايا جدد.
وناشد مصدر أمني مسؤول المواطنين سرعة الإبلاغ عن أي حالة خروج عن القانون أو أمور تهدد الأمن أو السلم العام مشددا: "إحنا سهرانين على أمنكم وسلامتكم"، موجها الشكر للطبيب وإيجابيته.
فيديو قد يعجبك: