دعوى إيمان البحر درويش.. الدستورية تبطل شروط الطعن على "الجمعية العمومية" للمهن التمثيلية
كتب - محمود السعيد:
قضت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار سعيد مرعي، اليوم السبت، بعدم دستورية ما تضمنه نص الفقرة الثانية من المادة (30) من القانون رقم 35 لسنة 1978، في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، من اشتراط أن يكون الطعن في قرارات أو صحة انعقاد الجمعية العمومية للنقابة، بتقرير موقع عليه من مائة عضو على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية، وموثقًا على الإمضاءات الموقع بها عليه من الشهر العقاري.
واختصم الفنان إيمان البحر درويش في دعواه رقم 119 لسنة 37 دستورية، أعضاء مجلس إدارة النقابة العامة للمهن الموسيقية.
وصرَّح المستشار الدكتور حمدان فهمي، رئيس المكتب الفني للمحكمة، بأنه تبين للمحكمة من نص الفقرة الثانية من المادة (30) من القانون رقم 35 لسنة 1978المشار إليه، أن ثمة شرطيـن يتعين توافرهما معًا لجواز الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية، أو في تشكيل مجالس الإدارة، أو القرارات الصادرة منها، أولهما: أن يكون هذا الطعن مقدمًا من مائة عضو على الأقل من الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة، ليكون انضمامهم إلى بعض نصابًا للطعن، فلا يقبل بعدد أقل. ثانيهما: أن يكون الطعن مستوفيًا شكلية بذاتها، قوامها أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، موثقًا عليها جميعًا من الشهر العقاري.
وقالت المحكمة إن الشرطين المتقدمين ينالان من حق التقاضي، ويعصفان بجوهره، وعلى الأخص من زاويتين. أولاهما: أن الدســــــــتور كفل للنـــاس جميعًا – وبنص المــــــادة 97 – حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي، لا يتمايـزون في ذلك فيما بينهم، فلا يتقدم بعضهم على بعض في مجال النفاذ إليه، ولا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال إنكاره أو عن طريق العوائق الإجرائية أو المالية التي يحاط بها، ليكون عبئًا عليهم، حائلاً دون اقتضاء الحقوق التي يدعونها، ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها، ذلك أنهم يتماثلون في استنهاض الأسس الموضوعية التي نظم المشرع بها تلك الحقوق لضمان فعاليتها، فقد كفل الدستور لكل منهم – سواء أكان شخصًا طبيعيًّا أم معنويًّا – الحق في الدعوى، ليكون تعبيرًا عن سيادة القانون، ونمطًا من خضوع الدولة لقيود قانونية تعلوها، وتكون بذاتها عاصمًا من جموحها وانفلاتها من كوابحها، وضمانًا لردها على أعقابها إن هي جاوزتها، لتظهر الخصومة القضائية بوصفها الحماية التي كفلها القانون للحقوق على اختلافها.
وأوضحت المحكمة أن نص الفقرة الثانية من المادة (30) من القانون رقم 35 لسنة 1978 المشار إليه، قد نقض هذا الأصل، حين جعل الطعن على صحة انعقاد الجمعية العمومية للنقابة، أو في القرارات الصادرة منها، نصابًا عدديًّا، فلا يقبل إلا إذا كان مقدمًا من مائة عضو على الأقل من عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع تلك الجمعية، ليحول هذا القيد – وبالنظر إلى مداه – بين من يسعون لاختصامها من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قبلها يقيمها استقلالاً عن غيره، ويكون موضوعها تلك الحقوق التي أخل بها القرار المطعون فيه، والتي لا يقــــــــــــوم العمل النقابي سويًّا دونها، وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهم أو تغض بصرها عنها، فلا تتدخل لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقًا.
وقد افترض النص المطعون فيه كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية – الذين جعل من عددهم نصابًا محتومًا للطعن في قراراتها – متحدون فيما بينهم في موقفهم منها، وأنهم جميعًا قدروا مخالفتها للدستور أو القانون، وانعقد عزمهم على اختصامها تجريدًا لها من آثارها وتعطيلاً للعمل بها، لتتخلى نقابتهم عنها. وهو افتراض قلمًا يتحقق عملاً، ولا يتوخى واقعًا غير مجرد تعويق الحق في الطعن عليها من خلال قيود تنافى أصل الحق فيه، ليكون أفدح عبئًا، وأقل احتمالاً.
وإن النص التشريعي المحال لم يقف، في مجال تقييده لحق الطعن، عند حد إيجابه، أن يكون الطعن مقدمًا، من عدد لا يقل عن مائة عضو من أعضاء النقابة العامة، ممن حضروا جمعيتها العمومية، وإنما جاوز ذلك، إلى فرض شرط آخر، يتعين، بمقتضاه، أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، موثقًا عليها، من الشهر العقاري؛ وكان ما توخاه النص المطعون فيه بذلك، أن يكون هذا التوثيق إثباتًا لصفاتهم، فلا يكون تقرير الطعن مقدمًا من أشخاص لا يعتبرون من أعضاء النقابة، ولا من أشخاص يتبعونها، ولكنهم تخلفوا عن حضور جمعيتها العمومية. وكان التوثيق وإن تم في هذا النطاق، وتعلق بتلك الأغراض، يظل منطويًا على إرهاق المتقاضين بأعباء لا يقتضيها تنظيم حق التقاضي، بل غايتها أن يكون الطعن أكثر عسرًا من الناحيتين الإجرائية والمالية؛ وكان هذا القيد مؤداه كذلك، أن تحل الجهة الإدارية محل محكمة الطعن في مجال تثبتها من الشروط التي لا يقبل الطعن من الخصوم إلا بها – وتندرج صفاتهم تحتها – باعتبار أن تحقيقها وبسطها لرقابتها على توافرها، أو تخلفها، مما يدخل في اختصاصها، ولا يجوز بالتالي أن تتولاه الجهة الإدارية، وإلا كان ذلك منها عدوانًا على الوظيفة القضائية التي اختص المشرع غيرها بها، وانتحالاً لبعض جوانبها، وباطلاً لاقتحام حدودها.
وأنه في ضوء ذلك، فإن النص التشريعي المحال يغدو مصادمًا لنصوص المواد (76، 77، 94، 97) من الدستور الحالي، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته.
فيديو قد يعجبك: