إعلان

"محرقة الكوشة".. تفاصيل انتقام حول الفرح إلى مأتم في 20 دقيقة

12:26 م الخميس 26 سبتمبر 2019

كتب – محمود السعيد وسامح غيث:

لم يكد يمر 20 يومًا على انفصال رحمة عاشور عن خطيبها، حتى وافقت وأسرتها على ارتباطها بآخر، وأقاموا حفل خطوبة، فاستشاط الخطيب السابق غضبًا وانتقم منهم بتحويل الفرح إلى محرقة في 20 دقيقة.

مساء الخميس قبل الماضي، توافد عدد من الأهالي على منزل الحاج عاشور بأحد أزقة قرية الشيخ فضل بالفيوم لحضور خِطبة ابنته على عريسها الجديد عبود جمال، وعقب أذان العشاء، صعد العروسان إلى "الكوشة" وصدحت أغاني "الدي جي" في الأرجاء وسط فرحة الأهل والأطفال ورقصهم، حتى انقلب الحال بقيام عيد سيد، الخطيب السابق، بإحراق الحفل.

قرية الشيخ فضل تتبع مركز الفيوم، أهلها البالغ عددهم نحو 7 آلاف نسمة؛ معظمهم من محدودي الدخل، يمارس بعضهم الزراعة وتربية المواشي للتجارة، وآخرون كعمال يومية يعانون شظف العيش يلاحقهم العوز والفقر.

قبل سنتين كان عيد سيد معوض، (20 سنة)، تسير حياته على وتيرة واحدة، يقضي معظم وقته في تجارة الأغنام، استعدادًا لمصروفات الزواج.

تقدم تاجر الأغنام، لخِطبة "رحمة" تصغره بـ6 سنوات، ورُغم صغر سنها (14 سنة آنذاك) لم يتردد والدها في الموافقة دون أخذ رأيها، يقول مصطفى فايد، عم الفتاة لمصراوي، مضيفًا "البنات كلها بتتجوز صغيرة في البلد".

خلال فترة الخطوبة التي استمرت سنتين، ظلَّ المتهم يتودد إلى خطيبته بالمعاملة الطيبة والهدايا لكسب حبها، بمرور الأيام زاد تعلقه بها منحها كل ما في قلبه من عطف معتقدًا أنها تبادله ذات الشعور، لكنّ كان لها رأي آخر، قررت الانفصال عنه، حاول الشاب إقناع فتاة أحلامه بالعدول عن قرارها دون جدوى.

"مش مسامحاك ليوم الدين" قالتها الفتاة لوالدها مطالبة إياه بفسخ الخِطبة رُغم تحديد موعد الفرح بعد أسبوعين، يأس الأب من محاولة إثناء ابنته عن رأيها، وهاتف أحد أقرباء خطيبها يبلغه بالأمر.

استعان الأب بأحد كبار القرية، لإنهاء الأمور المتعلقة بالخطبة، فعقدوا جلسة تمّت فيها إعادة الهدايا والأموال كافة التي أنفقها الشاب، وبرر في حديثه لمصراوي رفض ابنته "كانت لسه صغيرة مش مدركة ومتعرفش عنه حاجة.. لما كبرت وفهمت حست إنها مش مرتاحة".

لم ييأس العريس، تواصل مع أقارب الفتاة مرة أخرى، يستجديهم ويستعطفهم أملًا أن يلين رأسها الصُلب، لكنه أخيرًا أدرك أنه لا مجال للعودة.

بعد انفصال العروسين، تقدم عبود جمال الذي تربطه صلة قرابة بالفتاة لخطبتها، فوافقت وأسرتها وحددوا الخميس قبل الماضي (يوم الحادث) لحفل الخِطبة ودعوا الأقارب للحضور مطالبين الجميع "محدش يصور في الفرح" –ضمن تقاليد القرية-.

بفرحة طاغية ارتدى الطفل عمر سيد ملابسه، بات مهندمًا كالملائكة، مستعدًا لحضور حفل الخطوبة، بعد موافقة والده على مضض، أما الطفلتان نورهان عبد النبي، ووسام عيد فايد، وآخرين فكانوا يقفون بجوار الكوشة في انتظار وصول العروسين.

عقارب الساعة تشير إلى الساعة السابعة والنصف مساءً، حضرت العروس ترتدي فستانًا وردي اللون رفقة عريسها الجديد الذي ارتدى بدلته السوداء، شقا طريقهما بخطوات بطيئة تحت أنظار الجميع لصعود "الكوشة"، صعد الأقارب للتهنئة وتراقص الجميع على أغاني "الدي جي".

بجوار الكوشة وقف مصطفى فايد عم العروس يتابع عن كثب تحسبًا لمجيء العريس السابق وافتعاله مشكلة مع المعازيم، في الوقت الذي كان الأطفال يتراقصون أعلى الكوشة ووالد العروس يستقبل ضيوفه.

دون سابق إنذار؛ اعتلى العريس السابق حائط منزل ملاصق لـ"الكوشة" حاملًا زجاجات المولوتوف وجراكن بنزين، رمى العروسين أولًا منتقمًا لفسخ خطبته ثم المعازيم، ليتحول الفرح إلى كتلة لهب، وتنقلب الزغاريد إلى صرخات مرتعبة، أصيب البعض بالصدمة من هول مشهد احتراق الأطفال والمعازيم وتمكن المتهم من الفرار.

بدأت المحرقة من "الكوشة" إلى أسفلها حيث المعازيم، سيطرت الصدمة والذعر على الوجوه، صرخت السيدات على أطفالهن، فيما اندفع الرجال إلى الكوشة لإخماد النيران.

ما إن شاهد العريس النيران مشتعلة بفستان عروسه، سارع بخلع "جاكت بدلته" وتمكن من إطفاء النيران قبل أن يصيبها مكروه، ثم حملها مهرولًا إلى منزل أسرتها بالجوار، واستمر رجال القرية في السيطرة على النيران التي أودت بحياة الطفل عمر وأصيب 16 آخرون على إثرها.

"نفسي أروح الفرح.. عاوز أشوف العروسة"، تتذكر "هبة س." والدة الطفل لحظات إصراره على الذهاب للفرح منذ الصباح الباكر، قائلة إن نجلها البالغ من العمر 4 سنوات أصرَّ منذ استيقظ من نومه على الذهاب، فما إن عاد والده من العمل في السابعة مساءً ظلّ يُلح عليه في الخروج حتى وافقهم، فانطلقوا إلى الفرح الذي تحول إلى مسرح جريمة بشعة بعد 15 دقيقة من بدايته.

صعد عُمر بجوار أقرانه على "الكوشة" يرقص فرحًا على أغاني "الدي جي" وفجأة سقطت زجاجة مولوتوف على العروس ثم تبعها نحو 5 لترات من البنزين وقطع قماش مشتعلة أمسكت النار في الطفل تلتهم جسده النحيل "لقيت النار بتاكله قدام عنيا"، تصف الأم اللحظات الأخيرة في حياة نجلها.

هرولت الأم فزعة نحو طفلها وكذلك خاله، حاول الاثنان السيطرة على النيران لكنها تمكنت منه "صوابعه اتفرطت من النار" وما إن أطفآها، حمله خاله عيد فايز على موتوسيكل إلى مستشفى الفيوم العام حيث لقي مصرعه في فجر اليوم التالي لتنهار الأم من فورها.

في ذاك الوقت، كان سيد محمد، والد عمر يجلس على إحدى المقاهي القريبة، هرع له أحد أقاربه: "الحق النار مسكت في عمر في الفرح ونقلوه المستشفى"، هرول الأب حيث يرقد نجله؛ بنظرات تملؤها الحسرة والأسى ألقى نظرة على جثته المتفحمة.

وأرجع تقرير مستشفى الفيوم سبب وفاة الطفل إلى إصابته بحروق من الدرجات الثلاثة بنسبة 100% ما أدى لتوقف القلب والدورة الدموية التي أعقبها فشل الجهاز التنفسي ووفاته.

لم يحتمل الأب أن يبقى ابنه بعيدًا عنه حتى الوصول لمدفنه، حمله بين يديه من المستشفى إلى المسجد وصلوا عليه ثم شيعوه إلى مثواه الأخير في جنازة مهيبة حضرها أهل القرية يواسون الوالدين في مصابهما.

"الطفلة وسام ": كتلة نار أحرقت فرحتها

على بُعد خطوات من عمر، كانت الطفلة وسام عيد، 10 سنوات، ترقص حين سقطت عليها كتلة نار فقفزت إلى الأرض "تتكسر أحسن ما تتحرق" يقول والدها إن أحد الأشخاص أخمد النيران المشتعلة بها بعد معاناة.

لم تنجُ وسام بالكامل إذ أصيبت بحروق من الدرجة الثانية في الوجه والظهر بنسبة 60% وبعد نحو 10 أيام من العلاج عادت لمنزلها مع توصية بالاستمرار في العلاج لمدة 3 أشهر على الأقل.

داخل مستشفى جمعية عرابي بطريق الإسماعيلية الصحراوي، مازالت الطفلة نورهان عبدالنبي تخضع للعلاج بعد إصابتها بحروق من الدرجة الأولى خاصة في الرقبة التي سببت لها إعاقة، بحسب غادة شعبان، نجلة خالتها.

وأمرت النيابة بحبس المتهم عيد سيد معوض 15 يومًا على ذمة التحقيقات في المحضر رقم 25990 لسنة 2019. ويواجه المتهم عقوبات قد تصل للإعدام بحسب المادة 257 من قانون العقوبات.

ورُغم فجاعة الحادث، إلا أنه لم يؤثر على علاقة أسرة المتهم بأهالي المجني عليهم، يقول والد العروس: "أبوه لم يضرنا.. خصومتنا مع ابنه وطالبين القصاص"، والد المتهم رجل طيب مسكين وأسرته ليس لهم دخل بما حدث، تمارس حياتها بشكل طبيعي.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان