تقرير: لماذا تتعمد السعودية ''ضرب'' أسواق النفط؟
كتبت - سهر هاني:
قالت تقارير صحفية إن السعودية تقوم بإغراق سوق النفط كأداة سياسية في الصراع الإيراني السعودي.
وأوضح تقرير نُشر بموقع ''foreignpolicy'' المعني بالشئون الاقتصادية، أنه في الثاني من يناير 1977، أفصح شاه إيران عن اعتراف مؤلم حول اقتصاد بلاده، وقال لأسد الله علم أحد مساعديه المقربين في لقاء خاص ''نحن نفلس''.
ورد ''علم'' متوقعًا وجود المزيد من الأخطار: ''أنفقنا كل سنت لدينا لكي نجد أنفسنا فقط مهزومين من السعودية بحركة واحدة''، وكتب في خطابًا بعدها للشاه ''إننا الآن في حالة مالية متردية وعلينا أن نشد الأحزمة إذا أردنا البقاء على قيد الحياة''.
وتأتي كلمات الرجلين تعليقًا على الاضطرابات الحادثة في أسواق النقط وقتها حيث أعلنت السعودية قبلها بأسابيع في اجتماع لمنظمة ''أوبك'' بالدوحة معارضتها لتصويت الأغلبية الذي قادته إيران لرفع أسعار النفط بنسبة 15 بالمئة.
وأرجع الملك خالد بن عبد العزيز معارضة بلاده لرفع الأسعار وقتها في ظل الركود التي كانت يعاني منه الدول الغربية، ولكنه أراد في نفس الوقت زيادة الضغوط على الاقتصاد الإيراني في الوقت الذي أمر فيه الشاه الإيراني بالتوجه نحو الطاقة النووية وبسط النفوذ في الشرق الأوسط.
وأشارت التقرير إلى أن السعودية قامت وقتها بـ''إغراق الأسواق'' عن طريق رفع إنتاجها من 8 مليون برميل إلى 11.8 مليون برميل من النفط يوميًا، وخفضت أسعار النفط، وهو ما أدى لخروج إيران من سوق النفط غير قادرة على المنافسة حيث خسرت نحو 38 بالمئة من إنتاجها النفطي في شهر واحد، وتلاشت مليارات الدولارات من عائدات النفط المتوقعة، وأجبرت إيران على التخلي عن تقديرات ميزانيتها لمدة خمس سنوات.
وشهدت إيران في صيف عام 1977 ضغوطًا اقتصادية كبيرة حيث انخفض الإنتاج الصناعي في إيران بنسبة 50 بالمئة وارتفع التضخم ما بين 30 و 40 بالمئة، كما خفضت الحكومة الإنفاق المحلي لتحقيق التوازن، ولكن التقشف نتج عنه أوضاع أسوأ عندما فقد الآلاف من الشباب والرجال غير المهرة وظائفهم، وأكلت الأزمة الاقتصادية من دعم الطبقة المتوسطة لنظام الشاه الذي انهار بعدها بعامين بحدوث الثورة الإيرانية.
وعادت اليوم أسعار النفط للانخفاض السريع مجددًا من 115 دولار للبرميل في أغسطس 2013 إلى أقل من 60 دولارًا للبرميل في منتصف ديسمبر 2014، واستغل خبراء غربيون - كما هو متوقع - الفرصة للتفكير في ما يعنيه النفط الرخيص لأسواق الأوراق المالية.
أما بخصوص أسباب تراجع الأسعار أشار بعض المحللين إلى مناورة سعودية، بينما أرجع مقال نشر في بلومبرج بيزنس ويك الفضل إلى النفط الصخري الأمريكي في ''كسر عنق أوبك''.
وبحسب التقرير، ليس هناك شك أن النفط الصخري قلل من قوة السعودية المرجحة كأكبر منتج للبترول في العالم، ولكن السعوديون مازالوا قادرين على تحطيم الأسواق بفضل القدرة على ضخ النفط والاحتياطيات، والمخزونات التي تملكها.
وفي سبتمبر 2014، قامت السعودية بتعزيز إنتاج النفط بمقدار نصف بالمئة (إلى 9.6 مليون برميل يوميًا) في الأسواق مع وجود وفرة بالفعل من النفط الخام، مما أدى إلى تراجع الأسعار العالمية بسرعة ما يقرب من 30 بالمئة - بحسب التقرير -.
وبحسب ما يعتقده محللون أجانب، قامت السعودية بزيادة إنتاج النفط لأسباب سياسية كما حدث في عام 1977، حيث لا تزال أسواق النفط مسارح عمليات هامة للصراع السعودي الإيراني لبسط النفوذ بمنطقة الخليج.
وأشار التقرير أن هذه ليست المرة الوحيدة التي تستخدم فيها السعودية النفط كسلاح سياسي ضد منافستها منذ أواخر السبعينات، ففي نوفمبر 2006 كتب نواف عبيد وهو مستشار أمني سعودي في صحيفة واشنطن بوست أنه إذا قامت السعودية بتعزيز الإنتاج النفطي وخفض الأسعار إلى النصف فسيؤدي ذلك إلى تدمير إيران والحد من قدرة طهران على مواصلة ضخ مئات الملايين كل عام على المسلحين الشيعة في العراق وأماكن أخرى.
وذكر التقرير أنه بعد عامين وفي ظل ذروة الأزمة المالية العالمية، قامت السعودية بإغراق الأسواق وخلال ستة أشهر فقط انخفضت أسعار النفط من أعلى سعر وصلت له وهو 147 دولار للبرميل الواحد إلى حوالي 33 دولار.
وبدأ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في عام 2009 (عام الانتخابات) في مواجهة الانخفاضات المفاجئة في عوائد إيران النفطية وأجبر على تخفيض الدعم والبرامج الاجتماعي، وهو ما أدى لمصاحبة الانتخابات المشكوك في نتائجها انكماش اقتصادي وأسوأ عنف سياسي منذ سقوط شاه إيران.
وأدرك السعوديون - طبقًا للتقرير - أن أنسب وقت لإضعاف السوق عندما تضعف الأسعار وينخفض الطلب على الاستهلاك ، ففي بداية ديسمبر وبعد شهور من إغراق السعودية الأخير للأسواق من النفط قام عبيد بكتابة مقال برويترز حول أن قرار الحكومة السعودية بتخفيض أسعار النفط سيكون له تأثير كبير على الوضع السياسي بالشرق الأوسط، حيث سيؤدي إلى وضع إيران تحت ضغط اقتصادي ومالي لم يسبق له مثيل، خاصة وأنها تحاول الحفاظ على اقتصادها الذي يعاني من العقوبات الدولية.
وتابع التقرير أنه في 10 ديسمبر، أعلن وزير النفط السعودي أن دولته سوف تحافظ على ضخ نحو 9.7 مليون برميل يوميًا للأسواق العالمية برغم انخفاض الطلب، مما أدى إلى ذعر بالجانب الايراني.
ودون أن يسمي أحدًا، شجب الرئيس الإيراني حسن روحاني ما وصفها بالأفعال ''العدائية'' من جانب أكبر منتج للنفط والتي تقوم على دوافع سياسية يعمل بما يعد دليلًا على وجود مؤامرة ضد مصالح المنطقة ، وأنه لن تنسى إيران هذه المؤامرة - بحسب وصفه -.
ولخص التقرير إلى أن أمل السعودية الحقيقي يكمن في قدرة زيادة الانتاج النفطي على إجبار الحكومة الإيرانية لتنفيذ ميزانية التقشف التي من شأنها تأجيج الاضطرابات الاجتماعية في نهاية المطاف ودفع الناس مرة أخرى إلى الشوارع، وإن تم تنفيذ ذلك فقد يؤدي إلى حدث خطير مثل الذي أطاح بالشاه من السلطة، كما أنه من شأنه أن يعزز ثقة السعوديين في النفط كسلاح فعال في المعركة الهادفة للسيطرة على الشرق الأوسط.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: