أزمة الصين فرصة جديدة لإنعاش الصناعات العربية التقليدية
(دوتشيه فيله):
لماذا انهارت البورصات العربية على وقع الأزمة الصينية؟ وكيف تبدو آفاق التعاون العربي الصيني في ظل الأزمة وفي وقت غزا فيه المنتج الصيني الأسواق العربية وأضر جدًا بالصناعات التقليدية؟ أية فرص لعودة الحياة إلى تلك الصناعات؟
مع تهاوي البورصة الصينية أواسط أغسطس 2015 خسرت البورصات العربية أكثر من 67 مليار دولار خلال أسبوع حسب محللين صرحوا بذلك لوكالة الأناضول التركية للأنباء.
قد يسأل القارئ هنا ما علاقة انهيار الأسهم الصينية بتراجع البورصات العربية إلى هذا الحد؟ أما الجواب فيصبح متيسرًا إذا فكّر المرء بأهمية السوق الصينية للنفط وأسعاره، فالصين أصبحت بفضل نمو اقتصادها بمعدلات زادت على 12 بالمئة خلال العقد الماضي أكبر مستورد للنفط التي تنتجه الدول العربية الخليجية بمعدل يومي يصل إلى 3 ملايين طن يوميًا.
وبما أن انهيار الأسهم الصينية يعكس أيضًا تراجع نمو الاقتصاد الصيني إلى أقل من 7 بالمئة، وإن آفاق هذا الاقتصاد لا تبدو وردية في المدى المنظور فقد تزايدت المخاوف من تراجع استيرادها من النفط المتوفر بكميات فائضة في الأسواق العالمية حاليًا، وهذا ما ساهم في مزيد من الانهيار في سعر الذهب الأسود الذي تهاوى إلى أقل من 40 دولارًا للبرميل مؤخرًا بعدما زاد على 110 دولار أوائل صيف العام الماضي 2014.
ثمن الغزو الصيني للأسواق العربية
غير أن العلاقات الصينية العربية لا تقتصر على النفط، فالدول العربية تستورد من الصين الألبسة والأدوات المنزلية والأحذية والحقائب وألوف السلع الاستهلاكية التي غزت الأسواق العربية كونها تناسب القدرة الشرائية للفئات محدودة الدخل أكثر من مثيلتها المحلية والأوروبية.
وتذهب بعض التقديرات إلى أن المُنتَج الصيني يُهيمن على الأسواق العربية بنسب تتراوح بين 20 إلى 35 بالمئة، وإذا كان المنتج الصيني وفّر الألبسة ومنتجات أخرى للمستهلك العربي بأسعار منافسة، فإن المنتج المحلي دفع ثمن هذه المنافسة التي أدت إلى اختفاء كثير من الصناعات التقليدية والحرفية العربية لاسيما في قطاع الأنسجة والألبسة والمنتجات الجلدية.
ولعل خير مثال على ذلك ما حصل خلال السنوات العشرين الماضية من تراجع خطير في صناعة الأحذية المغربية والألبسة التقليدية المصرية والسورية التي حل المنتج الصيني محلها أو دخل بشكل قوي في مكونات تصنيعها.
وفي بعض الدول العربية كالجزائر والعراق ومصر تشهد العلاقات الصينية العربية تطورًا ملموسًا يشمل إقامة مناطق سكنية وتجهيز البنية التحتية بالطرق والكهرباء وشبكات الاتصال بالإضافة إلى مشاريع تشمل صناعات نسيجية ومنزلية.
وتعول هذه الدول ودول عربية أخرى على تعزيز التعاون مع الشركات الصينية التي تعزز حضورها العالمي على هذا الصعيد، الأمر الذي يعكس ازدياد حجم التبادل التجاري العربي الصيني إلى أكثر من خمسة أمثاله بين عامي 2004 و2011 إذ ارتفع من 36 إلى 190 مليار دولار حسب مركز دراسات جامعة بكين للتجارة والاقتصاد الدولي.
غير أن هذه الزيادة زادت من حدة عجز الموازين التجارية العربية لصالح الجانب الصيني الذي يسجل فوائض تجارية مع غالبية الدول العربية، وكمثال على ذلك بلغ حجم هذا الفائض مع الجزائر أكثر من 6 مليارات دولار في عام 2014، وأكثر من 3 مليارات دولار مع المغرب في عام 2010.
إجراءات لحماية الصناعة التقليدية
في محاولة منها لحماية ما تبقى من صناعاتها التقليدية تتخذ بعض الدول العربية إجراءات لحماية صناعاتها المحلية التقليدية من المنافسة الخارجية بشكل عام، والصينية بشكل خاص، ففي مصر على سبيل المثال تم مؤخرًا منع استيراد المصنوعات المتعلقة بالتراث بهدف تحفيز إنتاجها وإنعاش أسواقها، وفي المغرب تتخذ الحكومة بشكل انتقائي إجراءات لحماية المنتج المحلي عن طريق الرسوم الجمركية المفروضة على الاستيراد.
وإضافة إلى الإجراءات الحمائية فإن التراجع الذي تشهده الصناعة الصينية وصادراتها في الوقت الحالي تشكل فرصة لانتعاش الصناعات التقليدية في الدول العربية العريقة بصناعتها في حال واكبت الحكومات والسلطات المحلية هذا الانتعاش ودعمته بشكل غير مباشر عن طريق القروض الميسرة وتسهيل المعاملات الإدارية والدعم اللوجستي والترويجي، إضافة إلى محاربة الفساد الإداري بشكل جدي.
فرص جديدة للتعاون العربي الصيني
رغم أهمية إجراءات الحماية للصناعة الوطنية، فإنّ من غير المجدي استخدامها لحجب فوائد المنافسة التي تحفز على تحسين الجودة والكفاءة، كما ينبغي تجنب إيصالها إلى الحد الذي يضر بالصين وبالجهات المصدرة الأخرى إلى الدول العربية بشكل يدفعها إلى اتخاذ إجراءات مضادة تؤثر سلبيًا في تطور العلاقات الاقتصادية على الصعيدين الثنائي أو الجماعي.
وإذا كان هناك حالات لا بد فيها من اتخاذ إجراءات حمائية ولو مؤقتة لحماية المنتج التقليدي، فإن هناك فرصًا جديدة ينبغي استغلالها لتعويض ضرر هذا الإجراءات كتعزيز التعاون والاستثمار في مجالات جديدة كالطاقات المتجددة ومختلف فروع البنية التحتية.
وهنا يمكن للصين أن تلعب دورًا أكثر حضورًا بعدما اكتسبت شركاتها شراكات أوروبية وأمريكية وخبرات بناء وتجهيز عالمية في شرق آسيا وأفريقيا والقارة الأوروبية، فالصناعة الصينية لم تعد مقتصرة كما كان عليه الحال سابقًا على المنتج الرخيص متدني الجودة، فقد أضحت هذه الأيام في عداد الصناعات المنافسة عالميًا في السعر والجودة على أكثر من صعيد.
فيديو قد يعجبك: