المواطن ''يتحسس جيبه''.. هل يصل الدولار إلى 20 جنيهًا؟ مخاوف التعويم
تقرير - أحمد عمار:
''تعويم الجنيه''.. العنوان الأبرز على الساحة حاليًا، والذي أصبح يستحوذ على اهتمام قطاع عريض من المجتمع المصري، خصوصًا المواطن العادي الذي أصبح يرى نفسه أمام إعصار التضخم الذي يحرق راتبه بمعدل أسرع من المتوقع.
ومع تهاوي الجنيه، وصعود الدولار على حسابه، ارتفعت أسعار السلع في مصر، حتى صار المواطن مع كل أزمة يتحسس "جيبه" دومًا لمعرفة ما تبقى من جنيهات تكفي بالكاد احتياجاته الشهرية.
وسجل معدل التضخم السنوي رقمًا قياسيًا جديدًا، حيث ارتفع في أغسطس 2016 ليصل إلى (16.4 بالمئة) مقارنة بشهر أغسطس 2015، بينما كان مسجلاً 14.8 بالمئة في يوليو 2016.
ويُعد الدولار المتهم الرئيسي في اشتعال الأسعار وتسجيل التضخم لمستويات قياسية، بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخرًا، ومنها استمرار سياسة تخفيض دعم الكهرباء ورفع الأسعار، وكذلك تحريك أسعار بعض الخدمات والرسوم الحكومية.
التعويم ومفاوضات الصندوق
وظهر مصطلح ''تعويم الجنيه'' بشكل أكبر في الساحة مؤخرًا مع بدء مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات.
وعلى الرغم من أن الحكومة لم تنشر بشكل واضح ما تم من مفاوضات مصر مع صندوق النقد، نافيةً دومًا وضع أي شروط من قبل صندوق النقد على مصر للحصول على القرض، إلا أن تصريح جديد لأحد مسؤولي صندوق النقد، أكد عكس ذلك وأن هناك شرط تحرير سعر الصرف.
ويقول مسعود أحمد -مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق- خلال تصريحات صحفية له، أمس الجمعة، إن برنامج القرض البالغ قيمته 12 مليار دولار سيتضمن شروطًا، من بينها تقليص عجز الموازنة في مصر، والتحول بسعر الصرف إلى نظام تحدده السوق بشكل أوسع، وهو ما يعني "تعويم الجنيه".
التعويم
ويُقصد بالتعويم أن يصير "الجنيه" ضحية لآلية العرض والطلب إما بشكل مدار أي تتدخل الدولة في الوقت المناسب، أو تحرر كامل بدون أي تدخل، وقد يتم الأمر بخفض تدريجي في سعر العملة أو بشكل كامل.
البدء في سياسة التعويم من خلال خفض تدريجي لسعر العملة دون تحرير كامل ليس بجديد، فمنذ الفترات التي أعقبت ثورة يناير 2011 انخفض سعر الجنيه أمام الدولار رسميًا بالبنوك أكثر من مرة بسبب تراجع احتياطي النقد الأجنبي لضعف مصادر الدولار، ولكنها زادت حدتها في مارس الماضي حيث قام المركزي بخفض سعر الجينه نحو 112 قرشًا دفعة واحدة.
وعلى الرغم من خفض الجنيه أكثر من مرة الذي كان يقدر بنحو 6.05 جنيهًا في نهاية 2011 إلى 8.88 جنيهًا حاليًا بالبنوك، مازالت أزمة العملة الصعبة وندرتها تعصف بمصر، نتيجة عدمة معالجة ضعف مصادر الدولار من سياحة وصادرات وتحويلات المصريين في الخارج.
وفي المقابل مع كل تحريك في سعر العملة بالبنوك، تتحرك السوق السوداء للدولار بشكل مضاعف عن السعر الرسمي، حيث وصل سعر ''السوداء'' إلى أكثر 13.85 جنيهًا مقابل 8.88 جنيه بالبنوك، نتيجة عدم قدرة البنوك على تغطية طلبات المستوردين والعملاء.
للاطلاع - انخفاض حاد للجنيه بالسوق السوداء.. والمركزي يخالف التوقعات اضغط هنا
ولم تفلح القبضة الأمنية وضربات المركزي ضد تجار العملة حتى الآن وغلق العديد من شركات الصرافة فو وقف نزيف العملة، حيث مازالت السوق السوداء هي المتحكم الرئيسي في السعر نتيجة عدم استطاعة البنوك في توفير الدولار، الأمر الذي أدى أن معظم أسعار السلع مقومة بسعر السوق السوداء واشتعالها مع قفزات الدولار.
ويقدر حجم ما استوردته مصر خلال العام الماضي بنحو 80 مليار دولار.
تساؤلات التعويم
وأصبح التساؤل، هل تعويم الجنيه هو الحل لمواجهة أزمة العملة التي تخنق الاقتصاد المصري وانفلات التضخم؟ .. في ظل أزمة تراجع مصادر الدولار، مع مخاوف تضخمية والتي سجلت بالفعل رقمًا قياسيًا في أغسطس الماضي.
وفي حالة تحرير سعر العملة وتركها للعرض والطلب ووصول السعر لأكثر من 11 جنيهات رسميًا.. من الممكن أن يتضاعف السعر في السوق السوداء ويستهدف الـ20 جنيهًا كما حذر البعض ومنهم برلمانيون، خصوصًا أن السوق السوداء تتحرك بشكل مضاعف في حال تحريك السعر بالبنوك.
وكان النائب أحمد الطنطاوي عضو مجلس النواب، حذر من تعويم الجنيه المصري متوقعًا أن يرتفع سعر الدولار إلى 20 جنيهًا في حالة القيام بهذا الإجراء،مؤكدًا أن أزمة الاقتصاد المصري تمكن في كونه اقتصاد غير منتج ولا يتم القيام بحل مشاكل مصر الاقتصادية الحقيقية.
يرى اقتصاديون -استطلع مصراوي رأيهم- أن التعويم الكامل للعملة المصرية هو الحل الوحيد لانقاذ الجنيه من الانهيار في السوق السوداء ولمواجهة انفلات التضخم وليس العكس، مؤكدين أن السعر الحقيقي للدولار لا يتخطى حاجز الـ11.70 جنيهًا، مقابل أكثر من 13 جنيهات ونصف حاليًا وهو مايتم تسعير السلع بناء عليها.
وحذر الخبراء قيام المركزي في الخطوة المتوقع أن يتخذها قريبًا، بخفض آخر للجنيه كما حدث في السابق، دون الاتجاه إلى التعويم وترك سعر العملة يحدده السوق مع جود رقابة أو آلية لذلك، مشيرين إلى أن الخفض فقط دون تحرير السعر يعني استمرار الأزمة واستمرار الدولار في الاشتعال بالسوق السوداء وعدم حل الأزمة التي تخنق البلاد حاليًا.
ومن جانبه، يرى عمرو الألفي، محلل مالي وأمين عام الجمعية المصرية لخبراء الاستثمار، أن الاتجاه إلى تعويم الجنيه أصبح ضرويًا، وسوف تصل إليه مصر في نهاية المطاف خصوصًا مع تراجع الاحتياطي النقدي ومصادر الدولار، ولكن الاختلاف الآن هو ''التوقيت والطريقة'' فقط.
وبلغت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي نحو 19.582 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي، لتسجل أعلى مستوى لها في عام و4 أشهر.
واعتبر عمرو الألفي خلال اتصال هاتفي مع مصراوي أن ''التعويم'' هو الأفضل لمواجهة السوق السوداء خصوصًا أن ارتفاع الدولار بهذا الشكل ناتج عن مضاربات وطلب غير ''حقيقي''، أما في حالة التعويم وترك سعر الجنيه للعرض والطلب مع وجود رقابة حكومية، في هذه الحالة أنت تتحول للنظام البنكي في إدارة سوق العملة أي تترك البنوك هي من توفر الدولار الأمر الذي سيساعد على مواجهة جشع تجار العملة بالسوق السوداء.
وأضاف ''النظام البنكي في إدارة سوق العملة سيعمل على وفرة في الدولار، حيث أن البنوك لديها ودائع دولار من الممكن أن تستخدمها ولكن لا تستطيع أن تبيع أو تشتري نتيجة أن السعر الرسمي منخفض جدًا وليس السعر الحقيقي للدولار، فالتعويم سيعمل على وجود سعر عادل لسعر العملة الصعبة في السوق يحفز البنوك على التنفيذ، الأمر الذي سيؤدي إلى وجود توازن بالسعر''.
وأكد أنه إذا قامت الحكومة بخفض للجينه فقط دون الاتجاه إلى التعويم كما حدث في مارس الماضي، سيعمل على ارتفاع الدولار بالسوق السوداء.
واقترح الخبير المالي، أن يتم مع التعويم وضع حد أقصى لسعر الدولار في السوق كنوع من الرقابة، مثل مايحدث في البورصة عند تداول السهم حيث أن هناك حد أقصى لتداول سعر السهم يتم وقف التداول عليه لمده زمنية لمعرفة سبب الصعود أو الهبوط وفقًا لنسبة المحددة لتحرك السهم من خلالها.
ويرى ''الألفي'' أنه وفقًا للتقديرات بناءً على نموذج السعر الفعلي الذي يقارن سعر العملة المصرية في الدول الأخرى باليورو الجنيه الاسترليني وغيره متسوط السعر الحقيقي للدولار مابين 10.70 جنيهًا و 11.60 جنيه، متوقعًا أن يهبط الدولار بالسوق الموازية بعد التعويم لأن سعره الحالي غير حقيقي ومبالغ فيه.
وعن تأثير ذلك على التضخم، أكد رئيس الجمعية المصرية لخبراء الاستثمار ''أن ارتفاع الأسعار لن يكون كبيرًا حيث أن المنتجات الحالية في السوق متسعرة بسعر السوق السوداء، كما أن عدم تحرير سعر الجنيه يعني ارتفاع أكبر في التضخم على المدى الطويل وهو مايحدث حاليًا''.
رفع الفائدة
وتوقعت دراسة أعدها الخبير المصرفي أحمد آدم اطلع مصراوي عليها -ونشرها في وقت سابق-، أن ترتفع معدلات التضخم إذا قام البنك بخفض الجنيه بشكل أقل حدة عما كانت عليه بعد التخفيض السابق الذي تم في شهر مارس الماضي، مرجعة ذلك إلى أن انخفاض كافة موارد مصر الدولارية أجبر البنك المركزي على الاكتفاء بما يطرحه من تمويل دولاري لحركة الواردات مرة في الأسبوع وبقيمة لا تزيد عن 120 مليون دولار فقط حفاظاً على الاحتياطيات الدولية لمصر من العملات الأجنبية.
ونوهت الدراسة بأن ذلك يعني أن البنك المركزي بات يمول أقل من 15 بالمئة فقط من حركة الواردات والتي يمول 85 بالمئة منها على الأقل من السوق الموازية.
وطالبت دراسة مصرفية، البنك المركزي المصري، بأن يتم رفع أسعار الفائدة على الودائع لمواجهة أثار السلبية لخفض العملة، والمتوقع إذا قام البنك المركزي بخفض جديد للجنيه خلال الأسابيع المقبلة، عبر الاعتماد على بنوك القطاع العام وليس بقرار مباشر منه.
للاطلاع - دراسة تطالب المركزي برفع الفائدة عبر البنوك العامة وتقلل من آثار خفض الجنيه.. اضغط هنا
الوقت الأنسب للتعويم
كما اتفق جلال الجوادي مدير رقابة على النقد بالبنك المركزي سابقًا، أن تعويم العملة وترك سعر الجنيه لقواعد السوق الحر للنقد الأجنبي هو الحل لمواجهة الأزمة الحالية في توفير الدولار.
ويرى ''الجوادي'' خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، أن الوقت الحالي هو الأنسب لتعويم الجنيه خصوصًا مع مفاوضات مصر مع أكثر من جهة ومنها صندوق النقد الدولي للحصول على قروض، محذرًا أنه الاستمرار في الوضع الحالي دون التعويم ''الدنيا هتبوظ أكثر'' -على حد وصفه-.
وأكد أن التعويم هو الحل الأمثل لمواجهة السوق السوداء وارتفاع التضخم ووصول الأسعار لمستويات قياسية، قائلًا ''التعويم سوف يعمل على تقليل التضخم وتراجع في الأسعار، لأن التعويم سيعمل على وجود توازن وسعر عادل للدولار والذي يقدر مابين 10.50 و 11 جنيهًا مقابل أكثر من 13 جنيهًا ونصف بالسوق السوداء والتي يتم تقويم سعر السلعة بناء عليه''.
وأرجع المسؤول السابق بالبنك المركزي رأيه، إلى أن وجود سعر عادل للدولار سوف يعمل على ارتفاع مصادر الدولار التي تعاني حاليًا من التراجع، و منها تحويلات المصريين في الخارج والتي تعد أحد أهم مصادر الدولار، حيث أن تحرير سعر العملة وأن يكون معلن ومفتوح أمام الكل، سوف يشجع الأفراد على التحويل بشكل رسمي من خلال البنوك نتجية وجود سعر عادل، وليس كما يحدث حاليًا حيث يتجه الأفراد إلى السوق السوداء نتيجة انخفاض سعر الدولار بالبنوك وعدم وجود السعر الحقيقي له.
وأضاف ''التعويم سوف يؤدي إلى انخفاض سعر الدولار عن مستواه الحالي والمبالغ في السوق السوداء نتيجة العرض والطلب، مما يؤدي إلى تراجع أسعار السلع والتضخم نتيجة أن الأسعار حاليًا مقومة بسعر السوق السوداء''.
وأشار إلى أن الشركات والمستوردين والمستثمرين يتخذون قرارتهم بناء على سعر الدولار في السوق السوداء وليس البنوك.
استثمارات
أكدت كابيتال ايكونوميكس للأبحاث، إنه من المستبعد أن تشهد مصر نموًا كبيرًا في الاستثمارات الأجنبية قبل أن تخفض عملتها.
وأضافت المؤسسة التي مقرها لندن في تقرير حصلت رويترز على نسخة منه، أنها ترى أن خفض قيمة الجنيه لا يعدو كونه مسألة شهور، ومن المرجح أن تنخفض العملة في النهاية نحو 25 بالمئة أمام الدولار إلى 12 جنيهًا للدولار بنهاية العام المقبل مقارنة مع 8.78 جنيه حاليًا.
وتابعت "البعض يقول إن السلطات ستؤجل خفض قيمة العملة لحين ارتفاع التدفقات الرأسمالية والوصول بميزان المدفوعات المصري إلى وضع أكثر استدامة... لكننا نرى أن مصر لن تستطيع استقطاب تدفقات رأسمالية قوية إلا بعد خفض الجنيه."
فيديو قد يعجبك: