لماذا ترتفع أسعار السلع عالميا وكيف ومتى ستؤثر على مصر؟
كتب- مصطفى عيد:
تشهد أسعار العديد من السلع الأساسية والمواد الخام ارتفاعات ملحوظة خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة، ومن بينها الحديد، والنحاس، والأعلاف، والألومنيوم، والبترول، والزيوت، والقمح، وهو ما ينذر بموجة تضخمية عالمية كبيرة بدأت في الظهور ومنتظر أن تنعكس بشكل أكبر وأوضح خلال الفترة المقبلة خاصة على أسعار المنتج النهائي ومعدلات التضخم.
وفي مصر بدأت بالفعل بعض أسعار السلع في الارتفاع تأثرا بهذه الزيادة، مثل الحديد وبعض الأجهزة الكهربائية والأعلاف، والدقيق، والبن، وغيرها من السلع، ولكن التأثير الأكبر على ما يبدو من توقعات المحللين والخبراء لم ينعكس بعد على التضخم في مصر والذي من المتوقع أن يكون مختلفا بعض الشيء مقارنة باقتصادات أخرى خاصة المتقدمة منها.
ويحاول مصراوي في هذا التقرير فهم أسباب ارتفاع هذه السلع والخامات عالميا خلال الفترة الأخيرة، وكيف يمكن أن ينعكس تأثير هذا الارتفاع على تضخم الأسعار والاستهلاك في مصر.
لماذا ترتفع أسعار السلع والخامات عالميا؟
يرى أيمن أبو هند، خبير الاستثمار، المؤسس ومدير الاستثمار بشركة "أدفايزبول هولدينج"، أنه يأتي على رأس الأسباب وراء ارتفاع أسعار المواد الخام والسلع عالميا عودة فتح العديد من الاقتصادات بعد قطع مسافة كبيرة في تطعيم المواطنين بهذه الدول، وهو ما رفع الطلب على المواد الخام مع عودة النشاط الاقتصادي.
وقال أبو هند لمصراوي إن ذلك تزامن مع عدم قدرة منتجي المواد الخام على سرعة استيعاب هذه الطلبات لعدم توقعهم بعودة الطلب عليها بهذه السرعة، حيث كانت تقديراتهم أن يحدث ذلك في نهاية العام الجاري.
وذكر أنه نتج عن ذلك فارق كبير بين الطلب والعرض وهو ما نتج عنه ارتفاع الكثير من أسعار الخامات والسلع الأساسية ورغم ذلك لا يتراجع الطلب بسبب زيادة الأسعار وذلك من أجل رغبة المصنعين في تغطية الطلبات على منتجاتهم وفي النهاية سيتم تمرير زيادة أسعار المواد الخام إلى المستهلك النهائي.
وقال محمد أبو باشا نائب رئيس قسم البحوث ببنك استثمار هيرميس، لمصراوي، إن ارتفاع أسعار السلع والخامات يعود إلى أن هناك بدايات تعافي في جزء من الاقتصادات الأهم في العالم مثل الصين والولايات المتحدة وبريطانيا وهو ما يعود إلى التوسع في نشر اللقاحات ضد فيروس كورونا.
وأضاف أن ذلك يعني أن هذه الدول ستستكمل فتح اقتصاداتها قريبا بعد أن بدأت في فتحها جزئيا، وما ينعكس على ارتفاع النشاط الاقتصادي والطلب.
وذكر أبو باشا أنه سيتم بذلك الاستفادة من الحزم التحفيزية التي ضُخت خلال الفترة الماضية خاصة في الاقتصادات المتقدمة والتي كان جزءا منها عبارة عن سيولة موجهة للأفراد، ومع فتح الاقتصادات سيتم إنفاق هذه الأموال في الأسواق وبالتالي رفع الطلب على السلع والمنتجات.
وأوضح أبو هند أن جزءا من الطلب الحالي على الخامات والسلع الأساسية يعود إلى رغبة المنتجين في الحصول على أكثر من احتياجاتهم بغرض التخزين خوفا من حدوث نقص أكبر في هذه الخامات، وبالتالي عجز هؤلاء المنتجين عن تلبية الطلبات التي لديهم على المنتجات.
وأشار إلى أن الزيادة العالمية الأخيرة في الطلب على الخامات تعود بشكل أساسي إلى زيادة الطلب في الصين وجنوب شرق آسيا وبعض الدول الأخرى مثل الهند- قبل الانتكاسة الأخيرة في مواجهة انتشار فيروس كورونا- وليس العامل المؤثر فيها فتح وعودة النشاط في الاقتصادات الأوروبية والأمريكية فقط.
ويرى محمد أبو باشا أنه تزامنا مع ارتفاع الطلب في بعض الدول كان هناك مشكلات تتعلق بتراكم الطلبات على الشركات وصعوبة تلبيتها من خلال سرعة التوريد وهو ما يولد الضغط على هذه الشركات نظرا لوجود مشكلات أصلا تتعلق بالتوريد منذ فترة إغلاق الاقتصادات وهو ما يتزامن مع الطلب المرتفع أصلا في الفترة الحالية، وهو ما ظهر في أزمة نقص الرقائق الإلكترونية الخاصة بصناعة السيارات.
وينتج عن عدم قدرة الشركات على التوريد بنفس سرعة الطلبات فجوات تمثل ضغطا على الشركات وهو ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى تأثر عوامل أخرى مثل اختناقات النقل، فالموضوع مثل لعبة "الدومينو"، والاختلالات في عناصر العملية الإنتاجية والاستهلاكية بدأت في الظهور مع بدء عودة الطلب، بحسب أبو باشا.
وقال أبو باشا إن أرقام التضخم بدأ بالفعل في الصعود في بعض الدول خلال الشهور الأخيرة، ومنها الولايات المتحدة الشهر الماضي، خاصة مع وجود تخوف من الموجة التضخمية التي بدأت بالفعل.
وأضاف أن هناك أيضا تكالبا في الطلب من بعض المنتجين على بعض الخامات من أجل الرغبة في تخزينها بسبب المخاوف من النقص الحادث فيها وهو ما يضغط على أسعارها وفي نفس الوقت لا يستطيع هؤلاء المنتجون الحصول على ما يرغبون من الخامات، وفي النهاية ستنتقل هذه الزيادات إلى أسعار السلع النهائية للمستهلك.
وذكر أبو باشا أن هناك عددا من السلع الأولية زادت أسعارها بشكل كبير خلال الفترة الماضية مثل الحديد والألومنيوم والنحاس وأيضا البترول، وأسهم في ارتفاع بعض هذه السلع محاولات الصين تخزين كميات منها من أجل تلبية الطلبات المتعلقة بها خاصة مع التعافي الذي بدأت تشهده في الفترة الماضية وبشكل أسبق من الاقتصادات الكبيرة الأخرى.
إلى متى ستستمر هذه الموجة؟
قال أيمن أبو هند أن هناك سيناريوهين لفترة الموجة التضخمية التي تضرب أسعار السلع الأساسية والمواد الخام عالميا أحدهما يتوقع أنها وقتية، والآخر يرى أنها قد تستمر.
وأضاف أنه يرجح حدوث السيناريو الأول بأن هذا التضخم سيكون وقتيا ومع زيادة العرض وتغطية الطلب المرتفع في الفترة القريبة المقبلة ستنضبط الأسعار.
وذكر أبو هند أن السيناريو الثاني أن يستمر ارتفاع الأسعار لفترة من أجل أن يعوض المنتجون الخسائر التي تعرضوا لها في عام 2020 تزامنا مع بداية تداعيات أزمة كورونا، ثم بعد ذلك ستنخفض الأسعار مع الوقت.
وهذا السيناريو قد يتضمن ارتفاع أسعار كل المنتجات عالميا بما يؤدي لحدوث موجة تضخم كبيرة ينتج عنها تراجع الطلب وبالتالي انخفاض الأسعار بعد ذلك، وفقا لأبو هند.
ويتوقع محمد أبو باشا أن تستمر هذه الموجة التضخمية عالميا إلى العام المقبل على أن تنتهي بحد أقصى في أواخر 2022.
وأشار إلى أن استمرار هذه الموجة مرتبط بمدى سرعة التطعيم بلقاحات كورونا حول العالم خاصة في الدول الناشئة، والتي تشهد تباطؤا حاليا في هذه العملية، وبالتالي يتم مع الوقت التئام الفجوة بين العرض والطلب مع تزامن فتح الاقتصادات بجميع الدول.
كيف ستؤثر هذه الموجة التضخمية على الأسعار في مصر ومتى؟
يرى أبو هند أن تأثير موجة التضخم الخارجية ستبدأ في الظهور والانعكاس على أسعار المستهلك في مصر مع أواخر شهر يونيو المقبل وأنها ستكون مؤقتة، ولكن أبو باشا يتوقع أن تكون ذروة ارتفاع معدلات التضخم في مصر تأثرا بهذه الموجة المستوردة في أواخر العام الحالي وبدايات العام الجديد.
واتفق الخبيران على أن تأثر مصر بهذه الموجة لن يكون كبيرا حيث سيتراوح متوسط معدلات التضخم، بحسب توقعاتهما، بين 6 و8%، وهو ما يتفق مع مستهدفات البنك المركزي للتضخم عند 7% بزيادة أو نقصان 2% خلال الربع الأخير من عام 2022، وأيضا أقل من المتوسط العام لمعدلات التضخم في العقدين الماضيين بين 9 و11%.
وقال أبو هند إنه من المتوقع أن تنعكس الزيادة في أسعار الخامات العالمية على المواد الخام الداخلة في الصناعة ببعض القطاعات في مصر وليس كلها ومنها ارتفاع الأسعار في عدد من السلع التي حدثت بالفعل مثل الحديد والأسمنت والطوب والأعلاف.
واستبعد تماما أن تمر مصر بنفس الموجة التضخمية التي تعرضت لها بعد التعويم أو حتى قريبا منها، مرجحا أن لا تتعدى معدلات التضخم السنوية في مصر ظل هذه الموجة مستوى 8% وأنها ستكون مؤقتة لن تتعدى 8%، وذلك لأن الموجة التضخمية الخارجية لن تنتقل بكامل تأثيرها إلى السوق المصري.
بينما يرى أبو باشا أن هذه الموجة ستنعكس على أسعار السلع في مصر والدول الناشئة بشكل تدريجي خاصة مع استمرار التأثر بتداعيات أزمة كورونا وتباطؤ التعافي في ظل بطء حركة التطعيم وعدم وجود حزم تحفيز قوية وبالتالي تأثر الاستهلاك في الفترة الأخيرة.
وقال: "الزيادات طالت كل السلع الأساسية تقريبا ومن المتوقع أن يستغرق تأثيره وقتا في الدول الناشئة ومنها مصر وهو ما سيتسبب في تأخير تمرير الزيادات إلى أسعار المنتجات النهائية وأيضا حدوث ذلك بشكل تدريجي لا يمثل ضغطا على المستهلك".
وتوقع أبو باشا أن تكون ذروة هذا التأثير مع بدء تعافي الاستهلاك وهو المتوقع ألا يحدث قبل أواخر العام الحالي وبدايات العام المقبل وستكون قوته مرتبطة بمدى قوة هذا التعافي، ولكن متوسط معدل التضخم في العموم لن يزيد عن 6% في هذه الذروة وستكون الارتفاعات تدريجية.
عوامل أخرى تساعد على عدم تأثر مصر بقوة هذه الموجة
قال محمد أبو باشا إن هناك عوامل أخرى ستساعد في عدم تحقيق معدلات التضخم في مصر قفزة كبيرة في ذروة التأثر بهذه الموجة التضخمية ومنها معدلات التضخم المنخفضة التي تشهدها مصر خلال العامين الماضي والحالي والتي تتراوح بين 4 و7%، خاصة أنه لم يتعدَ مستوى 5% هذا العام حتى الآن.
وأضاف أن من بين هذه العوامل أيضا وجود مخزون من الخامات لدى بعض الشركات وبالتالي القدرة على تمرير الزيادة في أسعار الخامات تدريجيا إلى السلع النهائية بما لا يؤدي إلى ارتفاعات كبيرة في الأسعار مرة واحدة، وذلك مع شراء خامات جديدة بشكل تدريجي في الفترة المقبلة مع انتهاء المخزون الحالي.
كما قد تلجأ الشركات تزامنا مع تمرير الزيادة في الأسعار تدريجيا إلى إجراءات مالية أخرى تتعلق بخفض التكاليف من أجل إمكانية تحمل جزء من هذه الزيادة دون تمريرها للمستهلك الذي قد لا يتحمل زيادات كبيرة مرة واحدة في الأسعار خاصة بعد الارتفاعات في الأسعار خلال السنوات التي شهدت تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، وفقا لأبو باشا.
وأشار إلى أن أحد هذه العوامل أيضا يتمثل في توفير كميات من السلع الغذائية التي ارتفعت أسعارها عالميا بشكل مدعم لأصحاب البطاقات التموينية في مصر وهو ما يسهم في عدم انعكاس الزيادات في أسعارها على المستهلك المصري بشكل كامل.
عدم انخفاض أسعار البنزين والسولار بشكل كبير عند الانخفاض الكبير في أسعار البترول العام الماضي أسهم في عدم رفعها بشكل كبير محليا الشهر الماضي وبالتالي عدم انعكاسها بشكل ملحوظ على التضخم، بحسب أبو باشا.
كما أن أسعار السلع الأخرى غير الغذائية التي يمكن أن ترتفع خلال الشهور المقبلة تأثرا بهذه الموجة مثل السيارات أو الأجهزة الكهربائية لن تؤثر على معدل التضخم بشكل كبير نظرا للوزن النسبي الأقل لهذه السلع في المؤشر، وفقا لمحلل الاقتصاد الكلي.
هل يؤثر ارتفاع معدلات التضخم المتوقع في مصر على الاستهلاك والفائدة؟
يتوقع أيمن أبو هند أن لا يكون للارتفاع المنتظر في معدلات التضخم تأثيرا كبيرا على الاستهلاك في مصر لأنه بالفعل متأثر بما تعرض له من إجراءات وأزمات خلال المرحلة الماضية وآخرها تداعيات جائحة كورونا، وبالتالي وصل إلى ذروة تأثره تقريبا ولن يكون لأي موجة تضخمية جديدة تأثير ملحوظ عليه.
واستبعد أن يتأثر الاقتصاد بالموجة التضخمية المتوقع بشكل ملحوظ نظرا لأن تأثير أي موجة من هذا النوع يكون متركزا على جانب الاستهلاك، وهو متأثر بالفعل في حالة مصر، وبالتالي ليس هناك مجالا لاستيعاب المزيد من التداعيات، ولكن التأثير الذي قد يحدث هو إطالة الفترة التي قد يستغرقها الاستهلاك من أجل التعافي.
كما استبعد أبو هند أن يكون التأثير كبيرا على استهلاك السلع الغذائية الأساسية وتأثر محدود الدخل بهذه الموجة بدرجة كبيرة، بسبب عدم ارتفاع أسعار هذه السلع بنفس قوة بعض الخامات والسلع الأخرى، إلى جانب أن جزءا من هذه السلع التي تصل لمحدود الدخل يكون مدعوما.
وأوضح أنه حتى إذا تأثرت بعض السلع الغذائية بشكل ما سينعكس هذا التأثير على طريقة الاستهلاك عامة وليس على استهلاكها هي لأنها سلع ضرورية، وبالتالي قد تضطر بعض الأسر للاستغناء عن سلع أخرى بعض الوقت في مقابل الحفاظ على نفس المستوى من استهلاك هذه السلع.
وأشار إلى أن التأثير الأكبر قد يطول بعض القطاعات منها الإلكترونيات والحديد والصلب والأسمنت وأيضا الأدوية وغيرها، وذلك في ظل أن القطاع الخاص غير النفطي يعاني بالفعل من ركود نسبي وهو ما يظهر مؤشر مديري المشتريات.
ويتوقع محمد أبو باشا ألا يستدعي الارتفاع المتوقع في معدلات التضخم في مصر خلال الفترة المقبلة رفع أسعار الفائدة في البنك المركزي.
وقال إنه حتى بعد وصول معدلات التضخم إلى ذروتها ستقدم مصر عائدا حقيقيا إيجابيا في حدود 3% أو أقل قليلا (مقابل نحو 4% أو أكثر حاليا) وهو ما سيكون أعلى من المتوسط العام الذي يفترض أن يتراوح بين 1 و2%.
فيديو قد يعجبك: