لماذا هرب المصريون من برامج التوك شو الى مشاهدة التت وأخواتها؟
تحقيق - نور عبد القادر:
كان البرامج السياسية في الفضائيات قبل الثورة من أكثر المواد الاعلامية الجاذبة للمصريين، باعتبارها المنفس الوحيد للخروج من دائرة القمع والسيطرة التى فرضها النظام السابق، وكانت الجرأة النسبية لهذا البرامج تضمن لها نسب مشاهدة كبيرة.
ولكن بإندلاع ثورة 25 يناير وإقبال المصريين على الحديث في السياسة والتي تحولت الى مجرد مناقشات جدلية واستعراض فقط وزحام البرامج السياسة والقنوات التى تعلن عن نفسها بأنها خرجت من رحم الثورة، لم تجد لها جمهورا يتابعها بعدما شعر المواطن بـ"الزهق" من كثرة البرامج التي لم تعد تقدم أي جديد بل أن ضيوفها أصبحوا مكررين، علاوة على عزوف المواطن عن سماع أخبار الأحداث المأساوية التي تخرج عليه كل يوم منذ اندلاع الثورة.
وحول اسباب عزوف المصريين عن متابعة الأخبار السياسة، والانحراف المفاجىء وراء قنوات تقدم فن الرقص الشرقي والغاني الهابطة، ناقش "مصراوى" الخبراء للوقوف حول أبعاد تلك القضية.
"المصرييون تعبوا وملوا من حديث السياسة"هكذا وصفت الدكتورة ليلى عبد المجيد أستاذ الصحافة بكلية الاعلام جامعة القاهرة المصريين بعد ثورة 25 يناير، مبررة ذلك بأن العديد من القنوات سعت لتغير سياستها الاعلامية بعد الثورة، فكثفت الحديث عن شئون البلاد والثورة المصرية وخلقت حالة من التفاؤل السريع والبهجة، ولكن مالبث أن شعر المصريون بالاحباط واليأس يتسلل اليهم مرة أخرى، فالتغيير الذى تتحدث عنه الفضائيات اتضح انه بارة عن "احلام".
وللاسف الاعلام المصرى سواء الحكومى والخاص لم يستوعب ذلك، بل سعى لمزيد من الجرعات السياسيىة واهمل النواحى الترفيهية، وضاعت البوصلة الاعلامية، فأغفل التوازن، وتجاهل النواحى الايجابية للثورة، وركز على الهدم وليس البناء، وجعل المواطن فى "حالة ثورة" طوال اليوم.
وتستكمل الدكتورة ليلى عبد المجيد: كان من الطبيعى أن يعزف المواطن عن تلك القنوات، ويسعى لمواصلة حياته الطبيعية بالبحث عن نماذج إيجابية، وللاسف اتجه البعض لمثل تلك القنوات الهابطة كوسيلة للهروب، وكان على الاعلام المصرى ان يسعى لاخراج المصريين من دائرة اليأس التى صنعتها برامج التوك شو السياسية ومقدميها بإجورهم الخيالية، والذين يبحثون عن الاثارة وحجم الاعلانات بغض النظر عن التأثير السلبى لذلك.
ويتفق الكاتب الصحفى صلاح عيسى على ان المصريين عزفوا عن حديث السياسية، لان الثورة لم تؤتى ثمارها فلا وجود للعدالة الاجتماعية ولا للحكم المدنى.
واوضح: ان الشعب المصرى بطبيعتة يميل للبهجة ولايمكن ان يغرق ليلا نهارا في برامج وقنوات السياسة، وهو الخطأ الذى وقعت فيه جميع القنوات التى اطلقت بعد الثورة، حيث تسابقت القنوات فى الحصول على اكبر وأشهر مقدمى التوك شو، ولعل اللافت للانتباه أن إحدى القنوات بها قرابة العشرة من اشهر مقدمى برامج التوك شو، وجميع برامجها سياسية.
ويرى دكتور سمير عبد الفتاح، إستاذعلم النفس بجامعة القاهرة، أن تلك القضية لابد من تقسيمها لشرائح حسب الفئة العمرية، فعلى سبيل المثال، الشباب كانوا اكثر الفئات إقبالاعلى مشاهدة ومتابعة البرامج السياسية قبل وبعد الثورة، ولكن للاسف بعد الثورة بعام، عزف الشباب عن السياسة، لانهم شعروا أن الثورة سرقت منهم، وذهبت للاخوان والسلفيين، أما الكبار فلديهم رفض حديث السياسة والثورة لان كل مايهمهم المن على الصغار والزوجات والعمل والمال، وعلى المستوى الحقيقى، لم تحقق الثورة لهم اى شئ من مطالبهم.
ويفسر عبدالفتاح إقبال المصريين على قنوات الفن الهابط، بأنها أشبة بإنتكاسة مريض، فنظرا لان الشباب شعروا ان الثورة لم تحقق شئ، فكروا فى الهروب من الواقع، ويطلق على تلك الحالة فى طب النفس "ميكانزمات الدفاع"، وهى أشبه بإتجاه المريض النفسى للمخدرات نتيجة شعورة باليأس، لهذا فقنوات "الفن الهابط" أشبة بالمخدرات التى تسعى لتغييب المصريين، وتحولهم لمرضى.
وتعترف الدكتورة عزة كريم استاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة بأنها أمتنعت مؤخرا عن متابعة البرامج والقنوات والصحف، بل وسعت للاتجاه لفن الستنيات كمحاولة للتخلص من حالة الاحباط واليأس، التى صنعها الاعلام المصرى.
وتستنكر الدكتورة عزة ما يحدث بالاعلام المصرى، وتؤكد: لقد أدى التركيز على مشاكل الانفلات الأمنى والجرائم، وسرقة الثورة والمظاهرات والاعتصامات، الى اصابة المصريين بحالة نفسية سيئة، والتى تؤثر بشكل كبير على علاقتهم الانسانية واعمالهم، وكأننا مازلنا نعيش ظل النظام القديم.
وحول الاقبال على قنوات الفن الهابط وغيرها تؤكد:ان تلك القنوات نجحت فيما فشلت فية القنوات المسماه بقنوات الثورة، حيث سحبت المشاهد المصرى اليها، وللأسف أصبحنا كمصريين فى معركة بين الوعي واللاوعي.
اقرأ ايضا :
صافيناز كاظم: لولا ثورة 25 يناير لكنا جميعا غرقى مثل ''تيتانك''
فيديو قد يعجبك: