''مختار'' و''خالد''.. جيران ''الحزن والغضب''
كتب - سرحان سنارة وإشراق أحمد:
أمسكت الأم الهاتف للاطمئنان على ابنها ''مختار'' الذي أخبرها في اليوم السابق، أنه بطريقه إلى معسكر التجنيد بالسلوم على متن القطار الحربي القادم من السويس.
لكنها لم تجد صوته يجيبها ليريحها من هواجس القلق والخوف؛ فما كان لها والأب بعد انقطاع الاتصال به منذ، الأربعاء الموافق 29 مايو الماضي، إلا مناشدة وزير الدفاع والإنتاج الحربي بشخصه ''عبد الفتاح السيسي''، للاطمئنان على نجلهما، لتأتيهما إجابة كانت صادمة للأسرة بأن الابن ''مختار عصام'' مُتغيب عن المعسكر منذ أيام.
فتحول القلق إلى هلع بعد مطالبة قوات الجيش للأب بالحضور إلى مستشفى ''براني المركزي''؛ حيث تم العثور على جثة بالقرب من محطة قطار ''المشيفة'' بمركز ''سيدي براني'' بمرسى مطروح، يشتبه أنها تخص ابنهم، وذلك بعد 6 أيام من اختفائه.
وداخل المستشفى تعرف الوالد بصعوبة على جثة الابن نظرًا لتشوه ملامحها؛ حيث تم العثور عليها في حالة تعفن كامل، ليتحول القلق والهلع إلى حزن مليء بالدموع والصراخ تأكيدًا لوفاة الابن العشريني.
''مختار عصام مختار السيد''، المجند الشاب بالقوات المسلحة في الكتيبة 800 مدفعية باللواء 130 الفرقة 33 بالسلوم، التابعة للمنطقة الغربية العسكرية، وابن الإسكندرية الذي جاء حادث وفاته بعد ما يقرب من أسبوعين منذ إطلاق سراح جنود رفح المختطفين.
لتقضي الأسرة ساعات أمام مشرحة ''كوم الدكة'' بالإسكندرية التي استقبلت جثة ''مختار'' وشهدت تشريحها، محاولين التماسك أمام ألم رؤية جثة ''مختار'' التي ظهر عليها كما صرحت الأسرة، أثار لتعذيب وصلت لقطع الأصابع وتكسير جميع أسنانه ولم يبق إلا واحدة، على حد قول أسرة ''مختار''.
وشاء القدر أن يضفي على منطقة ''كليوباترا'' حزن لم تلتئم جراحه بعد، رغم مرور ثلاث سنوات؛ ففي الشارع ذاته سكن كل من ''مختار عصام'' و''خالد سعيد''، وساعات هي التي فصلت بين إعلان وفاة الأول واستقبال العزاء، والذكرى الثالثة لوفاة الثاني.
ساعات قليلة فصلت ما بين استمرار المطالبة بحق ''خالد'' الذي شهد الأول من يونيو الجاري إخلاء سبيل المتهمين بقتله في إعادة محاكمتهم للطلاع على أوراق القضية، وانضمام ''مختار'' لقائمة معرفة أسباب الوفاة والحقوق المطالب بالحصول عليها والنيل من مرتكبي الحادث بالعقاب الرادع.
''شهيد الطوارئ'' و''شهيد القوات المسلحة''.. شابان عشرينيان وإن كان الأول سبق الثاني بـ8 سنوات في الميلاد، فقد سبقه أيضًا بثلاث سنوات في الوفاة، ذاقت فيهم أسرة ''خالد سعيد'' جرعة حزن أدمت القلب، لتشاركها أسرة ''مختار'' هذا العام كل من الجيرة وذلك الحزن.
البعض شبه حادث وفاة ''مختار'' وغموضه ومفاجئته بمقتل ''خالد'' ليطلقوا عليه ''خالد سعيد الثاني''، على حد قولهم، حتى أنه على غرار الصفحة الشهيرة '' كلنا خالد سعيد'' والتي ربما تشابهت معها صفحات كثيرة في ذلك، لكنها لم تتشابه في الأحداث؛ أنشأ أصدقاء ''مختار'' صفحة على موقع التواصل الاجتماعي '' فيسبوك'' باسم '' كلنا الشهيد المجند مختار عصام''.
الابن الذي اعتبرته أسرته شهيدًا كان ينتظر انقضاء أربعة أشهر لإنهاء مدة تجنيده في القوات المسلحة، لكن القدر شاء أن تشيعه الأسرة، الأربعاء الماضي، إلى مثواه الأخير بمقابر ''النور'' بالضاهرية، من مسجد سيدي جابر الشيخ على بعد أمتار قليلة من مقر قيادة المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية.
حالة من الحزن صاحبها الغضب سادت جنازة ابن الـ23 عامًا؛ حيث شككت الأسرة في أسباب وفاة ابنهم، مؤكدين أنه تعرض للتعذيب حتى الموت ولم يتم اختطافه من قِبل مجهولين كما يؤكد الجيش، ليعلو الهتاف ضد الجيش خلال تشيع الجثمان ''يسقط يسقط .. ظلم العسكر''، و''يسقط يسقط.. حكم العسكر''، و'' لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله''.
وشارك عدد من شباب القوى الثورية حاملين لافتات مكتوب عليها عدد من الشعارات من بينها ''بعتوا شهيد على الحدود مش قتيل بأيد ملعون''، و''الجندي مختار عصام.. آه يا بلد أرخص ما فيكي دم حاميكي''.
ولم تتردد أسرة ''مختار'' في المشاركة يوم الخميس الماضي في ذكرى وفاة ''خالد سعيد'' التي حمل فيها المشاركون لافتة ضمت صورة كل من ''مختار'' و'' خالد'' لتأتي الأولى تحت كلمات ''شهيد القوات المسلحة''، بينما الثانية حملت كلمات ''شهيد الداخلية'' وبين الصورتين كانت كلمات ''بينهما ثورة''، واحتل أسفل اللافتة كلمات ''كأنك يا أبو زيد ما غازيت''.
وقالت والدة ''مختار'' والدموع تملأ عينيها أن ابنها لم يكن مخطوف، وأنه تعرض للتعذيب والسحل حتى الموت، على حد قولها، مطالبة الجيش والقوات المسلحة بالكشف عن التفاصيل، قائلة :''عايزة حق ابني'' .
فيديو قد يعجبك: