يوسف زيدان: المسيحية تأثرت باليهودية التي تحط كثيرًا من قيمة المرأة (حوار)
كتبت - نسمة فرج:
يقال عنه فيلسوف في عصر اندثر فيه الفلاسفة، تفتح عقله على روائع التراث ودرر تسطرت على صفحات التاريخ الصفراء المهترئة فبزغ نجمه شابا يحقق مخطوطة أنهكها الزمن وكاد يهلكها، جذب القراء بعقل متوقد يصارع بموضوعيته دوامات التدين ويخرج سالما من متاهات الوهم بفقه كامل لثورة تعطش المصريين ليفقهوا التعامل معها، وجوار عقله خلق قلبه مشاعرًا مرهفةً لراهب عزازيل في روايته الشهيرة المترجمة للغات شتى.
تحدث مصراوي مع الكاتب يوسف زيدان ليكشف أسباب التي دفعته لاعتزال العمل الثقافي وأسباب رجعته وهل تحققت جدلية العنف والدين والسياسي ومدى انطباقها على واقع وطن خاض ثورة ولازال يصارع التدين الفارغ والوهم ولاهوت التكفير وتيارات العنف والسلطة.. إلى الحوار
لماذا تتجنب الحديث عن الجانب الشخصي في حياة يوسف زيدان؟
لأن القارئ لا يهتم بحياتي الشخصية، لذا لا أريد الخوض في هذا الجانب.
هل تتبع طقوس معينة عند الكتابة؟
ليس لي طقوس في الكتابة، حيث لا أكتب في وقت محدد لأني في حالة كتابة دوما
وأكتب بالطريقة التقليدية "الورقة والقلم" في هدوء وعزلة عن الناس وخاصة في حالة الكتابة الروائية، حيث أبدا في كتابة المشهد إلا إذا رأيته كاملا رؤية العين، أما في البحث فيحتاج تركيز أقل لأنه يعتمد على المراجعات وتحقيق النصوص بشكل عام.
متى بدأ شغفك بالقراءة، وما هو أول كتاب قرأته؟
منذ الصغر، فكنت دوما حريصا على قراءة مجلات الأطفال مثل "ماجد وسمير"، وفي مرحلة الابتدائية والإعدادية انتهيت من قراءة أعمال شكسبير وكثير من النصوص الأدبية وقرأت كتاب "تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط" للدكتور يوسف كرم في الصف الثالث الإعدادي، ولم أستطع فهم الكتاب، ثم قرأته مرة أخرى بعد عامين لأن لغته كانت ثقيلة بالنسبة لي، وفي المرحلة الثانوية عرفت الفيلسوف نتشه وانهمكت في قراءة أعماله، ومن هنا بدأ اهتمامي بالكتب الفكرية حتى اجتذبني الفكر الصوفي.
في المرحلة الجامعية اقترنت القراءة مع الكتابة فأول كتاب صدر لي كان "مقدمة في التصوف" وهي عبارة عن مخطوطة لأبي عبد الرحمن السلمي أردت حفظ المخطوطة لأنها كانت مهددة بالاختفاء، وبدأت في تحقيقها ودرستها ونشرها لأنها النسخة الوحيدة في العالم، وعندما انتهيت من الدكتوراه كنت قد نشرت 9 كتب ونشر بعضها في بيروت وبعضها نشر في مصر والدار المصرية اللبنانية، ثم بدأت في النقد الأدبي واجتذبتني الكتابة الروائية والقراءة والكتابة كلاهما عمل مكمل للآخر.
وما هو كتابك المفضل؟ ومن كاتبك المفضل؟
عادة، لا أكرر قراءة كتاب أكثر من مرة لان عندي ذاكرة قوية، فعندما أقرا كتاب أحفظه، ولكن أحب أقرا أعمال جلال الدين الرومي ليس على ترتيب معين لأنها قصص متصلة مكتوبة شعرا.
توقفت عن العمل الثقافي لفترة، ثم عدت إليه، فما سبب ذلك وكيف كانت الرجعة؟
كان سبب التوقف هو رجوع بعض مخربي الثقافة المصرية إلى مناصبهم، وما فعلته هو محاولة للفت الأنظار أملا في أن يدرك الناس خطورة هذا الارتداد، والأيام القادمة ستثبت أن إهمال الجانب الثقافي له آثار سلبية على المجتمع، لأننا لا نستطيع مواجهة "الإرهاب" إلا من خلال تحريك "العقل الجمعي" الذي يقود المجتمعات من خلال عمل ثقافي، وبالتالي هذا لن يتحقق مع هذه الوجوه فالذين أفسدوا في الأرض لن يكونوا هم المصلحون.
أما العودة فكانت بسبب ضغط القراء والمتابعين لي خارج مصر وداخلها، وخاصة أن هناك رسائل جاءتني من بلاد عربية منكوبة؛ كانت مؤثرة للغاية فأدركت وقتها إن رسالتي قد وصلت.
بعد الثورة كتبت مجموعة من المقالات بعنوان “الثورة إذا لم تؤنّث لا يعوّل عليها" ما الدافع وراء ذلك؟
كتبت هذه المقالات بعد أن تم إزاحة المرأة من المشهد السياسي إلى الخلف، سواء باسم الدين أو باسم السياسة، لأن الثورة عمل مجتمعي كامل ولابد أن يظهر الجانب الأنثوي في الحالة الثورية.
"أصبحنا نرى المرأة خلف حجاب أسود" فهل هذا شكل التدين؟
النقاب، فالنقاب تقليد يهودي يعود لما قبل المسيحية، وهناك أدلة عند الطبري وغيره من المؤرخين وقال الطبري أن "سجاح المتنبية هي أول من ارتدت النقاب من غير اليهوديات" و تأثرت المسيحية بهيمنة الرؤية اليهودية للمرأة فهي رؤية تحط كثير من قيمة المرأة تجعلها ليس تابعا للرجل فقط وإنما مرتبطة بفكرة النجاسة خاصة في وضع الإنجاب والحيض وكثير ما يبلغوا في وضع المرأة الحائض فهناك معتقدات بأن المرأة الحائض تحول أي شيء تلمسه إلى شيء نجس وهي مفهوم متخلف بالنسبة للحضارات السابقة، وحاول الإسلام أن يغير صورة المرأة ولكن بعض الإسلاميين جوهر فكرهم يهودي، في العلن يقولون أن الإسلام بجانب المرأة ولكن في الفتاوى والواقع والتطبيقات يتمننون أن تكون سبيلًا للمتعة وفي البيت لتنشئة الأطفال وهذا يؤدي إلى فقدان جزء كبير من مفهوم الإنسانية بسبب هذه التوجهات.
ما الفرق بين الدين والتدين كما ذكرته في كتابك "اللاهوت العربي"؟
الدين هو نص إلهي قابل للتأويل - غالبا - مفتوح أمام قرائه، يستنبط منه معاني جديد في كل وقت، أما التدين فهو الخبرة الدينية والشكل الذي نفهم منه الدين وفي أيام الحضارية يظهر المتشددون وفي أيام الرخاء يظهر المبدعين والفنانين، وهناك مسافة فاصلة بين الدين كنص إلهي والتدين هو الشكل.
في روايتك "عزازيل" عُدت بنا إلى القرن الخامس الميلادي "فترة قلقة من تاريخ الديانة المسيحية"، ماهو الهدف من العودة إلى هذه الفترة التاريخية بالذات؟
لأنها فترة منسية من تاريخ مصر، وعلى الرغم إنها منسية إلا أنها تلقي الضوء على كثير مما يحدث الآن، فرواية عزازيل صيحة إنذار مبكر، حيث صدرت قبل الثورة وكان الناس يسألون عن معنى كلمة "السحل" التي ذكرت في مشهد قتل العالمة هيباتيا الآن عرفوا، وكانوا مندهشين من الجرائم التي ارتكبها المتعصبين الآن رأوا.
وهل أرادت الرواية أن تنطق ما سكت عنه التاريخ عبر الأقنعة التاريخية والدينية؟
نعم، فعندما نقارن ما تفعله داعش من قتل وحرق، وما فعله المتشددون المسيحيون من سحل وقتل العالمة "هيباتيا" في القرن الخامس الميلادي، يتضح لنا أن هذه الجماعات تتحدث باسم الإله وهذا نوع من الخبل.
"وما حقيقة ما تردد حول نفيك وجود الإسراء والمعراج"؟
هذا لعب الصحافة غير المسؤولية، فبعد أن تحدثت عن دخول الإسرائيليات في التراث الإسلامي، وقرأت سورة الإسراء مرة أخرى، كتب أحد الصحفيين الصغار إني نفيت وجود الإسراء والمعراج، والنفي أو الاثبات ليس ضمن موضوع الندوة ولكن يكتب ما فهمه من خلال عقله القاصر وهذا نهج سخيف لذلك أحرص على تسجيل المحاضرات على يوتيوب لتأكد ما نشر.
ناقشت في كتاب "اللاهوت العربي" العلاقة العنف والدين والسياسة وما ينتج عنها . فهل هذا تحقق بظهور داعش؟
في كتاب "اللاهوت العربي" ناقشت هذا الاتصال، فالجماعات التي تزعم أنها تتحدث باسم الإله موجودة في فترات التاريخ المختلفة ففي التاريخ الإسلامي ظهرت جماعة "القرامطة" وفي التاريخ المسيحي كان هناك جماعة "محبي الآلام"، فهذه الجماعات تسعى للسلطة فتشتبك مع السلطة فتنهر كل القيم الحضارية والإنسانية التي سعى الإنسان لبنائها، فهذا ما تفعله داعش وفعلته القاعدة ايضا.
هل ترى رجوع بعض الوجوه القديمة إلى السلطة هو انحرف لمسار ثورة 30 يونيو؟
ليس انحرافًا وانما خطأ، فالثورة وسيلة وليس غاية، فثورتي يناير و 30 يونيه جاءت للخروج بهذا البلد والمنطقة العربية من حالة التدهور الشديد التي حدثت عقب استيلاء الضباط على السلطة تحديدًا سنة 1954 حيث تجمدت المجتمعات في مصر والوطن العربي فجاءت الثورة لتحريك المجتمع، ورجوع هذا الوجوه هي حالة نقص وارتداد إلى الخلف، لاسيما انهم من الكبار في السن ومنهم من تجاوز سن التسعين، كأنهم لا يودون إلا يرحموا الناس من وجودهم وسلطتهم الغاشمة التي أدت تدهور حالة البلاد.
كيف تري قرار الشروق في سحب كتب القرضاوي من معرض الكتاب؟
أنا لا اعرف مجريات هذا الأمر ولكني ضد سحب الكتب من الأسواق.
هل ترجمة الروايات تُفقد النص روحه؟
هذا يعتمد على المترجم، ومن حسن حظي تعاونت مع مترجمين جيدين، فتمت ترجمة رواية عزازيل باللغة الانجليزية، وحصلت على جائزتين، وعندما ترجمت إلى اللغة الإيطالية حصلت على جائزة أيضا.
هل تمنح الجوائز الكتب فرصة أكبر للانتشار؟ وماذا تعني الجوائز لك؟
ليس بالضرورة فهناك أعمال حائزة على جوائز ولكن لم تحظ بانتشار بين القراء والجوائز تعني لي مزيد من المسؤولية، وتمنحني شيء من الفخر، وعلى الرغم إني حصلت على جوائز دولية، إلا أني لم أنل أي جائزة مصرية ولا أظن أنني سأحظى.
فيديو قد يعجبك: