ازدراء الأديان.. نصلُ مصوب نحو المفكرين (تقرير)
كتبت ـ هاجر حسني:
يميل العقل البشري في بعض الأحيان إلى التجديد والخروج من عباءة الأفكار التقليدية التي ترسخت في العقول لفترة طويلة، فيأخذ البعض على عاتقه مهمة الاجتهاد في محاولة للوصول إلى جديد الفكر ليس فقط للخروج عن المألوف ولكن ايمانا منهم بوجود خطأ او اختلاف تم بناء الأفكار عليه، وبالرغم من أن هؤلاء الأشخاص لا يجبرون أحد على اعتناق ما توصلوا إليه وبالرغم أيضا من أن الدستور كفل لهم حرية الاعتقاد، إلا أن الإشكالية التي تواجههم دائما هي ردة الفعل التي تكون في كثير من الأحيان غير متوقعة سواء من الجمهور الذي يُصر على أفكاره التي اعتاد عليها ويرفض أي تغيير بها، أو من خلال الملاحقة القانونية التي تجلت في الآونة الأخيرة متمثلة في قانون "ازدراء الأديان".
ميلاد القانون
كانت بداية قانون ازدراء الأديان عندما اشتعلت الأحداث في الزاوية الحمراء بعد شجار بين عدد من المسلمين والأقباط حول قطعة أرض اعتزم مسيحي بناء كنيسة عليها، ومن هنا بدأت تتصاعد وتيرة الأحداث وتحول الأمر إلى فتنة طائفية واشتباكات بين المسلمين والمسيحيين راح ضحيتها بحسب وزير الداخلية وقتها اللواء حسن أبو باشا،81 قبطياً متناقضا مع ما أعلنه الرئيس الراحل محمد أنور السادات وقتها بأن عدد القتلى 9 فقط.
وأدرجت المواد الخاصة بالقانون في عهد الرئيس السادات ومنها المادة "98و" عندما استخدمت الجماعة الإسلامية منابر المساجد للإساءة للدين المسيحي، فوضع السادات قانوناً يجرم به استخدام أي دين لسب دين آخر.
فنصت المادة 98و على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تتجاوز الـ 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز الـ1000 جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار منطوقة بقصد الفتنة أو تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي".
حذف المادة
ويرى اسحق ابراهيم، مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن هناك ضرورة لحذف المادة 98و تماما من نص القانون مع الإبقاء على المادتين 160 و161 والتي تختص بحماية دور العبادة والمباني الدينية وعدم التعدي عليها وعدم تحريف الكتب الدينية، وبالتالي فالأديان متوفر لها الحماية القانونية من خلال المادتين ولا يوجد حاجة للمادة 98و خاصة في ظل الخلاف عليها ولأن المادتين الأخرتين لوضوحهما إلى حد ما.
فيقول إن المادة 98و بها اشكالية، لأن المواد القانونية من طبيعة وضعها أن تكون منضبطة وغير فضفاضة حتى لا يؤولها كل شخص حسب أهواءه، بل تستخدم كلمات ومصطلحات واضحة، فالمادة بها كلمات غير واضحة خاصة كلمة ازدراء والتي تجعل هناك صعوبة في تصنيف الأفعال التي تندرج تحتها من إساءة للدين والمعتقد، متسائلا "إذا قارنا بين المسيحية والإسلام والاختلاف بينهما هل يعتبر ذلك ازدراء كل منهما للآخر؟".
ويقول رمضان بطيخ، أستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس، إن ازدراء الأديان جريمة في حد ذاتها لا علاقة لها بحرية الرأي، فأي شخص له الحق أن ينتقد كيفما يشاء ولكن لا يصل إلى تكفير او إنكار ما ورد في الكتب السماوية أو في تفسيراتها، وبالتالي ازدراء الدين يجب أن يكون مجرما لأن نحن في دولة تؤمن بكل الديانات السماوية، والازدراء يكون في دولة ليس بها دين وهو ما يجعلني أتفهم أن الدنمارك تسئ للرسول، ولكن في حالة المصري غير منطقي وغير مقبول، بحسب رأيه.
ويضيف أن تفسير المادة يخضع لمحكمة الموضوع وهي التي تفسر ما ورد على لسان الشخص هل يصل إلى مرتبة الازدراء أم لا، وبالتالي فالضوابط لدى أحكام القضاء واضحة ويطبقها القاضي، بمعنى أنه ليس أي شخص يتحدث في الدين يعاقب بالمادة، وفي حالة مثل إسلام البحيري على سبيل الاستشهاد القضاء هو من له الحق في تفسير ما قاله إذا كان يندرج تحت الازدراء.
ويتابع "المادة 98و لا تحتاج إلى تعديل ولكنها تحتاج إلى احترام أكثر منه انكار أو تعديل".
اعتبارات أخرى
ويقول محمود كبيش، أستاذ القانون الجنائي، إن الإشكالية تكمن في تطبيق القوانين نفسها، مضيفا أن إلغاء القانون أو تعديله ليس وحده هو من يمنع القبض على الأشخاص بتهم معينة، ولكن القوانين العقابية تتضمن عبارات واسعة تتسع لكل شئ وهذا لا يوجد فقط في نص المادة الخاصة بإزدراء الأديان ولكن في مواد أخرى.
ويتابع أن العبرة بتطبيق القانون وليس القانون، فالقانون هو "الحيطة المائلة" الذي يعلق أي شخص أخطاءه عليه، والذي يفصل في الأمر هو كيفية استخدام النصوص في توجيه التهم لأي شخص، بحسب قوله.
من جانبه، يوضح مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن صياغة المادة غير دستورية لأن هناك حقوق نص عليها الدستور المادة تنتهكها مثل الحق في حرية الاعتقاد، فالمادة الآن تستخدم ضد مسلمين السنة مثل إسلام البحيري وفاطمة ناعوت رغم أنها قديما كانت تستخدم ضد الشيعة والمسيحيين، والمادة تنتهك هذا الحق من خلال محاكمة أشخاص لمجرد أن تبنوا آراء مختلفة لما هو سائد في المجتمع، كما أنها تختلف أيضا مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
وتابع أن هذا ما يخص الجانب القانوني لأن الموضوع يخضع لاعتبارات أخرى كالمناخ العام الذي يشجع مثل هذه القضايا التي أحيانا تستخدم لتحقيق أهداف خاصة، من خلال اتهام البعض بازدراء الأديان لتصفية حسابات شخصية، مستشهدا بشخص أقام دعوى على طليقته لضم ابنه متهما اياها بالإلحاد، وآخر تل عمته قائلا إن السبب وراء ذلك هو كونها ملحدة، موضحا أن المادة تساعد على حشد الرأي العام ضد الشخص المتهم وهو ما جعلها سهله بالنسبة لكثيرين.
انتهاك للدستور
ينص الدستور في مواده بباب الحقوق والحريات على حرية التعبير والاعتقاد فينص في المادة 64 منه على أن حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون، فيما تنص المادة 65 على أن حرية الفكر والرأي مكفولة ولكا إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.
وتنص المادة 67 على أن حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي تُرتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري.
ويرى مينا ثابت، مسؤول ملف الحريات الدينية بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، إن صياغة المادة فضفاضة وغير واضحة ويمكن أن يندرج تحتها أي فعل، كما أنها تعطي سلطات واسعة لسلطات التحقيق وتعطي مساحة للتدخل الشخصي من المحقق بخلاف أن هناك أشخاص لديهم تحفظات ضد الأديان، وغالبية القضايا من هذا النوع تم الحكم فيها بالإدانة لأن الأمر ليس محكوم بصياغات معينة.
ويوضح مسؤول ملف الحريات الدينية بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، أن هذه المادة تنتهك الحق في حرية العقيدة لأنها تقيد الحق وفق ضوابط معينة تضعها الدولة والمجتمع، كما أنها تنتهك حرية التعبير والحقوق الدستورية للاعتقاد وحرية الإبداع مثل محاكمة من يكتب رواية أو عمل فني مخالف للعقائد الموجودة، لافتا إلى ضرورة حذف هذه المادة التي تنتهك روح الدستور والمواثيق الدولية وتعود بنا إلى العصور الوسطى، في وجهة نظره.
تقييد حرية الإبداع
في مارس 2014 أيدت محكمة "ببا" الجزئية الحكم على الكتب والحقوقي كرم صابر بالسجن 5 سنوات بتهمة نشر مجموعة قصصية بعنوان "أين الله" وتضمنت العيب في الذات الإلهية، فيما حُكم في القضية رقم 6931 لسنة 2015 جنح مستئنف مصر القديمة ضد إسلام البحيري الباحث في الشؤون الإسلامية، بالحبس لمدة عام على خلفية اتهامه بالتعدي على أئمة الإسلام والمساس بثوابت الدين، كما قضت محكمة جنح الخليفة على الكاتبة الصحفية فاطمة ناعوت بالحبس لمدة 3 سنوات وبغرامة قدرها 20 ألف جنية علي خلفية إتهامها بالسخرية من شعيرة الأضحية عبر تدوينة لها على موقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك، بالإضافة إلى الحكم على المدرس المسيحي جاد يوسف يونان بالسجن 3 سنوات على خلفية اتهامه بنشر فيديو يسخر فيه من شعائر الصلاة للمسلمين.
ويقول ثابت إن المادة تتحدث عن فكرة ازدراء الدين وبالنسبة لنا بمفهومنا عن حقوق الإنسان لا يوجد ما يسمى بازدراء الدين لأن الدين لا يحتاج مواد لحمايته، بحسب قوله، ويتابع "نحن كحقوقيين نعني بحق الإنسان في اختيار وممارسة الاعتقاد والتعبير عن المعتقد بكل حرية بدون مساس أو قيود والقانون تم وضعه لكي يحمي الحق، والأديان الثلاثة المعترف بها في مصر بها اختلافات جوهرية وإذا تبنى أي شخص دين بعينه سيخالف المعتقد الآخر وسيقع تحت وطأة المادة 98و من قانون العقوبات".
ويضيف ثابت أنه من الأولى أن نحاول منع خطابات الكراهية، فالمادة تم وضعها لحماية الديانة المسيحية من الازدراء في السبعينيات والآن يتم استخدامها ضد الشيعة والمبدعين، فهي بمثابة سيف مسلط على رقاب المفكرين والمبدعين، متابعا "آن الآوان للتحدث أيضا عن المادة الثانية من الدستور وإعادة هيكلة التشريعات المتعلقة بجرائم الدين".
فيديو قد يعجبك: