"المراهقون والعائدون".. كلمة السر في استهداف دواعش سيناء للأقباط
كتب – محمد عمارة:
"الأقباط هدفنا الأول وصيدنا المفضل"، بهذه الجملة أعلن "أبو عبد الله المصري"، أحد عناصر داعش في سيناء، خطة التنظيم الإرهابي الجديدة في مصر، في فيديو بثه التنظيم قبل نحو 8 أيام، وظهر فيه إرهابي ثان توعد قائلا: "تفجير الكنيسة (البطرسية) لن يكون الأخير، وسنطهر القاهرة من الأقباط"، لكن التنظيم غير وجهته بعد فشله في شن هجمات بالعاصمة المصرية، لينقل مسرح عملياته المفترض إلى العريش.
كان انفجار إرهابي هز الكنيسة البطرسية بالقاهرة في منطقة العباسية، بجوار الكاتدرائية المرقسية، في 11 ديسمبر 2016، وأسفر عن استشهاد ما يزيد عن 25 شهيدا وإصابة ما يزيد عن 50. وقبلها حاول الإرهابيون تفجير كنيسة "سان جورج" بسمالوط بمحافظة المنيا، في 12 نوفمبر 2015، بقنبلة وُضِعَت على مدخل الكنيسة، إلا أنه تم تفكيكها قبل انفجارها.
كما أرسل تنظيم "لواء الثورة" الإخواني والمرتبط بعلاقات مع "بيت المقدس"، في نهاية أكتوبر 2016، تهديدًا بالقتل للمحامي والناشط الحقوقي نبيل جبرييل، إلا أن عجز التنظيمات الإرهابية عن شن هجمات نوعية بالقاهرة والمحافظات، دفعتهم للعودة والتركيز على شمال سيناء.
وفي الأيام القليلة الماضية، نفذ الإرهابيون 7 حوادث قتل ضد أقباط شمال سيناء، سبقها نحو 6 عمليات أخرى منذ الثلاثين من يونيو الماضي، ما يفتح الباب للتساؤل عن السبب وراء زيادة قدرة الدواعش على شن عمليات إرهابية في العريش، بعد أن كانت العمليات تتركز في الأوقات السابقة في الشيخ زويد ورفح.
كانت عمليات استهداف أقباط العريش بدأت في 30 يونيو 2016، عندما اغتال مسلحون الأب رافائيل موسى، كاهن كنيسة ماري جرجس، بالتزامن مع الذكرى الثالثة لثورة 30 يونيو، واعتمد التنظيم على شن هجمات خاطفة وسريعة ومحدودة في العريش، قبل أن يتغير الوضع ليشن عمليات إرهابية بصورة شبه منتظمة، ركز فيها على الأمن والمتعاونين والمسيحيين والمتصوفين.
وفي نوفمبر 2016، نشر تنظيم أنصار بيت المقدس الذي بايع "داعش"، فيديو ذبح الشيخ سليمان أبو حراز أحد رموز الصوفية بسيناء، بتهمة الكفر وممارسة الشعوذة، وفي لقاء نشرته جريدة النبأ الأسبوعية التابعة لــ"داعش"، قال قيادي في التنظيم إنهم سيتوسعون في شن هجمات على الصوفية.
وعن سبب تركيز الهجمات الأخيرة على الأقباط، يقول الكاتب الصحفي مصطفى حمزة، مدير مركز دراسات الإسلام السياسي، إن تنظيم "داعش" أعطى الضوء الأخضر لذئابه المنفردة في مصر لاستهداف المسيحيين بعد أحداث الكنيسة البطرسية، في ديسمبر الماضي، مشيرًا إلى أن التركيز على استهدافهم جاء بعد التغطية الإعلامية والاهتمام الدولي الضخم الذي حظي به الحادث في الداخل والخارج.
وأوضح حمزة أن "داعش" يصف المسيحيين في مصر وغيرها بـ"الصليبيين" الذين يجب قتالهم و"النكاية" فيهم، لبث الرعب في نفوسهم، لافتًا النظر إلى أن التنظيم يحقق من استهداف المسيحيين عدة أهداف، أولها زعزعة الأمن والاستقرار، وإرباك الأجهزة الأمنية، وبث الفتنة الطائفية، وإحراج النظام السياسي، واستعداء الخارج والدول الغربية عليه، بحجة حماية الأقليات في مصر.
من جهته، قال الدكتور مجاهد الزيات، مستشار المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، إن "داعش" يحاول ضرب "المسيحين" كي يثير قضية الفتنة الطائفية، وللتشويش على زيارة الرئيس السيسي للولايات المتحدة الأمريكية، مضيفا:
"قضية الأقباط مثارة منذ فترة طويلة، وما يفعله التنظيم هو نوع من رد الفعل بعد الضربات الموجعة التي تلقاها من الجيش".
يوضح مستشار المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط: "هناك تيار سلفي متشدد موجود في سيناء وعبر عن نفسه بعد يناير ويونيو وقاموا باستعراض قوتهم وهناك بيئة حاضنة لهم ولا بد من التصدي لذلك".
وعن سبب تزايد العمليات الإرهابية في العريش، قالت مصادر قبلية سيناوية إن تركيبة "دواعش سيناء" تغيرت بعد انضمام عدد من شباب العريش تحت 17 سنة إلى التنظيم الإرهابي، إضافة إلى عدد من العائدين من سوريا، مضيفين أن الشباب الصغير أصبح هو العنصر الفاعل داخل التنظيم لتمتعهم بحرية الحركة، وأنهم يريدون إثبات أنفسهم ووجدوا ذلك في استهداف الأقباط.
وأوضحت المصادر أن أغلب عناصر التنظيم يختبئون في مزارع الزيتون، منتقدين القصور الأمني وعدم شن حملات دورية على البؤر الإرهابية.
وبدأت عودة التكفيريين الذين قاتلوا في الخارج إلى مصر، مع وصول الإخوان للحكم، وفي يونيو 2013 قال خالد القزاز، أحد كبار مساعدي مرسى للشئون الخارجية: "مصر لن تعاقب المقاتلين العائدين من سورية"، منتقدا المخاوف من أن يكونوا مصدر تهديد للأمن، غير أن تنظيم "أنصار بيت المقدس" كذبه في فيديو بثه في أكتوبر 2013، أعلن فيه وقوفه وراء محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، في سبتمبر من نفس العام، وهو التفجير الانتحاري الذي نفذه ضابط سابق برتبة رائد في الجيش، يدعى وليد بدر، فصل من القوات المسلحة قبل عشر سنوات، "بعد تبنيه للفكر المتشدد"، وسبق له القتال في الخارج.
وفي 24 من يناير لعام 2014 أطلق أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة نداءٍ إلى من وصفهم بالمجاهدين، قال فيه: "إلى إخوتنا المجاهدين في سيناء، نرجو منكم توفير ملاذ آمن لإخوتكم المهاجرين الذين جاءوا لدعمكم".
يقول الدكتور محمد جمعة، الباحث في شئون الإرهاب بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إنه لا توجد إحصاءات دقيقة حول أعداد المقاتلين الأجانب، وربما كان تقدير المركز القومي لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة هو الأكثر دقة، وذلك بالنظر إلى حجم قواعد البيانات.
وأشار "جمعة" إلى أنه وحتى منتصف إبريل من عام 2015، لم يزد عدد المقاتلين الأجانب في صفوف داعش سيناء عن ألف عنصر، بما يمثل نحو20% من هيكل التنظيم.
وأضاف: "عملية الجيش في جبل الحلال هي الثالثة في أقل من 9 أشهر، والمشكلة تكمن في صعوبة تضاريسه، حيث تبلغ مساحته 60 كم في حوالي 20 كم، ويحوي آلاف المغارات، فضلا عن محاولاتهم تشكيل خطوط انتاج سلاح داخل الجبل".
ويتخوف "جمعة" من أن تحاول "تنظيمات جهادية" خارجية تكوين جماعات محلية موالية لها من أولئك العائدين، أو أن يكون العائدون بمثابة "جسر" بين تنظيمات الخارج وجماعات الداخل.
تخوفات "جمعة تحققت بالفعل، ففخلال العامين الماضيين، أثبتت تحقيقات جهاز الأمن الوطني أن تنظيم "داعش- ليبيا" استخدم بعض العائدين في محاولات زرع خلايا إرهابية داخل مصر، لا سيما في مناطق الصحراء الغربية، والقاهرة الكبرى ومناطق الصعيد، وحاولت خلية إرهابية جاءت عبر الحدود الغربية إقامة معسكر لها في "جبل ديروط" بالقرب من أسيوط، وطاردتها على الفور( في سبتمبر2015) وحدات من القوات الخاصة المدعومة جوًا، وتم تصفية عشرة عناصر، وإلقاء القبص على عنصر آخر على الأقل.
وحذر الباحث في الأهرام من أن بعض العائدين سيلجأون إلى استخدام العنف ضد مدنيين سواء لأسباب إيديولوجية، مشيرا إلى التغيير الذي أحدثته "ولاية سيناء" تجاه القبائل والسكان المحليين في شمال سيناء، بعد تدفق المقاتلين الأجانب حيث بدا واضحًا خلال عام 2015 أن "ولاية سيناء" تخلت عما كانت تحرص عليه في السابق، وهو التقرب إلى قبائل شمال سيناء، وباتت تمثل تهديدًا للسكان المحليين، حيث قتلت الجماعة العشرات بزعم أنهم جواسيس، وهددت علنًا زعماء القبائل المعارضة.
فيديو قد يعجبك: