"كاميرات مراقبة لأولياء الأمور".. أحدث طرق الدروس الخصوصية في غياب "التعليم"
كتبت- ياسمين محمد:
بدأ ماراثون الدروس الخصوصية للثانوية العامة، مع مطلع شهر أغسطس الجاري، كعادة كل عام، ويستمر لمدة 10 أشهر حتى مايو 2019، ملتهمًا ميزانية أكثر من 600 ألف أسرة مصرية، تبذل جهودها كافة من أجل جمع مصروفاتها، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.
معلمو الدروس الخصوصية هذا العام، ابتدعوا طرقًا جديدة لإقناع أولياء الأمور بجدوى المصروفات المبالغ فيها التي يدفعونها، وفق خالد صفوت، مؤسس صفحة "ثورة أمهات مصر على المناهج التعليمية" على "فيسبوك"، الذي قال لمصراوي، إن أحد معلمي اللغة العربية في منطقة الحلمية بالقاهرة، استدعى أولياء أمور الطلاب الذين تقدموا لحجز المادة، لإعطائهم محاضرة تؤهلهم للتعامل مع أولادهم المقبلين على الثانوية العامة.
لم يكن معلم الحلمية هو الوحيد الذي تفنن في الدعاية للدروس الخصوصية، إذ أن أحد المعلمين الآخرين في مدينة الزقازيق بالشرقية، بحسب "صفوت"، عرض على أولياء الأمور، الاشتراك في شبكة "فيديو كونفرانس"، من خلال تركيب كاميرات داخل مراكز الدروس الخصوصية وتوصيلها بشبكة، يتمكن ولي الأمر من الدخول عليها باستخدام "رقم سري وكود"، ليتابع ابنه خلال الحصة.
أحمد نبيل، الطالب بشعبة الرياضيات لغات، يقول إن والده لم يعد يتعجب من أسعار الدروس الخصوصية: "هيعتبر السنة دي علقة سخنة وهيستحملها لحد ما تخلص"، مشيرًا إلى أن سعر الحصة الواحدة لمادة "الفيزياء لغات" وصلت إلى 100 جنيه في بلدته بمحافظة القليوبية.
"الجمعيات".. كلمة السر في جمع مصروفات الدروس الخصوصية بالنسبة للأسرة المصرية متوسطة الحال، تقول رباب محمود، إحدى أولياء الأمور، إنها دخلت جمعية تقبضها 20 ألف جنيه، لتغطية احتياجات ابنها خلال الصف الثالث الثانوي: "ما دام عندنا ثانوية عامة يبقى كل قرش بيتشال علشانها".
"ممكن ما ناكلش ولا نشرب إلا مرة واحدة في اليوم علشان الدرس"، تقولها نبوية علي، ولية الأمر التي تضطر لإلحاق ابنتها بالدروس الخصوصية حتى تدخل الكلية التي تتمناها: "لو رفضنا ندخلها درس خصوصي هتتظلم، هي متفوقة طول عمرها، لكن ممكن يضيع منها درجات لأن المدرسين في المدرسة مش بيشرحوا والطلبة مش بيروحوا، وكده الطلبة اللي أقل من مستواها هيجيبوا درجات أعلى لأنهم داخلين دروس خصوصية"، مبدية سخطها على سلبية وزارة التربية والتعليم تجاه المعلمين الذين لا يؤدون واجبهم داخل الفصول.
تختلف أسعار الدروس الخصوصية حسب كل منطقة، وفق "صفوت"، إذ أن الأقاليم تختلف عن القاهرة، وكذلك المناطق الراقية تختلف عن الشعبية. يقول مؤسس صفحة "ثورة أمهات مصر": "المعلم في محافظات القاهرة الكبرى يحدد لنفسه راتبًا لكل ساعة، ويقسمه على الطلاب بحسب الأعداد، وإذا قدم حصة في منطقة شعبية لا يقدر طلابها على المصروفات الفلكية، يتراوح ثمنها بين 35 إلى 40 جنيهًا، ولكن عدد الطلاب يتجاوز 200 طالب".
ويضيف "صفوت"، في تصريح لمصراوي: "إذا ذهب المعلم إلى منطقة أكثر رقيًا، قد يقلل عدد الطلاب إلى 100 طالب فقط، مقابل 75 جنيهًا للحصة، وهذا الرقم يختلف كثيرًا إذا حصل الطالب على درس خاص في منزله أو مع مجموعة من أصدقائه، الحصة ممكن توصل لـ200 جنيه، هو بيجمع المرتب اللي عامله لنفسه في الساعة بأي شكل".
أما الأقاليم تختلف، خاصة بالقرى والنجوع، التي يعاني أهلها فقرًا؛ إذ لا يجد معلمو الدروس الخصوصية مفرًا من تحصيل الأجر شهريًا وليس بالحصة، يذكر مؤسس صفحة "ثورة أمهات مصر"، أن "الشهر بيتراوح بين 50 و100 جنيه حسب المادة وشهرة المعلم".
موقف وزارة التربية والتعليم لم يتغير هذا العام عن الأعوام السابقة، فما بين تهديدات بتشديد العقوبة على المعلمين المتورطين في إعطاء دروس خصوصية، والتصريحات بتطوير نظام التعليم، تستمر الدروس الخصوصية في طريقها غير ملتفتة لتلك الأمور.
الدكتور محمد عمر، نائب وزير التربية والتعليم لشؤون المعلمين، قال في تصريحات تلفزيونية، إن الوزارة ستقدم قانون التعليم الجديد لمجلس النواب في دروة الانعقاد المقبلة، متضمنًا بعض المواد المختصة بظاهرة الدروس الخصوصية، أبرزها تحويل الدروس الخصوصية من جنحة إلى جناية، ولن يسمح لأي شخص تقديم الدروس الخصوصية إلا بتصريح مسبق من جهة الولاية والمسؤولية، فيما عدا ذلك سيعتبر نشاطه غير مشروع.
تدني رواتب المعلمين، كان الشرارة الأولى لبحث بعضهم عن مصدر دخل إضافي يعينهم على المعيشة، قبل أن تتحول حصص التقوية إلى تجارة، ويتحول المعلمون إلى أباطرة، لا يكفيهم إن رفعت وزارة التربية والتعليم رواتبهم بمقدار آلاف الجنيهات، إلا أن "عمر"، يرى أن المنظومة الجديدة لرواتب المعلمين في ظل نظام التعليم الجديد، ستقضي على الدروس الخصوصية، ولكن تدريجيًا وليس بين يوم وليلة.
الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، قال إن نظام الثانوية المعدل، المقرر تدشينه في سبتمبر المقبل بدءًا من الصف الأول الثانوي، سيقضي على الدروس الخصوصية من منبعها، مضيفًا: "الدرس الخصوصي بيحفظ الطالب الإجابة، والامتحان متوقع، لكن في النظام المعدل، الامتحان مش متوقع ومالهوش إجابة نموذجية، والامتحان مش فرصة واحدة، كل طالب قدامه 12 فرصة، وطبيعة الأسئلة محتاجة تحضير مختلف كتير عن مجرد الحفظ".
وذكر الوزير، في تصريحات سابقة، أن نظام الثانوية المعدل سيؤثر بالتبعية على الدروس الخصوصية في المراحل السابقة للمرحلة الثانوية، قائلًا: "ولي الأمر اللي ابنه في 3 ابتدائي و5 ابتدائي هيعرف إن اللي محتاجه الطالب مش الحفظ والتدريب على الامتحان لأن ابنه محتاج يتعلم بطريقة تانية علشان يقدر ينجح في المرحلة الثانوية، وبالتالي الدروس الخصوصية هتفقد معناها".
فيديو قد يعجبك: