موجات أكثر عنفًا قادمة.. لماذا تنتصر الأمطار على المسؤولين بالقاهرة؟
كتب- محمد نصار:
سيارات مغمورة بالمياه لا يظهر منها سوى الجزء الأعلى فقط، وتكدس مروري يصل لشلل تام، وشوارع تحولت إلى بحور مصغرة وأنفاق أصبحت برك مياه يمكنك السباحة فيها، مشاهد متكررة تواجهها المحافظات المصرية كل عام بسبب الأمطار وسط حالة من العجز وعدم القدرة على التعامل معها، رغم تكرارها خلال السنوات الماضية.
هذه المشاهد سيطرت على الأوضاع في عدة محافظات أمس الثلاثاء، وخاصة القاهرة فاختفت أرضيات شوارعها تحت مياه الأمطار التي وصلت على القاهرة وحدها إلى 650 ألف متر مكعب لم تستوعبها شبكة الصرف الصحي فأعادتها مجددًا إلى الشوارع ليبدأ فريق كامل من سيارات شفط المياه في إزالة المياه التي عجزت شبكة الصرف الصحي في القاهرة عن تحملها.
تجارب سابقة
لم تكن أزمة غرق القاهرة وعدد من المحافظات أمس الثلاثاء بجديدة، فقد تعرضت القاهرة الجديدة في فبراير من العام الماضي، لأزمة مماثلة وتكرر نفس السيناريو وعجزت شبكة الصرف الصحي عن استيعاب مياه الأمطار التي تراكمت على طرق المدينة الممتدة لعدة كيلومترات.
تحقيقات النيابة الإدارية تكشف السبب
حققت النيابة الإدارية في واقعة غرق القاهرة الجديدة تنفيذًا لتوجيهات رئيس الجمهورية بالوقوف على الأسباب الفنية والموضوعية التي أدت إلى وقوع الأزمة، وتبين أنه عقب سقوط الأمطار بكثافة فاقت القدرة الاستيعابية لمحطات الرفع ما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه بعدد من محطات الرفع وارتدادها مرة أخرى، وإحداث تجمعات مائية كبيرة أخذت طريقها لمحطة محولات كهرباء الحي الرابع بالقاهرة الجديدة فانقطع التيار وتوقفت معه بعض محطات الرفع بالمدينة لفترات طويلة تصل لعدة ساعات، أسفرت عن خلل جسيم بنظام الصرف في القاهرة الجديدة، إلى جانب وجود أعطال جسيمة وجوهرية بالعديد من الطلمبات ومولدات الكهرباء وشبكات الحريق، وبعض لوحات التحكم الرئيسية لتشغيل الطلمبات الخاصة بنظام الصرف الصحي بالقاهرة الجديدة.
فشل جديد رغم الاستعدادات والتحذيرات
فشلت محافظة القاهرة وأجهزة المحافظات التي ضربتها موجة أمطار أمس الثلاثاء، في التعامل مع الموقف وظهرت الأزمة في مختلف الشوارع، ويأتي ذلك رغم التحذيرات التي أصدرتها الهيئة العامة للأرصاد الجوية وأرسلت نسخًا منها إلى كافة الجهات الحكومية لاتخاذ اللازم منذ عدة أيام.
ويأتي فشل القاهرة في التعامل مع الأمطار رغم التجارب التي أجرتها منذ عدة أيام والتي أشرف عليها اللواء خالد عبدالعال، المحافظ، وتمثلت في غمر كافة أنفاق القاهرة بالمياه والبالغ عددها 25 نفقًا للتأكد من قدرة البالوعات على تصريفها وكذلك عمل الشفاطات داخل الأنفاق المجهزة بذلك.
خطة المحافظة
قال اللواء عادل حسن زكي، رئيس شركة الصرف الصحي بالقاهرة، لمصراوي، إن خطة الشبكة للتعامل مع الأمطار تعتمد على 3 محاور الأول يبدأ من بداية شهر سبتمبر من خلال تطهير بالوعات الصرف الصحي وبالوعات الأمطار ومخرات السيول، بالاشتراك مع المحافظة، ويكون دورهم التطهير ودور الأحياء إصلاح الكسور أو العيوب.
والمحور الثاني في حالة توقع سقوط أمطار، ويوجد تنسيق كامل وعلى مدار الساعة مع هيئة الأرصاد الجوية، ولدينا خطة انتشار لـ80 معدة شفط يتم نشرها على مختلف مناطق القاهرة، بمجرد الحصول على إخطار من الأرصاد باحتمال سقوط أمطار، حيث نحدد أماكن متوقعًا تجمع الأمطار فيها، ومعلومة لدينا من خلال الخبرات السابقة أو المناطق المنخفضة ومنازل ومطالع الكباري إلى جانب توجيهات المرور.
ويتعلق المحور الثالث بوقوع الحدث نفسه وهو سقوط الأمطار، ونجري مناورات على حسب شدة الأمطار فإذا كان سقوط الأمطار على موقع معين قليلًا يتم سحب جزء من المعدات في هذه المنطقة والدفع بها في منطقة تواجه كمية أمطار أكبر لسرعة التعامل مع الموقف، كما توجد غرفة عمليات داخل الشركة تنسق مع غرفة عمليات المحافظة والمرور ومجلس الوزراء للتعامل مع أي شكاوى.
ما السبب الذي يؤدي لهذا العجز؟
تخدم شبكة الصرف الصحي في القاهرة، وفق تصريحات رئيس شركة الصرف الصحي، لمصراوي، ما يقرب من 13 مليون مواطن يوميًا، ويبلغ عمر هذه الشبكة 105 أعوام، تم تأسيسها عام 1914.
وأكد رئيس صرف القاهرة، أن حالة الشبكة في القاهرة جيدة ولكنها تتعرض لضغوط كثيرة نتيجة للتوسع في البناء العشوائي والزيادة السكانية، ولذلك توجد خطة لإحلال وتجديد خطوط الشبكة في بعض المناطق.
قدرة الشبكة على التحمل
تستوعب شبكة الصرف الصحي في القاهرة يوميًا 4 ملايين و350 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي الناتج عن استخدام 13 مليون مواطن لتصب في النهاية في 4 محطات رفع ومعالجة.
لماذا لا تستطيع الشبكة تحمل الأمطار
أكدت محافظة القاهرة في بيان، أمس الثلاثاء، أن كمية الأمطار التي سقطت على العاصمة بلغت 650 ألف متر مكعب مياه، وهو ما يفوق قدرة شبكة الصرف الصحي على التحمل.
وقال المهندس عادل زكي، رئيس صرف القاهرة، لمصراوي، إن شبكة الصرف الصحي في العاصمة يمكنها تحمل أمطارًا تصل كثافتها حتى 4 ملليمترات، وإذا تجاوزت الأمطار حاجز 4 ملليمترات يتوجب قطع مياه الشرب عن المواطنين لخلق مساحة داخل الشبكة تستوعب مياه الأمطار.
وأكد رئيس الشركة، أنه في حالة تجاوز الأمطار لحاجز 5 أو 6 ملليمترات لن يمكن للشبكة تحمله وستحدث مشكلات، لافتًا إلى أن كمية الأمطار التي سقطت على القاهرة أمس بلغت كثافتها 15 ملليمترًا، الأمر الذي فاق قدرة الشبكة على التحمل وتسبب في الأزمة.
مياه الأزمة مصيرها الصرف الصحي
أكد المهندس عادل زكي، أن شبكة الصرف الصحي في القاهرة شبكة مجمعة ومدمجة بين الصرف الصحي وصرف الأمطار، ويعود عدم وجود شبكة صرف خاصة بمياه الأمطار في القاهرة -كما في عدد من المحافظات التي تتعرض لتساقط الأمطار بشكل مستمر- نتيجة لطبيعة الطقس في العاصمة والذي لا يضم تساقط أمطار غزيرة، ونتيجة لهذا الأمر أهدرت القاهرة 650 ألف متر مكعب مياه أمطار أمس فقط، وستهدر أي كمية أخرى في موجات أمطار مقبلة، فهذه المياه مصيرها الصرف الصحي.
ويكمن السبب في عدم إنشاء شبكة مستقلة لصرف مياه الأمطار في القاهرة، إلى عدم تكرار سقوط الأمطار ليمثل ظاهرة كما في المحافظات الساحلية إلى جانب التكلفة العالية لهذه الشبكة والتي تبلغ مليارات الجنيهات فضلًا عن تعطيل الحركة المرورية في القاهرة.
محطات الرفع والمعاجلة
شركة الصرف الصحي بالقاهرة يخدمها 4 محطات معالجة، في المنطقة الشرقية وتحديدًا شبكات مدينة نصر ومصر الجديدة في اتجاه مدينة السلام تصب في محطة مدينة السلام بقدرة 600 ألف متر مكعب مياه يوميًا، ومناطق دار السلام وحتى الأميرية تصل في النهاية لمحطة معالجة الجبل الأصفر بقدرة 2.5 مليون متر مكعب يوميًا، ومحطة بلقس في شبرا الخيمة بطاقة 600 ألف متر مكعب، وهي موجودة منذ 2005، وفي الجنوب من المعادي وحتى التبين يوجد مشروع محطة معالجة بقدرة 550 ألف متر مكعب ولكنها بحاجة لتوسعات لاستيعاب الزيادة، ونحن نرفع يوميًا 4.350 مليون متر مكعب، والمياه التي نعالجها تقل بنحو 400 ألف متر مكعب مياه خام، لابد من معالجة هذه المياه لمنع حدوث تلوث للمصارف.
845 ألف جنيه تكلفة معالجة مياه الأمطار أمس
أعلنت محافظة القاهرة أن كمية مياه الأمطار التي هطلت أمس بلغت 650 ألف متر مكعب مياه، ونتيجة لذهاب هذه الأمطار إلى الصرف الصحي في النهاية فإنها رغم ما سببته من أزمات وعدم الاستفادة منها في الشرب تحُمل شركة الصرف الصحي بالقاهرة نحو 845 ألف جنيه لمعالجتها، فتبلغ تكلفة معالجة المتر الواحد لمياه الصرف 1.30 جنيه في اليوم الواحد، وفق ما صرح به رئيس شركة الصرف في القاهرة.
طقس متغير وموجات أكثر عنفًا قادمة
وفقًا للتغيرات الأخيرة في الأحوال الجوية على مستوى العالم وتغير الظروف والأوضاع المناخية فإن العالم كله بما فيه مصر مقبل على ظواهر جوية أشد عنفًا.
ماذا بعد؟
قال صابر عثمان، مدير إدارة التكيف المناخي بوزارة البيئة، إنه وفقًا للدراسات الموجودة لديهم فإن التغيرات المناخية تؤثر على 3 قطاعات رئيسية هي (الزراعة - السواحل - الموارد المائية لنهر النيل)، ولكن طبقًا لأحدث دراسات تم إعدادها والتي لم تنشر بعد، يعتبر التهديد الرئيسي هو التغيرات المناخية المتطرفة، وهي الأكثر خطورة من التأثيرات السابقة وتؤثر عليهم جميعًا.
وأضاف عثمان، لمصراوي، أن التغيرات المناخية على مستوى العالم تحدث بشكل فوضوي؛ لأن التغيرات المناخية تعتمد على 3 مبادئ الحدة والشدة والتكرارية، فإذا كانت كمية معينة من المياه تسقط على مدار فصل الشتاء كاملًا يمكن للتغيرات المناخية المتطرفة أن تجعلها تسقط في أسبوع واحد أو تركزها على مناطق بعينها دون غيرها وبذلك سيكون الضرر أكثر حدة ولا يمكن للبنية التحتية أن تتحمله وبالتالي ستحدث مزيدًا من الكوارث.
فيديو قد يعجبك: