لم يتوقع مصيره.. كيف كانت رحلة سعد زغلول ورفاقه إلى مالطة ؟
كتب- محمد نصار:
أن تكون المحرك الرئيسي لثورة ضد الاستعمار تجمع فيها كل أطياف الشعب ليس بالأمر السهل، لكن أن تنشب هذه الثورة بسببك وفي غير وجودك، ربما يعتبره البعض أمرًا غيرًا منطقيًا، ولكن هذا ما حدث في حكاية سعد زغلول مع اندلاع ثورة 1919 للمطالبة بالاستقلال من الاستعمار.
انطلقت الشرارة الأولى للثورة في التاسع من مارس منذ 100 عام، ورغم أن زعيم هذه الثورة هو سعد زغلول، الذي أشعل فتيلها إلا أنه لم يكن شاهدًا على بدايتها ولم يحضرها بنفسه على أرض الميدان لكنه تابعها من المنفى.
يحكي سعد زغلول في مذكراته عن بداية الثورة فيقول إنه في يوم الجمعة الموافق 7 مارس عام 1919 سمع بعض الأنباء عن تجهيز 20 زنزانة أعدت لـ20 شخًصا في طره.
لم يعبأ سعد بما سمع، بل كان واثقًا لدرجة أنه لم يعبأ بتحذيرات أخرى سمعها من بعض الأصدقاء له: "في صبيحة يوم 8 أخبرني بعض الأصدقاء بأنه تقرر شيء.. ولو لم يصدر منا شيء مما نهينا عنه، فلم أعبأ بهذا الشيء".
ما هي إلا ساعات قليلة حتى وجد سعد، أحد الضباط الإنجليز ومعه مترجم وطني أسود، ليخبره: "إنك مدعو لأوتيل سافواي، فخرجت معه حتى وجدت محمد باشا محمود واقفًا أمام المنزل المجاور لنا، بجانب أوتومبيله وبعض العساكر، فأركبنا معًا في أوتومبيل إلى قصر النيل، وكان من خلفنا في أوتومبيل آخر إسماعيل صدقي باشا".
وسط تصاعد الأحداث داخل رأس سعد زغلول عن حال البلاد، طغى على تفكيره حال زوجته: "ولأن أفكارًا كثيرة كانت تتوارد علي، كان يزعجني منها ما توحيه حالة زوجتي التي لم تكن في البيت وقت القبض علي".
"ولم يخطر ببالي نفي ولكن سجن إلى زمن ما".. فلم يكن يعتقد سعد أنه سيُنفى خارج البلاد ويُحرم من قيادة الثورة بنفسه، وذهب سعد ورفاقه في طريق المنفى فبعد أن وصل القطار بورسعيد، انتقلا إلى البحر عبر مركب لا يعرفون وجهتها ولا أحد ممن عليها يدلي بدوله في هذا الأمر.
من هنا بدأت رحلة سعد زغلول ورفاقه إلى المنفى في جزيرة مالطة، حيث تم التحفظ عليهم في باخرة، فيؤكد: "بعد قليل في الغرف الثلاث التي كانت أوسعهم وأكثرهم متاعًا غرفة سعد، حضر حمد الباسل، السجين الرابع من أعضاء الوفد المصري".
انتهت رحلتهم غير المريحة سريعًا في السفينة التي لم تكن قاصدة جزيرة مالطة في الأساس لكنها توقفت قبالتها لإنزالهم، ولمحوا من بعيد زورقًا يقترب ليحملهم إلى أرض المنفى، ولكن الأسوأ أتى حينما أخبرهم الضابط الذي أتى لاستلامهم أنه لا يمكنهم الأخذ من أمتعتهم إلا القليل فقط والباقي يعود مع السفينة: "اعترتنا دهشة كبيرة لهذا النبأ الصادع لأن ما خف حمله من المتاع لا يغني شيئًا، ولم يكن في الوقت سعة لأن نختار النافع، وكان ذلك أشد وقعًا في أنفسنا من وقع القبض علينا".
على الجزيرة اقتيد سعد ورفاقه إلى قلعة لم يعرف اسمها، وخصص لهم عددًا من الغرف، لكنها على البلاط وليس فيها متاع أو فرش إلا بعض الكراسي، في الوقت الذي كانت فيه الرياح عاتية والبرد قارص، لتنتهي بذلك رحلتهم إلى المنفى وتبدأ رحلتهم في الأسر.
فيديو قد يعجبك: