"لأجل الإنسانية".. أمل لقاح كورونا في مصر يبدأ من "فاكسيرا" (معايشة للتجارب السريرية)
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
كتب- أحمد جمعة:
تصوير- محمد حسام الدين:
أول أمس كانت هدى فاروق (اسم مستعار) تصرف علاجها الشهري من داخل شركة "فاكسيرا" بالعجوزة. سمعت وسط حديث السيدات المحيطات بجانبها عن إجراء تجارب على لقاح لفيروس كورونا داخل إحدى بنايات الشركة العتيقة التي يعود بداية تأسيسها إلى عام 1881، حين تم إنتاج لقاح الجديري لأول مرة في مصر.
كان لدى السيدة الخمسينية رغبة في التقدم لتلك التجارب، صرفت علاجها، ثم ساقتها قدماها إلى مركز التطعيمات المكوّن من طابقين، وهوّ أحد المراكز الثلاثة التي حددتها وزارة الصحة لإجراء التجارب على لقاحي "سينوفارم" و"سينوفاك" الصينيين، إلى جانب معهد الكبد ومستشفى صدر العباسية بالقاهرة.
سألها فرد الأمن المتواجد خلف باب زجاجي يفصل الهواء المُكيّف عن ناظره الحار في الخارج عن وجهتها، فأخبرته بنيتها، فأجرى قياسًا للحرارة وناولها الكمامة، ثم استقبلتها إحدى المنسقات التابعات لشركة "G42" الإماراتية للرعاية الصحية ومسؤولة عن تنفيذ التجارب الإكلينيكية للقاح بمصر.
تقول هدى فاروق بينما دار في عقلها تساؤلات كثيرة عن طبيعة اللقاح: "جاية بنية صافية متطوعة لله، عرفت لما لقيتهم بيتكلموا بره عن اللقاح، وقلت أنا وحظي يمكن يكون فيه الشفاء للناس ويبعد عني الأذى من كورونا".
على الفور بدأت مُنسقة التجربة تبدد مخاوف "هدى"، تُخبرها أنها ستحصل على لقاح طورته شركة صينية ضد كورونا، عبر جرعتين يفصل بينهما 21 يومًا، على أن تتم متابعتها هاتفيًا خلال الأيام التالية، ثم بالحضور إلى المركز مجددًا مرتين؛ لمعاينة الأعراض الجانبية حال حدوثها.
كما أخبرتها أنه سيتم الحفاظ على سرية وخصوصية جميع البيانات الشخصية، ولها مطلق الحرية في الانسحاب في أي وقت من التجربة على ألا تتحمل أي مسؤولية ناجمة عن الانسحاب، ولم يؤثر ذلك سلبًا على العلاج الطبي الخاص بها.
لم تحتج "هدى" إلى أكثر من ذلك لإقناعها: "لو حاجة فيها الشفاء لكل الناس بعدي فخير"، كان ذلك في يقينها عندما أبلغت المنسقة بموافقتها على خوض التجربة؛ لتبدأ سلسلة من الإجراءات والفحوصات اللازمة للوصول إلى الحقن بإحدى وحدات اللقاح.
وهدى واحدة من 6 آلاف متطوع تحتاجهم وزارة الصحة؛ لإتمام تعاونها في تجارب لقاحي كورونا الصينيين "سينوفارم - سينوفاك"، والتي بدأتها السبت الماضي، وأطلق عليها "لأجل الإنسانية".
تتم التجارب ضمن المرحلة الثالثة لإنتاج اللقاح في ٤ دول عربية (الإمارات والبحرين والأردن ومصر)، وتستهدف الشركة تطعيم 45 ألف مبحوث على مستوى العالم، فيما وصلت إلى 35 ألفًا حتى الآن.
التسجيل
استقبلت داليا محجوب، إحدى منسقات التجارب، السيدة هدى؛ لتسجيل بياناتها وإعداد ملف خاص بها وتسليمها مجموعة من الأوراق لقراءتها ومعرفة كافة التفاصيل عن التجربة.
تقول داليا "كل متطوع له ملف خاص، وبه مجموعة من الأوراق أهمها الموافقة المستنيرة"، ثم يتم تسجيل بياناتها على النظام الإلكتروني الخاص بالتجربة، والتأكد من السن الذي جرى تحديده بين 18 إلى 60 عامًا.
ورغم المناقشات التي تتم قبل تقدم المتطوعين للتسجيل بالتجربة، فإن بعضهم يلازمه الخوف من المضي قدمًا فيها: "بيسألونا هل فيه خطر؟ عندي أمراض معينة هل فيها مشكلة؟ وهل ينفع أدخل في الدراسة ولا لأ؟"؛ لتحاول داليا ومن معها طمأنتهم بالأمان وعدم وجود أي تخوفات قد تصيبهم "طالما وصلنا للمرحلة الثالثة فالجزء الخاص بالأمان تم التأكد منه، وسنظل نتابع معهم لمدة عام سواء عن طريق الاتصالات التليفونية أو الحضور إلى المركز، وحال شعورهم بأي عرض طفيف سنكون معهم ونتابع حالتهم الصحية".
في أول يومين من بدء التجارب تقدم نحو 20 شخصًا فقط للحصول على اللقاح، كان أغلبهم من الرجال، وفق مصدر مُطلع على سير التجربة، مرجحًا أن ذلك بسبب اشتراط عدم وجود حوامل أو نية للحمل خلال عام منذ الحقن باللقاح، وهو من شروط الدراسة.
الشروط تشمل أيضًا أن تتراوح الفئة العمرية للمتطوع بين 18 إلى 60 عامًا، وأن يكون مقيمًا في مصر، ويخضع للتقدم لتقييم أهليته للمشاركة في التجارب، والتوقيع على "الموافقة المستنيرة" قبل خوضه التجربة، فيما جرى تحديد عددٍ من الأسس التي تمنع التطوع منها الإصابة بأعراض مثل الحمى والسعال الجاف والإعياء والسيلان خلال الـ14 يومًا التي تسبق أخذ اللقاح، ووجود حساسية تجاه بعض الأدوية، والإصابة بالتشنج والصرع، والتعرض لنقل الدم خلال 3 أشهر قبل التطعيم.
بعد دقائق معدودات انتقلت "هدى" إلى عيادة من اثنتين خصصتهما "فاكسيرا" أمام المتطوعين، واستقبلتها الدكتورة هبة الفيشاوي، التي ناظرتها بشكل مبدئي، وسألتها عن حالتها الصحية، ثم بدأت قياس العلامات الحيوية لها من ضغط ونبض ونسبة الأكسجين في الدم ثم الوزن والطول.
تقول الفيشاوي: "نحصل على التاريخ المرضي الخاص بالمتطوع، ويأتينا بعض الأشخاص الذين يعانون من السكري مثل حالة السيدة هدى على سبيل المثال، ولو كان مستقرًا يتم اعتماده، ونقرر -إجمالًا- مدى إمكانية قبول المتطوع من عدمه".
تستكمل الطبيبة باقي المشورات مع "هدى" بإبلاغها عن المواعيد التي يجب معرفتها بعد الحصول على اللقاح، والمضاعفات التي قد تحدث لها بعد الحقن وماذا تفعل حال ذلك.
وبحسب أوراق التجارب، قد تحدث بعض التفاعلات الشائعة عند تلقي اللقاح، وتشمل: ألمًا متوسطًا واحمرارًا وتصلبًا وحكة في موضع التطعيم، أو حمى وصداعًا وإرهاقًا وسعالًا وحساسية، وعادة ما تكون هذه الأعراض خفيفة وتزول من تلقاء نفسها.
ولزيادة طمأنة المتطوعين، يُبلغهم الأطباء أنه سيتم علاج المرضى الذين يعانون من أعراض متوسطة إلى شديدة تحت إشراف الطبيب المعالج المختص، وحينها يجب الإبلاغ عن أي أعراض جانبية محتملة للمسؤول الطبي في غضون 24 ساعة من خلال زيارة عيادة الرعاية الصحية.
"التكويد"
ما إن انتهت "هدى" من الحديث مع الطبيبة هبة الفيشاوي حتى انتقلت إلى غرفة مجاورة، حيث تم تسليم ملفها لـ"تكويده"، حيث يُترجم من صورة ورقية إلى صورة إلكترونية مطبوع عليه رقمه الكودي غير معروف تفاصيله للمتطوع أو المسؤول عن التجربة داخل المركز.
يوضح كريمو أحمد، أحد المنسقين في التجارب، أنه يتم إدراج كافة المعلومات والبيانات ضمن ملف المتطوع "يوضع عليه كل شيء له علاقة بالمتطوع سواء عينات الدم أو اللقاح الخاص ثم مرحلة المتابعة فيما بعد التطعيم، وتحفظ هنا لمراعاة السرية الخاصة به".
عقب ذلك، انتقلت المتطوعة إلى "المعمل"، حيث تم سحب عينة دم وإجراء مسحة"pcr"؛ للتأكد من عدم الإصابة بكورونا، ثم غادرت ومعها إحدى الممرضات إلى الصيدلية وهناك تسلمت الأخيرة عبوة اللقاح مرفقًا بها رقم كودي يتوافق مع الرقم الخاص بملف هدى: "لا يعرف المتطوع ما اللقاح الذي حصل عليه أو الصيدلي نفسه".
وبحسب الدكتورة هبة والي، رئيس الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات "فاكسيرا"، فإنه تم إنتاج اللقاحين بنفس التكنولوجيا من مصنعين في الصين وتم اجراء التجارب عليهما وسيحصل 2000 متطوع على اللقاح الأول، و2000 على اللقاح الثاني، و2000 على "البلاسيبو" وهي المجموعة الحاكمة للتجربة (لقاح وهمي)؛ لمعرفة موقف إصابة هؤلاء الذين لم يحصلوا على اللقاح بكورونا.
توضح "والي" أنه حال إصابة 214 حالة من أصل المتطوعين المشاركين فى الدراسة (45 ألف متطوع على مستوى الدول)، يتم وقف الدراسة ويتم تحليل أسباب ذلك، وإن تعدت أكثر من 50% اصابة من الذين حصلوا على "البلاسيبو" تكون الدراسة فعالة ويمكن استخدام اللقاح.
وصلت "هدى" إلى مرحلتها الأخيرة للحصول على لقاح "كورونا" المنتظر. وقفت في مواجهة ممرضة تسأل ربها النجاة، والخير "للإنسانية"، جمّعت الممرضة اللقاح في "سرنجة" مخصصة نصف مللي، ثم حقنتها في عضلة كتف السيدة ذات الأصول الصعيدية، وبعدها تنفست الصعداء.
ويشير الدكتور مصطفى محمدي، مدير مركز التطعيمات بـ"فاكسيرا" الذي يجري داخله التجارب، أنه بعد تلقي التطعيم يكون المتطوع تحت الملاحظة لمدة نصف الساعة لمتابعته عبر طبيب وممرض حال حدوث أي أعراض جانبية جراء تلقي التطعيم، ثم يغادر المركز؛ لتتم متابعته هاتفيًا أو بحضوره إلى المركز: "لا بد قبل ما يمشي يكون عرف إيه الحاجات اللي هتم معاه في البيت ويتم متابعته بعد ذلك".
ويعتقد محمدي أنه خلال شهرين سيكون تم تطعيم 6 آلاف متطوع وإنجاز الجزء الأكبر من الدراسة، ثم متابعتهم على مدار عام لملاحظة التأثير عليهم.
وأوضحت الدكتورة هبة والي أنه لن يتم تصنيع اللقاح إلا بعد التأكد من مأمونيته وفعاليته، موضحة أنه بعد 45 يوما من الحصول على التطعيم يتم قياس نسبة الأجسام المناعية التي كونها الجسم.
وأضافت: "هناك مفاوضات حاليًا مع الشركة الصينية؛ لنقل تجربة تصنيع "لقاحات كورونا"، وحاليا نعمل على الحصول على تصميم المصنع والعملية الإنتاجية وفور ثبوت فعالية اللقاح سيتم البدء في تصنيع التشغيلات التجريبية التي تخضع لرقابة هيئة الدواء، ونتوقع ذلك أول العام المقبل، ثم التصنيع بشكلٍ كبيرٍ حال ثبوت مأمونية اللقاح".
قبل أن تغادر السيدة هدى مركز التطعيمات ألقت السلام على الحاضرين، وتمتمت "ربنا يجيب الشفاء للكل يارب". وانصرفت ولقاح كورونا المأمول في جسدها.
فيديو قد يعجبك: