حوار- رئيس وحدة "الطوارئ النفسية": هذا ما نقدمه لدعم مصابي غزة.. ونصيحة للمصريين
كتب- أحمد جمعة:
كشفت الدكتورة نعمات علي، مسؤول وحدة الطوارئ النفسية والدعم النفسي بالأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، عن تواجد فريق متخصص لتقديم خدمات الدعم النفسي للمصابين الناجين والناجيات القادمين من قطاع غزة للعلاج في المستشفيات المصرية؛ لمساعدتهم على تجاوز الأزمة الراهنة.
وأشارت "علي" التي ترأس فريقًا للصحة النفسية في العريش، في حوار مع "مصراوي"، إلى أنه جرى التأكيد مع المصابين خلال جلسات الدعم النفسي الأولي إلى أن رد فعل الإنسان تجاه هذا الحدث -أيًا كان ما قام به- فهو "طبيعي"، لأن الكثير في هذا الوقت يشعرون بالذنب غير المبرر، وبالتالي علينا أن نساهم في مساعدتهم على تجاوز هذا الشعور بدلًا من أن يعيش طوال حياته به، وقد يعاني الناجون من أفكار مشوشة وسلبية عن العالم المحيط بهم مما يؤثر على حياتهم مستقبلًا.. وإلى نص الحوار:
* تتواجدين على رأس فريق متخصص في العريش لتقديم الدعم النفسي للناجين والناجيات من غزة.. ماذا قدمتم؟
نقدم الدعم النفسي الأولي وهو هام للغاية في هذا التوقيت، ودوره يأتي بعد الإسعافات الأولية للمصابين، بجانب التوعية التي تمثل خط الدفاع الأول للتقليل من ظهور الأعراض أو الأمراض النفسية لاحقًا، ويكون تقديم هذا الدعم النفسي الأولي خلال الحوادث والكوارث الصادمة، التي تكون مفاجئة وصادمة وحادة وتؤثر على حياتنا وحياة من نحبهم.
كما أن الدعم الأولي أساسي في وقت الأزمات والصدمات، ففكرة وجودك بجوار إنسان يُشعره أنه لا تزال هناك حياة خارج إطار الحدث الصادم بما فيه من أحداث وأنه ليس وحيدا في هذا العالم.
أول شيء نقوم به في هذا الموقف هو التأكيد على أن رد فعل الإنسان تجاه هذا الحدث -أيًا كان ما قام به- فهو "طبيعي لأمر غير متوقع"، لأن الكثير في هذا الوقت يشعرون بالذنب، أو الخوف الشديد فمثلا أنه فشل في حماية إنسان يهمه، سواءً إن كان ابنه أو شقيقه أو والدته على سبيل المثال، وبالتالي ما قام به كان مناسبًا في هذا التوقيت، بدلًا من أن يعيش طوال حياته بمشاعر وأفكار سلبية عن نفسه بما يؤثر على حياتهم مستقبلًا، وعلاقتهم مع نفسهم والآخرين والعالم أجمع.
* ما خطتكم للتعامل مع الأزمات النفسية للمصابين؟
للأسف فالمواطنين الفلسطينيين تعرضوا لأزمات شديدة وطويلة جدًا خلال حرب غزة، وبالتالي نتواجد في وقت صعب لمساعدتهم على تجاوز ما يشعرون به، ثم الاطمئنان عليهم والتأكد من الاحتياجات الأساسية لهم سواءً النوم الجيد أو الحصول على مقدار جيد من الراحة وكلها أمور قد تكون غائبة عن الفرق الطبية التي تعالجهم، وأحياناً تكون هناك مشاعر يرغبون في الحديث عنها، ونقول لهم: "ما تشعر به حقك، ومهما كان ما قمتم به وقت الحدث فهو أمر طبيعي".
وفي بعض الأوقات هناك مشاعر وأحاسيس وافكار قد يخاف البعض من الحديث عنها، وبالتالي نفرق لهم بين المشاعر الطبيعية أو الأعراض التي قد تحتاج لعلاج نفسي متخصص.
كما أنه في بعض الأوقات يحتاج الناس للحديث عن مشاعرهم وأفكارهم بدون الحكم عليهم، وهذا ما نقوم به في الدعم النفسي الأوّلي.
* ما أبرز الأعراض النفسية التي ظهرت على المصابين القادمين من غزة؟
كما قلت لك، فلن أستطيع الخوض في الأعراض النفسية للمصابين، لأن ما يشعرون به أيا كان هو إحساس طبيعي للغاية في هذا الوقت، وبالتالي لا نستطيع الحكم على أي شخص، ومثال على ذلك شخص تعرض لحريق في منزله يكون طبيعي أنه يشعر بالخوف والفزع، لكن يمكننا الحديث عن أعراض نفسية بعد انتهاء الأحداث بفترة، وهذا يتمثل في جزء التوعية أن يفهم المصابين وضعهم وأن تصرفاتهم ملائمة للحدث.
وبشكل عام فأعراض الأشخاص مختلفة، لكنها في مجملها طبيعية في مثل هذا الوقت بالنظر لفداحة الحادث، وكل شخص حسب استجابته للموقف.
* ما العوامل التي تؤثر على الحالة النفسية للمصابين؟
هناك عدة عوامل تؤثر في تلك الاستجابة، سواءً مدى تعرضهم لمثل هذه المواقف قبل ذلك خلال حروب سابقة، أو السن، والجنس، ومدى وجود عائلة تخفف من الأمر، وهناك الكثير من الأفراد فقدوا عائلاتهم بشكل كامل وبالتالي هذا يمثل مشكلة أكبر.
* فيما يتعلق بالأطفال المصابين.. هل كان الأمر أكثر فداحة بالنسبة لهم؟
أي شخص يتعرض لحدث صادم لفترة طويلة بالتأكيد يؤثر عليه، ونتمنى أن يساهم وجود الأهالي في تجاوز الأطفال لتلك الأزمة التي تكون سلبية بصورة أكبر عليهم، وبالتالي نعمل مع الأهالي بصورة أكبر لتدريبهم على التعامل مع أطفالهم بعد هذا الحادث، بأنه إذا ظهرت عليه أعراض "كوابيس أو صراخ أو بكاء حاد" فهذا أمر طبيعي يجب أن نتحمله ونساعدهم في التخفيف من حدته.
* هل تتعاملون مع كل القادمين إلى مصر؟
الدكتورة منن عبدالمقصود رئيس الأمانة العامة للصحة النفسية، وجهت بتحرك فريق متخصص لتقديم الدعم النفسي للمصابين القادمين من غزة، وكذلك الناجين بشكل عام الذين يصلون إلى مصر عبر معبر رفح، ونتعامل معهم لمعرفة مدى حاجتهم لتدخلات أكبر، كما نقوم بتوعية الفرق الطبية لأنهم من سيستمرون معهم طوال فترة علاجهم.
* ما الأعراض الأكثر شيوعًا على المصابين؟
هناك إحساس داخلي إنهم "لسه عايشين لغاية دلوقتي؟!"، وبالتالي كان لزامًا حصولهم على دعم نفسي حتى يستطيعوا الاستمرار بشكل طبيعي، كما أنهم لا زالوا في فترة "الصدمة المستمرة".
* هل تستمر تلك الأعراض لفترة طويلة؟
الفريق الموجود في العريش متواجد من اليوم الثاني لوصول المصابين إلى مستشفيات شمال سيناء، ومع مرور الأيام وتقديم خدمة طبية في مستشفى العريش وما نقوم به، فإن المصابين يتحسنون يومًا بعد يوم من الناحية النفسية، وردود الفعل تتحسن بالتدريج وحالتهم النفسية تكون أفضل كذلك، نتيجة عدة عوامل على رأسها الإحساس أنهم في مكان أفضل وأكثر أمانًا عن ذي قبل.
* ماذا يتضمن فريق الدعم النفسي المخصص للتعامل مع المصابين؟
نتواجد الآن ضمن فريق يشمل طبيبين و2 تمريض، لكننا نعمل على الدعم النفسي الأولي وسنستمر في تلك المهمة لحين التعامل مع كافة المصابين القادمين والتخفيف من حدة هذا الحدث.
* المصريون يتابعون الحرب عن كثب ويتابعون كافة الفيديوهات والصور من غزة.. ما تأثير ذلك عليهم نفسياً؟
ننصح الجميع ألا يكثروا من مشاهدة فيديوهات التدمير والقتل التي تُعرض من غزة، لأن تلك الفيديوهات والصور من الممكن أن تتواجد في ذاكرتنا لفترات طويلة بعد انتهاء عرض الفيديو.
كما أن الناس يكون لديها مشاعر خاصة بالحدث وقد تتولد بعض الأفكار التي تعوقها عن استمرار حياتها اليومية، وبالتالي فالخط الساخن 16328 متواجد على مدار الساعة إذا شعر شخص بأزمة جراء هذا الحدث لكي نساعده على تجاوزه.
ونقدم "التوعية" للناجين والناجيات من الحدث، أو من يشاهدون الصور بشكل عام، عبر فرق متخصصة للخط الساخن "16328" التابع للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، والذي يعمل على مدار الـ 24 ساعة، حيث يمكن لأي شخص الحديث مع أحد المعالجين للحديث عن هذه الأحداث وسيجد متخصصين للإجابة عن كل تساؤلاتهم.
كما يقدم الخط الساخن خدمة متخصصة للناجين والناجيات من أحداث غزة بجانب الأطقم الطبية التي تتعامل مع المصابين.
فيديو قد يعجبك: